"أخطاء جليلة"، حين تصير القصة القصيرة جدًا مرآةً للندوب الخفية
عن دار الأدب الوجيز للنشر، صدرت حديثًا للكاتب عادل الجريدي مجموعة قصصية بعنوان "أخطاء جليلة"، تضم مائة قصة قصيرة جدًا، قدّم لها الدكتور المغربي خالد مساوي، في قراءة نقدية تضيء المسالك الخفية لهذا العمل المختلف في نبرته ومقاصده.
في هذه المجموعة، لا يراهن الجريدي على الحكي التقليدي، بل يغامر بلغته في تفكيك اليومي وإعادة تركيبه بأسلوب يرتكز على التكثيف والاختزال والدهشة المباغتة. كل قصة تنزلق كهمسة داخل جرح، وتخرج كصرخة مكتومة في وجه الواقع، الذي يبدو مألوفًا حتى يبدأ في كشف أقنعته واحدة تلو الأخرى.
"أخطاء جليلة" ليست مجرد محاولة في جنس القصة القصيرة جدًا، بل هي استكشاف عميق لأسئلة وجودية معلّقة في هواء خانق. أسئلة تتراوح بين السياسي المنكسر، والاجتماعي المرتبك، والعاطفي الملتبس، حيث لا شيء يُقدّم كما هو، بل كما يجب أن يُفكّر فيه دون مواربة.
في هذه المجموعة، يخون النص توقّع القارئ عمدًا، ويجرّه نحو فضاء لا يكتفي بالإمتاع، بل يقلق الطمأنينة ويحرّض على التفكير. لا خلاص في هذه القصص، بل محاولات متكررة لفهم الخلل الذي يعيش فينا بقدر ما نحياه نحن فيه.
"أخطاء جليلة" هي عنوان يناقض ذاته بذكاء، ويحمل في طياته الاعتراف الخفي بأن الأخطاء قد تكون أبلغ تعبير عن إنسانيتنا حين تُرتكب بنية الفهم، لا التبرير.
هي كتابة تتقاطع فيها البلاغة مع الشك، والصدق مع السخرية، واللغة مع الصمت... في زمن تتكاثر فيه القصص، وتقلّ فيه الحقيقة.