جل التلاميذ غير قادرين على تحقيق المعايير الدنيا في الفهم.
ما انفكت الدراسات التربوية تؤكد على تراجع قدرات التلميذ التونسي على التحصيل العلمي، وجاءت الدراسة التي أعدتها وزارة التربية بالتعاون مع البنك الدولي وسفارة بريطانيا بتونس، لتبين أن تلاميذ المرحلة الابتدائية غير قادرين على تحقيق المعايير الدنيا في الفهم.
تونس ـ نشرت وزارة التربية دراسة أعدت بالاشتراك مع البنك الدولي وسفارة بريطانيا بتونس، حول قدرات التلميذ التونسي خلال المرحلة الابتدائية، وجاء فيها أن قدرات التلميذ التونسي قد تراجعت.
وأشار الباحث في الشؤون التربوية مجيد شعبان، إلى أن الدراسة كشفت عن قدرة التلميذ التونسي بالسنة الثالثة من التعليم الابتدائي العمومي بالوسط الحضري، على قراءة 48 كلمة في الدقيقة، مقابل 31 كلمة بالوسط الريفي، لترتفع النسبة إلى 60 كلمة في التعليم الخاص.
وتابع شعبان لدى حضوره برنامجا إذاعيا في راديو شمس أف.أم (إذاعة خاصة) أن تلاميذ السنة الرابعة من التعليم الابتدائي العمومي بالوسط الحضري، قادرون على قراءة 48 كلمة في الدقيقة، لتنخفض النسبة إلى 28 كلمة بالوسط الريفي، مقابل 95 كلمة في التعليم الخاص. وأضاف شعبان أن العينة التي تمت دراستها أظهرت أن 80 في المئة من التلاميذ المستجوبين غير قادرين على تحقيق المعايير الدنيا في الفهم.
وكشف خالد الشابي، رئيس الجمعية التونسية للتربية على النجاح، أن 3.9 في المئة من التلاميذ المستجوبين في الدراسة (عينة من 120 مدرسة) يقصدون المدرسة وهم جوعى.
وتابع الشابي أن 60 في المئة من التلاميذ يتلقون دروسا خصوصية فيما لا يملك خمسة التلاميذ أي كتاب للمطالعة في البيت، و13 في المئة منهم لم يطالع كتابا في حياته.
وأضاف الشابي أن الدراسة أظهرت أيضا أن نصف التلاميذ لم يتغيبوا أبدا عن المدرسة. كما أكد تقرير للبنك الدولي أن الطفل المولود في تونس يفقد 48 في المئة من قدراته الإنتاجية عندما يكبر.
وبحسب مؤشر رأس المال البشري الصادر عن البنك الدولي مؤخرا، فإنه إذا استمرت الظروف الحالية للتعليم والصحة في تونس على حالها، فإن الطفل المولود في تونس في العام 2020، لن يصل إلا إلى 52 في المئة من قدرته الإنتاجية عندما يصبح شخصا بالغا. وهو ما يعني أن الخدمات التي توفرها منظومتا التعليم والصحة في تونس تتسبب في هدر قدرات الطفل التونسي بنسبة تصل إلى حوالي النصف.
ومن أصل 14 عاما ممكنة كحد أقصى من سنوات التعليم المتوقعة قبل سن الثامنة عشرة، أشار التقرير إلى أن الطفل التونسي يتمكّن كمّا من دراسة 10.6 عام فقط بسبب الظروف الحالية في تونس، أما كيفا، فإنه يتعلم أقل من ذلك بكثير، حيث بلغ معدل مؤشر سنوات التعلم 6.5 عام لا غير. وهو ما يعني أن الطفل التونسي يتمكن بحسب ظروفه الحالية من الدراسة لمدة 10 أعوام قبل سن الثامنة عشرة. لكنه عمليا لا يستفيد ولا يتعلم إلا لمدة 6.5 عام قبل سن الثامنة عشرة.
ولفت سليم قاسم رئيس جمعية جودة التعليم في تصريح سابق إلى أن مثل هذه النتيجة كانت منتظرة وتبدو منطقيّة وهي حصيلة ثلاثة عقود من العبث التربوي الذي طال مختلف ركائز المنظومة وخاصّة منها ما يتّصل بالموارد البشريّة، والبرامج التعليميّة.
وأضاف قاسم أن المنظومة التربوية التونسية قرّرت التخلي عن مدارس إعداد معلمي المرحلة الابتدائية التي زوّدتها على مدى عقود بخيرة مدرّسيها المتمكّنين معرفيّا ومهنيّا، والحاملين لعقيدة تربويّة تجعلهم يتفانون في أداء رسالتهم بكلّ عزيمة وإخلاص. وفي المقابل تمّ التّعويل على انتدابات عشوائيّة لمدرسين لا يتجاوز تكوين العديد منهم مستوى البكالوريا.
وتعاني منظومة التعليم في تونس من التهميش، حيث جعلت الإصلاحات المسقطة القطاع يتخبط تحت تأثير تغير التجارب والمناهج، الأمر الذي أثر سلبا على مستوى التلميذ التونسي وفاقم من نسب الرسوب والانقطاع عن الدراسة. وتوصلت بعض الدراسات إلى أن الانقطاع عن التعليم في تدرج من المرحلة الابتدائية إلى التعليم الثانوي، حيث ارتفع من 1.2 في المئة إلى 10 في المئة.
وينقطع 280 تلميذا يوميا عن الدراسة، وتمس هذه الظاهرة أساسا الذكور وتكبّد الدولة 1135 مليون دينار، أي ما يمثل نسبة 20 في المئة من ميزانية وزارة التربية، وهو ما يستوجب ضبط استراتيجية وطنية شمولية لمقاومة هذه الظاهرة، التي أضحت تنخر المنظومة التعليمية في تونس.
واعتبرت المديرة العامة للمرحلة الابتدائية نادية العياري، أن التلاميذ في تونس تنقصهم الأنشطة الثقافية والرياضية والفنية لصقل مواهبهم وتنمية قدراتهم، وهو ما يتطلب خلق فضاء زمني يمكنهم من ممارسة الأنشطة بالتزامن مع الدراسة.
ولفتت إلى أن إصلاح القطاع، يستوجب كذلك تغيير محتوى الكتاب المدرسي حتى يصبح مواكبا لمتطلبات مدرسة المستقبل فضلا عن تهيئة البنية التحتية للمدارس والمعاهد الإعدادية والثانوية بما يسمح بتوفير الفضاءات والقاعات متعددة الاختصاصات.
وشددت على أن المدرسة العمومية يجب أن تصبح مواكبة للتطورات والتغييرات التي يعيشها المجتمع التونسي، باعتبارها فضاء ليس مخصصا للتعلم فقط بل كذلك فضاء لبناء علاقات وخوض التجارب.
وحتى تُصبح المدرسة قادرة على مواكبة التغيّرات المجتمعية، يجب أن تتوفر فيها كل عمليات المرافقة النفسية والاجتماعية والتربوية.
ويرى خبراء التربية أنه لا يمكن التصدي للأزمة التعليمية عبر إصلاح المنظومة التعليمية فقط، فالقطاع التعليمي يواجه عدة تحديات حاليا، منها بالأساس عدم قدرة وزارة التعليم على الوفاء باحتياجات تطوير القطاع التعليمي بسبب القصور الكبير في الاستثمار في التعليم.
كما أن الاضطرابات المتصلة بفايروس كورونا لن يقتصر أثرها على المدى القريب، إنما ستكون لها أيضا تداعيات على المدى البعيد بالنسبة إلى الفئات المتضررة، ويرجح الخبراء أن تفاقم من أوجه اللامساواة القائمة، وعلى صناع القرار في تونس تطوير استراتيجية للتعامل مع هذا العجز التعليمي.
وجاءت تونس في المرتبة 7 عربيا وفي المرتبة 94 عالميا في مؤشر جودة التعليم. وقد قيم هذا التصنيف دول العالم بدرجات ما بين 1 و7 وذلك على أساس 12 معيارا أساسيا منها البنية التحتية والمؤسسات وبيئة الاقتصاد الكلي والتعليم الأساسي والصحة والتدريب والتعليم الجامعي.
ويأتي تصنيف 2019 بعد سلسلة من التراجعات التي شهدتها تونس منذ سنة 2011 بسبب الظروف الاقتصادية والأمنية والسياسية، التي عصفت بالبلاد عقب الثورة وهو ما جعلها تتراجع إلى المرتبة السابعة بعد أن كانت رائدة لسنوات طويلة في جودة التعليم وتصنيف الجامعات، حيث غابت مرة أخرى عن التصنيف الجديد للمؤسسة البريطانية العالمية المختصة لسنة 2018 والذي ضم أفضل 1000 جامعة في العالم.