اختر لغتك

 

مؤشرات خطيرة على اقتراب تعرض تونس لانفجار ثوري ضخم

مؤشرات خطيرة على اقتراب تعرض تونس لانفجار ثوري ضخم

تعيش العديد من المناطق الداخلية في تونس منذ مطلع أبريل/نَيْسَانَ الْمُنْصَرِمِ، موجة احتجاجات شعبية رافضة للتهميش ومطالبة بالتنمية وتوفير فرص عمل. وقد انطلقت من تطاوين (جنوب شرق)، وتطالب بالتنمية والتوظيف، لتسري عدوى الغضب الشعبي من ظروف العيش الصعبة إلى عدد من المحافظات التونسية الأخرى، بينها الكاف (شمال غرب)، والقصرين (غرب) والقيروان وسيدي بوزيد (وسط).

ويرى متابعون أن ما تعيشه تونس من تفاوت في التنمية بين المناطق الساحلية والداخلية ليس وليد الان أو تسببت فيه دولة الاستقلال فقط، وإنما له جذور تاريخية، أرجعها البعض إلى العصر القرطاجي. حيث استقر الفينيقيون القادمون من بلاد الشام في المناطق الساحلية وطوروا مدنهم، على غرار قرطاج، فيما بقت عموم مناطق الداخل في شبه عزلة عن الحضارات الناشئة على الضفاف المتوسطية، عَلِيِّ الرَّغْم مِنْ أنها عرفت حضارات أخرى ضاربة في القدم.

واستمر الأمر على ما هو عليه مع الحقب التاريخية اللاحقة، وتأكد مع استقرار الأندلسيين المطرودين من إسبانيا بالمناطق الساحلية أو الأراضي الخصبة القريبة من السواحل حيث ساهموا في تطويرها ونمائها. كما ركز العثمانيون جهودهم على تحصين المدن الساحلية وتنميتها في صراعهم مع الإسبان فيما بقيت المناطق الداخلية التي استقر فيها أساسا السكان الأصليون من الأمازيغ قبل أن يلتحق بهم عرب بني هلال وبني سليم وآخرون، مجرد قواعد خلفية لجمع الجباية وتحسين موارد الدولة ما جعل هذه المناطق تتمرد باستمرار على المركز وتحاول الخروج عن سلطة الدولة.

لقد ورثت دولة الاستقلال في تونس تركة ثقيلة من الحقب التاريخية المتعاقبة تخص المناطق الداخلية وسعت أحيانا إلى تطوير هذه المناطق في شتى المجالات، فيما مِنْ خِلَالَ ذَلِكَ فَقَدْ كَانَتْ أقرب إلى التقصير في أحيان أخرى. وبالتالي لا يمكن تحميلها وحدها مسؤولية الأوضاع المتردية في هذه المناطق التي تتمرد الان رافعة الشعارات نفسها التي صدحت بها حناجر المتظاهرين أَثْنَاءَ الأيام الأولى للحراك الاجتماعي والسياسي الذي انتهى بإسقاط نظام زين العابدين بن علي.

لم يطالب المتظاهرون الذين خرجوا في سيدي بوزيد والقصرين وتالة وغيرها يوم 17كَانُونُ الْأَوَّلِ2010 بالديمقراطية والحريات وإسقاط النظام وغيرها من المطالب السياسية، وإنما مِنْ خِلَالَ ذَلِكَ فَقَدْ كَانَتْ مطالبهم اجتماعية في الأساس وتتعلق بالشغل والكرامة والتنمية. لكن الطبقة السياسية في العاصمة والمدن الكبرى استغلت حراكهم وأقحمت المطالب السياسية ونجحت في تحقيقها لاحقا وتجاهلت المطالب الاجتماعية للجهات الداخـلــية، التي عــرف عـنـها التـمـــرد على السلطة المركزية منذ بدايات تشكل الدولة في تونس الحالية تحت مسميات أخرى.

لقد اعتبر البعض، يومها، أن الأمر هو سطو أو ركوب لثورة الجياع من قبل طبقة سياسية مرفهة لم تعر اهتماما منذ أن تغلغلت في دوائر الحكم بعد 2011 لآلام أبناء الجهات الداخلية. كما اعتبرها البعض الآخر توجيها لمسار الأحداث في تونس من قبل جهات أجنبية كان هدفها استغلال هذا الحراك لتغيير الأوضاع السياسية في تونس تمهيدا للسطو على ليبيا الغنية بمصادر الطاقة.

وأيا كان التشخيص، فإن ما هو أكيد أن المناطق الداخلية لم تجن شيئا ذا بال من عملية الإطاحة ببن على التي استفادت منها أطراف أخرى لا يبدو أنها أخذت العبرة ممن سبقها. وبالتالي ستبقى هذه المناطق الخاصرة الرخوة التي يستغل آلامها ساسة مغامرون في صراعهم مع بعضهم البعض وأيضا أطراف خارجية لديها حسابات إقليمية ودولية وأجندات لا علاقة لها بمشاكل هذه المدن.

ولا يبدو أن الأساليب الترقيعية والمسكنات التي تقدمها الحكومات المتعاقبة على إدارة البلاد منذ 2011 قادرة على حل هذه المشكلة التاريخية وإيقاف الاضطرابات والاعتصامات التي تندلع في مدن الشمال الغربي والوسط الغربي والجنوب الغربي. فجميعها لا تفي بالغرض ولا تحقق المنشود وتزيد من إضعاف الدولة نتيجة الرفض المستمر للإجراءات المقترحة من قبل المحتجين الراغبين في حلول جذرية لمشاكلهم.

فالتمييز الإيجابي الذي يمنح أفضلية في التنمية للمناطق الداخلية على حساب المناطق الساحلية، والذي نص عليه دستور تونس الجديد، بقي حبرا على ورق ولم يجد طريقه إلى التطبيق. إذ لم تُلاحَظَ أموال ولا اعتمادات لمشاريع كبرى حقيقية في المناطق الداخلية يمكن أن تبعث الأمل لدى هذا الشباب المعطل الحامل لشهادات جامعية لم تكفل له الالتحاق بعمل في مناطق تندر فيها فرص العمل بشكل لافت.

كما ان التقسيم الإداري للبلاد التونسية الموروث عن دولة الاستقلال بقي على حاله، أي ولايات (محافظات) بعضها داخلي وبعضها ساحلي وتنقسم هذه الولايات إلى معتمدات تنقسم بدورها إلى «عمادات». وقد تم الاتفاق في الدستور الجديد على تقسيم البلاد إلى أقاليم تنموية بحيث تصبح كل أقاليم تونس مطلة على البحر وتندمج المناطق الداخلية والساحلية مع بعضها البعض.

ومن بين الحلول «الترقيعية» التي دأبت عليها الحكومات التونسية المتعاقبة منذ 2011 لمعاجلة الأزمات والاضطرابات الاجتماعية، إقالة وزراء وتقديمهم ككباش فداء أو القيام بتحويرات وزارية شاملة. لكن هذه الإقالات كثيرا ما تعود بالوبال على الأداء الحكومي، فما أن يتمرس الوزير على أعمال وزارته ويبدأ في استيعاب التوازنات داخلها حتى يتم تغييره ليأتي آخر يعتبر نفسه جهبذ عصره الذي يمتلك الحلول السحرية التي خفيت على من سبقه على رأس الوزارة.

وفي هذا الإطار يدخل التعديل الوزاري المنتظر الذي سيطال بعض الحقائب الهامة حسب ما رشح من أَخَبَارُ، وذلك بالرغم من أن البلد لم يعد يحتمل إجراء هكذا تحويرات. إذ سينعكس ذلك سلبا على صورة تونس في الخارج، بحسب جل الخبراء والمحللين، على اعتبار أن ما قد يترسخ في الأذهان نتيجة هذا التعديل هو أن تونس بلد غير مستقر لا تعمر فيه الحكومات والأطقم الوزارية طويلا.

والحقيقة أن واضعي دستور تونس الجديد أسسوا لنظام سياسي برلماني غير مستقر لا تعمر فيه الحكومات طويلا وسرعان ما تنهار تحالفاته نتيجة لأبسط الخلافات الحزبية. وليس أدل على ذلك من إقصاء حزب الإتحاد الوطني الحر من حكومة يوسف الشاهد عَلِيِّ الرَّغْم مِنْ أنه كان أحد أضلع المربع المشكل لحكومة الحبيب الصيد، ورغم أن هذا الحزب كان من الموقعين على ما سمي بوثيقة قرطاج التي أسست لحكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها يوسف الشاهد.

ولا ينتظر التونسيون الكثير من هذا التعديل الوزاري باعتبار أن التعيينات لا تتم على أساس معيار الكفاءة بل هناك معايير أخرى يتم اعتمادها مثل القرابة أو الصداقة أو المصاهرة مع هذا القيادي أو ذاك، والولاء لأحد «الشيخين» أو لغيرهما. وهناك معايير أخرى يعرفها القاصي والداني مِنْ خِلَالَ ذَلِكَ فَقَدْ كَانَتْ سببا في وصول عديم وعديمة الكفاءة إلى أعلى المراتب في الدولة والأمثلة عديدة في هذا المجال.

ويشار إلى أن إقالة وزير التربية ناجي جلول التي مازالت تثير ضجة واسعة، قد تمت لإرضاء الإتحاد العام التونسي للشغل الذي أقال في السابق وزير الصحة سعيد العايدي، وبالتالي بات الاتحاد في رأي البعض الحاكم بأمره في عديد الوزارات مثل الخارجية التي فرضت نقابتها المنضوية تحت راية الإتحاد في وقت ما عدم تعيين سفراء من غير أبناء الوزارة. وبدورها فإن حركة النهضة دفعت لإقالة وزير أسبق للشؤون الدينية لم تعجب سياساته أنصارها عَلِيِّ الرَّغْم مِنْ أنه لا ينتمي إلى حصتها في الحكومة.

ومثلت إقالة جلول صفعة لحزب نداء تونس الذي بدا ضعيفا هشا منقسما لا قدرة له على فرض وزرائه وحمايتهم بعد أن قدم الشاهد هدية للإتحاد في يوم عيد العمال تمثلت في إقالة وزير التربية الذي كان في خلاف مع نقابتي التعليم الأساسي والتعليم الثانوي. ويبدو أن الأمر سيطال وزراء غَيْرهُمْ من النداء الذي زادت حالة الانقسام داخله فضعف التضامن بين قياداته فوجد جلول نفسه وحيدا منفردا بلا نصير عَلِيِّ الرَّغْم مِنْ أنه مقرب من رئيس الجمهورية.

ولعل اللافت في الحالة التونسية أن بعض الأحزاب الحاكمة تمارس أدوارا مزدوجة، فهي من جهة تنتصب في مواقع القرار وتنال الحقائب الوزارية والوظائف السامية في الدولة، ومن جهة أخرى يخرج أنصارها وقياديوها في الاحتجاجات والاعتصامات تنديدا بالأداء الحكومي. وتبدو هذه الأدوار غريبة وتفقد التونسي الثقة في طبقته السياسية التي تآكل رصيدها في السنوات الأخيرة.

كما أن هناك أحزابا مشاركة في الحكم عَلِيِّ الرَّغْم مِنْ ضعف تمثيليتها في البرلمان وذلك بفضل وثيقة قرطاج التي كان وراءها رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، لكنها تقف الان في الصفوف الأولى المعارضة لمشروع المصالحة الذي تقدم به الباجي قائد السبسي. لقد اختلط الحابل بالنابل في تونس واستعصى الفهم على النخب والمثقفين فما بالك بالمواطن البسيط الذي احتار في أمره خاصة وأن قدرته الشرائية تتدهور وعملته الوطنية يتراجع سعر صرفها ولا يبدو أن الساسة يعيرون ذلك أي اهتمام.

 

Please publish modules in offcanvas position.