أفادت رئيسة اللجنة الطبية بمستشفى الرازي، ريم غشام، بإحصائية خطيرة تكشف أن 53% من التونسيين يعانون من اضطرابات نفسية. هذه النسبة تعكس أزمة عميقة في الصحة النفسية، حيث لم تعد الأمراض النفسية مجرد حالات فردية بل ظاهرة متفشية تؤثر على جميع شرائح المجتمع.
مقالات ذات صلة:
الأدوية الشائعة وتأثيراتها النفسية: هل نحن بحاجة لمراجعة خياراتنا؟
دراسة: جودة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي تحدد تأثيرها على الصحة النفسية
أخصائية نفسية تدعو الأولياء لتعديل ساعات نوم أطفالهم استعدادًا للعودة المدرسية
الإدمان على التدخين: عادة أم اضطراب؟
التدخين الذي اعتاد البعض تصنيفه كعادة سلوكية بات يُعتبر اضطرابًا نفسيًا وفقًا لغشام. الإدمان على التبغ ليس مجرد مسألة فسيولوجية، بل هو انعكاس لآليات نفسية معقدة مثل التوتر، القلق، والشعور باليأس. في السياق التونسي، تشير الإحصائيات إلى أن معدلات التدخين مرتفعة، خصوصًا في صفوف الشباب، ما يعكس محاولة للهروب من الواقع الضاغط.
الأرق ومشاكل النوم: صمت الليل يفضح المعاناة
مشاكل النوم تحتل المرتبة الثانية بين أكثر الاضطرابات النفسية انتشارًا، وهي ليست مجرد أعراض بل محفز رئيسي لمشاكل نفسية أعمق. الأرق، على سبيل المثال، يرتبط بارتفاع معدلات التوتر والاكتئاب. كما يُظهر هذا الاضطراب أن الفرد يعيش في دوامة مستمرة من التفكير المفرط والقلق بشأن المستقبل، وهي ظواهر متكررة في مجتمع يعاني من تحديات اقتصادية واجتماعية.
الاكتئاب: المرض الخفي الذي يُثقل كاهل التونسيين
الاكتئاب، ثالث أكثر الاضطرابات شيوعًا، لا يُنظر إليه بعد على أنه أزمة وطنية، رغم انتشاره الواسع وآثاره المدمرة. الاكتئاب لا يقتصر على الأعراض النفسية فقط، بل يمتد ليؤثر على الإنتاجية، العلاقات الاجتماعية، وحتى الصحة الجسدية. في تونس، يتغذى الاكتئاب على مشكلات مثل البطالة، ارتفاع تكاليف المعيشة، وضبابية المستقبل.
الأسباب العميقة: منظومة مأزومة
إذا تعمقنا في الأسباب، نجد أن الأزمات النفسية في تونس ليست بمعزل عن السياق الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
1- الأزمة الاقتصادية: تفشي البطالة، تدهور القدرة الشرائية، وغياب فرص واضحة للشباب تجعل الإحباط واليأس بيئة خصبة لنمو الاضطرابات النفسية.
2- التحديات الاجتماعية: العزلة الاجتماعية الناتجة عن تدهور الروابط الأسرية وانخفاض دعم المجتمع المحلي.
3- التفاوت في الخدمات الصحية: رغم وجود مستشفى الرازي كمؤسسة رائدة، فإن خدمات الصحة النفسية ما زالت محدودة، سواء من حيث المرافق أو الإطار الطبي المتخصص.
ما الذي يمكن فعله؟
لمواجهة هذا الواقع، تحتاج تونس إلى اعتماد مقاربة شاملة تقوم على:
1- تعزيز الصحة النفسية كأولوية وطنية: يجب أن تضع الحكومة برامج متكاملة لدعم الصحة النفسية تشمل حملات توعوية وبرامج موجهة لتخفيف الضغط النفسي.
2- توفير خدمات علاجية مجانية أو منخفضة التكلفة: ارتفاع كلفة العلاج النفسي يمنع العديد من التونسيين من طلب المساعدة.
3- إعادة تصميم الحياة اليومية: يمكن للمبادرات المجتمعية تعزيز أنشطة بدنية وفنية تساعد الأفراد على تحسين صحتهم النفسية.
4- مكافحة الإدمان: تقديم برامج علاج الإدمان كجزء من جهود تحسين الصحة النفسية العامة.
5- تشجيع البحث العلمي: لتطوير فهم أفضل للظواهر النفسية في السياق التونسي وإيجاد حلول محلية مستدامة.
لماذا يجب التصدي الآن؟
الأزمات النفسية إذا لم تُعالج، فإنها تُهدد بانهيار المجتمع تدريجيًا. الصحة النفسية ليست فقط مسألة فردية، بل عامل مؤثر على الإنتاجية الوطنية، الترابط الاجتماعي، والاستقرار العام.
هذا الواقع يتطلب من الجميع، الحكومة، المجتمع المدني، وحتى الأفراد، أن يعيدوا التفكير في كيفية التعامل مع الضغوط النفسية. ليس الهدف مجرد تقليل الأرقام، بل بناء مجتمع أكثر توازنًا وقدرة على مواجهة التحديات.