اختر لغتك

وصمة عار الحبس تلاحق المسرحات وأسرهن مدى الحياة

وصمة عار الحبس تلاحق المسرحات وأسرهن مدى الحياة

أسر تتنكر لمسؤولياتها وتنبذ السجينات خوفا من نظرة المجتمع، وسجينات يعتبرن قضبان الحبس أكثر ليونة من قضبان المجتمع.
 
 
لا تستطيع الكثير من الأسر التونسية تقبّل بناتها بعد خروجهن من الحبس إثر قضاء فترة من العقوبة السجنية، ولا يتساءل الكثير من الأهالي عن مدى مساهمتهم في وصول البنت إلى ارتكاب الجنحة أو الجريمة التي دخلت بسببها إلى الحبس بقدر مراعاتهم لنظرة المجتمع إليهم وإلى السجينة. وتلاحق وصمة العار المرتبطة بالحبس الكثير من الفتيات والنساء بعد السراح، فيلاقين رفضا ونبذا من المجتمع وأحيانا من أسرهن وعائلاتهن، ما يجعل الكثيرات منهن يشعرن بأنهن خرجن من الحبس الفعلي إلى حبس أرحب.
 
تونس – عبرت العديد من التونسيات اللاتي قضين فترة من العقوبة السجنية عن رغبة تتملكهن في العودة إلى الحبس بسبب ما لقينه خارجه من سوء معاملة ومن رفض من أسرهن ومن المجتمع. ويدفع الإحساس بوصمة العار من الحبس أسرا كثيرة ليس فقط إلى رفض استقبال البنت التي خرجت من الحبس، بل أحيانا إلى التنكر إليها ورفض إيوائها في منزل الأسرة. ورفض التواصل معها خاصة إذا تعلقت عقوبتها الجزائية بجريمة مثل القتل أو بقضية أخلاقية.
 
وصرحت الكثير من السجينات في حوارات إعلامية مع الصحف أو البرامج التلفزيونية الاجتماعية التونسية بأنهن وجدن صدّا ورفضا قويين بعد الخروج من الحبس من عائلاتهن ومن المجتمع، وبالرغم من تقبّل بعض العائلات لأبنائهم من الذكور بعد الخروج من الحبس إلّا أن نسبة هذه العائلات تقل إذا ما تعلق الأمر بامرأة خرجت من الحبس، فكأن وصمة العار من السجن بدورها تصبح تمييزية ضد المرأة مثلما هو الحال بالنسبة للأسرة والمجتمع.
 
وطالبت نورة، وهي امرأة في سن الـ56 غادرت الحبس بعد قضاء عقوبتها القانونية، بإعادتها إلى الحبس بعد أن لاقت الرفض خارجه، وأوضحت في حديث لوكالة الأنباء التونسية أن جميع الأبواب أوصدت في وجهها وأن رغبتها في العودة إلى الحبس ازدادت بعد أن تبين لها أن قضبان الحبس أكثر ليونة من قضبان المجتمع. ولا يعني طلب نورة العودة إلى الحبس بأنه مقر يستطاب فيه العيش بقدر ما يكشف عن غلظة المجتمع في التعامل مع المسرّحات من السجون.
 
وليست نورة المسرّحة الوحيدة التي عبّرت عبر العديد من القنوات الإعلامية عن رغبتها في العودة إلى الحبس بل هناك الكثير من الحالات التي تشبهها في المجتمع التونسي، وهو ما يبرهن على أن المقاربات والخطط التي اعتمدتها الجهات الرسمية وصرحت بها في ما يخص إعادة إدماج المساجين بعد مغادرة السجن في المجتمع مازالت في مستواها النظري ولم يتم تنزيلها فعليا على أرض الواقع، لأن أغلب المساجين المسرحين نساء ورجالا يشتكون من نبذ المجتمع لهم والتعالي عليهم بنظرة دونية، ويتأكد ذلك من أن أغلبهم لا يوفقون في الحصول على عمل ولا يقبلهم أغلب المؤجرين، وبالرغم من غياب الأرقام الرسمية في هذا الشأن إلا أن الملاحظ أن السجينات يلاقين رفضا أوسع حتى في مواقع العمل، ولا يتم قبولهن إلا في حال لم ينكشف ماضيهن المتعلق بالحبس.
وتؤكد الباحثة التونسية المختصة في علم الاجتماع درة محفوظ أن هناك عدم قبول ورفضا للسجينات في المجتمع التونسي، إذ يتعرضن للتمييز حين يغادرن الحبس بالمقارنة مع الرجال حيث لا تكون معاملة رجل غادر الحبس مثل معاملة المرأة. ويُقال للرجل السجين "الحبس للرجال" لكن المرأة حين تحاكم وتسجن يتحوّل الحبس إلى وصمة عار، حتى لو كانت سجينة سياسية، والنتيجة أنها لا تستطيع أن تندمج كالسابق في المجتمع، إذ لا يوجد قانون إيجابي يدعم وضعية النساء في مرحلة ما بعد السجن.
 
وتضيف محفوظ لـ”العرب” أن “أسر السجينات أيضا جزء من المجتمع، وقد يقبل أفرادها عودتها إلى الأسرة لأنهم مجبورون على ذلك وليس أمامهم خيار آخر، ويشعر أهل السجينات بالخجل والخوف من نظرة المجتمع، لأن إحدى بنات العائلة سجينة سابقة، كما تشعر الفتاة أو المرأة بالعار لأنها مكثت في السجن رغم أن العائلة مسؤولة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، عن الخطأ أو الجريمة التي ارتكبتها، حيث أن الكثيرات منهن وقع التغرير بهن لاقتراف الجرائم".
 
وتعتبر محفوظ أن “المجتمع بصفة عامة قاس على هذه الفئة وعلى أسرتها أيضا، والسجينات لا يملكن القوة لمواجهته، لذلك يجب أن يلعب المجتمع المدني والجمعيات النسوية دورا هاما ومؤثرا لتغيير هذه الصورة النمطية السائدة عن السجينات. كما يجب أن تفعّل المساواة بين الجنسين في ما يخص النظرة إلى السجين، فالخطأ واحد حين يرتكبه رجل أو امرأة".
 
وبحسب التقارير المحلية وبعض أشغال مؤسسات المجتمع المدني فإن العشرات من السجينات واجهن مصيرا مشابها يبدأ من خطأ أو جريمة ليكلفهن شهورا أو سنوات في السجن ثم يخرجن ليصطدمن بحاجز الرفض من العائلة وبالوصم الاجتماعي الذي يرافقهن على مدى الحياة، فيجدن أنفسهن في نهاية المطاف إما حالمات بسقف الحبس لكي يأويهن بدل التشرد في الشوارع أو عاطلات بلا عمل ولا سند وهو ما يدفعهن نحو ارتكاب جرائم أخرى بهدف العودة إلى الحبس.
 
لقد ارتفعت أعداد التونسيات اللاتي دخلن إلى الحبس بحسب إحصائيات رسمية، فبعد أن كان العدد 424 امرأة في الفترة ما بين عامي 1956 و1960 إلى ما يزيد عن 624 سجينة في العام 2017.
 
وكشفت نتائج استطلاع للرأي أجرته المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي في العام 2014، في سجني محافظتي منوبة والمسعدين، وشمل عينة من 201 سجينة مثلن وقتها 32 بالمئة من مجموع السجينات في تونس، عن أن نسبة 41 بالمئة من المشاركات في الاستطلاع تعرضن للوصم من قبل أسرهن والمجتمع نتيجة لتعرضهن لعقوبة الحبس، وأن 39 بالمئة منهن واجهن حالة من الانهيار الأسري، و9 بالمئة تم حرمانهن من أطفالهن، ونفس النسبة تخلى عنهن أزواجهن، كما فقد ربع هؤلاء السجينات أعمالهن، وخمسهن مساكنهن.
 
ويرى الباحث المختص في علم الاجتماع حبيب الرياحي أن المرأة المغادرة للسجن في مجتمعاتنا العربية تخرج موصومة اجتماعيا، ويوضح أن “هذا المفهوم السوسيولوجي يحيلنا إلى ما تلقاه خرّيجة السجن من أحكام أخلاقية وقيمية من نوع: صاحبة سوابق، ومجرمة، ومنحرفة، إلخ. رغم أن السجينة قد تكون ضحية زلة أودعت على إثرها السجن".
 
ويشير الرياحي إلى أن المجتمع لا يرحم ويزيد من عزلة المرأة السجينة وينبذها ويقع تهميشها باعتبار أن سمعتها في الحضيض، مؤكدا أن سجن المجتمع أشد وطأة وقسوة من سجن النساء، وتبعاته النفسية والاجتماعية أعمق فصفة مجرمة لها انعكاسات وخيمة بقطع النظر عن ملابسات دخولها السجن.
 
وينجرّ عن ذلك بحسب الرياحي ما يعرف في علم الاجتماع بالعطوبة الاجتماعية من خلال صعوبة الاندماج العلائقي للسجينات مع بقية أفراد المجتمع وصعوبة إيجاد شغل يعيد إليها الاعتبار، وبالتالي عدم الاندماج الاقتصادي إضافة إلى ما يسمى بالتحقير الاجتماعي حتى وإن كانت السجينة قد اكتسبت مهارات عملية داخل السجن، فبمجرد البحث في سجلها العدلي لا يتم قبولها للعمل.
 
ويخلص الباحث في علم الاجتماع “نحن إزاء تحدّ مجتمعي يجب أن تلعبه الهياكل الاجتماعية التابعة للدولة والجمعيات والمنظمات النسوية والحقوقية لمساعدة خريجات السجون؛ وذلك من خلال الإحاطة بهن نفسيا واجتماعيا وضمان مورد رزق لهن وإدماجهن في الدورة الإنتاجية وهذا يتطلب الرقي بالوعي العام وعدم إطلاق الأحكام المطلقة ومساعدة الخريجات حتى لا يضطررن للعود إلى السجون”.
 
وأجمع أعضاء لجنة شؤون المرأة والأسـرة والطفولة والشباب والـمـسـنين في مجلس النواب، في محضر جلسة بتاريخ 12 فيفري 2018، مخصصة للمصادقة على تقرير الزيارة إلى سجن منوبة الخاص بالنساء، على أن المشكلة الأساسية بالنسبة للنساء السجينات هي متابعة المسرّحات، وتوفير الظروف الإنسانية لرعايتهن من خلال توفير مراكز إيواء، والتفكير في إدماجهن ضمن آليات تشغيل الفئات الهشة.
 
ويظل العمل على نشر ثقافة قبول المسرحات من السجن في المجتمع وتوفير الدعم والمساندة النفسية للأسرة لكي تحتضنهن من جديد أبرز الحلول.
 
 

آخر الأخبار

المكتب التنفيذي الوطني للاتحاد يعقد اجتماعًا برئاسة إسماعيل السحباني

المكتب التنفيذي الوطني للاتحاد يعقد اجتماعًا برئاسة إسماعيل السحباني

محمد شاوكان جاهز للعودة إلى التمارين بعد تأكيد سلامته الطبية

محمد شاوكان جاهز للعودة إلى التمارين بعد تأكيد سلامته الطبية

دراما سطو في وضح النهار: الإطاحة بشاب سرق دراجة نارية أمام فضاء تجاري بالمنزه الأول

دراما سطو في وضح النهار: الإطاحة بشاب سرق دراجة نارية أمام فضاء تجاري بالمنزه الأول

رجاء الجبالي تحصد برونزية دفع الجلة في الألعاب البارالمبية باريس 2024

رجاء الجبالي تحصد برونزية دفع الجلة في الألعاب البارالمبية باريس 2024

ضبط مخالف يحوّل مياه الشرب لسقي أشجار الزيتون بالنفيضة: النيابة العمومية تأمر بإيداعه السجن

ضبط مخالف يحوّل مياه الشرب لسقي أشجار الزيتون بالنفيضة: النيابة العمومية تأمر بإيداعه السجن

Please publish modules in offcanvas position.