اختر لغتك

هل استكملت تونس المسار الديمقراطي ليتزعم الشاهد حزبا

هل استكملت تونس المسار الديمقراطي ليتزعم الشاهد حزبا

يوسف الشاهد يمثل أول رئيس حكومة متحزب يدير الانتخابات بعد الثورة.
 
تم بصفة رسمية تثبيت رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد رئيسا لحزب تحيا تونس فتيّ النشأة، وذلك بعد أن تم تفادي هذا الإعلان السياسي طيلة أشهر عبر الاقتصار فقط على التأكيد بأن هذا الحزب وهو سليل الحزب الحاكم نداء تونس، هو فقط طرف سياسي يدعم برفقة كتلته النيابية في البرلمان الحكومة، بعدما كادت تسقط منذ بداية عام 2018، عقب تشبث عدة أطرف منها الرئيس الباجي قائد السبسي ونداء تونس وكذلك الاتحاد العام التونسي بوجوب إقالة الشاهد. زعامة الشاهد لتحيا تونس ليست بالمعطى الجديد، لكن تداعياتها بدأت تُلقي بظلالها على المشهد السياسي في البلاد التي تستعد لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية حاسمة بعد أشهر قليلة.
 
تونس – مثلما كان متوقعا في الساحة السياسية التونسية منذ أشهر، أعلن حزب تحيا تونس -حديث النشأة والذي تأسس هذا العام في ظروف سياسية استثنائية سرّعت بميلاده لدعم الحكومة ورئيسها- عن انتخاب رئيس الحكومة يوسف الشاهد رئيسا له، وذلك قبيل أشهر قليلة تفصل البلاد عن إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ستكون مفصلية.
 
هذه الخطوة التي أعلنت السبت لم تشمل فقط الشاهد، بل كانت متبوعة أيضا بإعلان آخر لا يقل أهمية من الناحية السياسية، ألا وهو انتخاب كمال مرجان وزير الوظيفة العمومية رئيسا للمجلس الوطني لحركة تحيا تونس.
 
 

تداخل المناصب
 
يأتي منح مرجان وهو أحد الوجوه التي شغلت مناصب وزارية قبل الثورة حيث كان وزيرا للدفاع ثمّ للخارجية في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، بعد أن تم دمج حزبه المبادرة في حزب تحيا تونس وذلك في إطار الاستعداد لخوض غمار الانتخابات القادمة.
 
ورغم أحقية رئيس الحكومة وكذلك الوزراء في ممارسة العمل السياسي من الناحية الدستورية، إلا أن جدلا واسعا خلفته خطوة يوسف الشاهد، خاصة وأنه سيكون إن تمسّك بمنصبه الحكومي أول رئيس حكومة متحزّب يترأس جهة سياسية تشرف بصفتها الحكومية على إدارة كل ما يتعلق بالانتخابات سياسيا ولوجستيا في فترة ما بعد ثورة يناير 2011.
 
الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة والتي سيتم إجراؤها في أكتوبر ونوفمبر القادمين، تعتبر ثالثة أهم المحطات التي سيقبل عليها التونسيين، بعد انتخابات 2011 وانتخابات 2014.
 
وفي مقارنة بين الانتخابات الماضية والقادمة، يُعد يوسف الشاهد أول رئيس حكومة ورئيس حزب في الوقت نفسه يشرف على إدارة الانتخابات، ففي انتخابات عام 2011 كان الباجي قائد السبسي الرئيس التونسي الحالي هو من تقلّد منصب رئاسة الحكومة ولم يكن منخرطا في أي حزب سياسي، أما في شأن انتخابات 2014 فقد أشرف على إدارتها آنذاك رئيس الحكومة الأسبق المهدي جمعة الذي فرضت عليه الأحزاب والأطراف الاجتماعية كاتحاد الشغل ومنظمة أرباب العمل المشاركة وقتها في ما سُمي بالحوار الوطني الالتزام بعدم الترشّح للانتخابات.
 
الجدل الجديد الذي يثيره اسم رئيس الحكومة الذي بات يشق طريقه السياسي بسرعة قياسية منذ نجاحه في قلب الطاولة على حزبه الأم نداء تونس وكذلك على الرئيس الباجي قائد السبسي اللذين تمسكا في وقت سابق بوجوب تنحيته من منصبه، تأتي أيضا بالتزامن مع تواتر حديث آخر مشكك في نوايا الحكومة الحالية، التي قدّمت مؤخرا مشروع قانون  للبرلمان هدفه تعديل القانون الانتخابي.
 
وتذهب حاليا، جميع المؤشرات باتجاه إسقاط مشروع التعديل الانتخابي الذي يهدف وفق المعارضة إلى إبعاد رؤساء المؤسسات الإعلامية والجمعيات من السباق الانتخابي.
 
وعلى نسق كل هذه التطورات، تتمسّك جل أحزاب المعارضة في مواقفها الأولية من تزعم رئيس الحكومة لحزب سياسي بوجوب استقالة يوسف الشاهد في الأيام القليلة الماضية وتركيز “حكومة انتخابات” تكون مهمتها الأساسية توفير ظروف سياسية وأمنية ولوجستية ملائمة لإدارة الانتخابات وأن يعلن أعضاؤها عدم الترشح للانتخابات.
 
لكن مصادر مطّلعة أكّدت في شأن هذه النقطة الأخيرة، أن يوسف الشاهد لا ينوي الاستقالة من منصبه كرئيس للحكومة بعد انتخابه بصفة رسمية زعيما لتحيا تونس.
 
ويتشبّث الرافضون لزعامة يوسف الشاهد لحزب سياسي يستعد بكل قواه للمشاركة والفوز بالانتخابات التشريعية والرئاسية، بتعلّة أن البلاد لم تستكمل بعد مسارها الديمقراطي ما يسمح لقياداتها السياسية المزج بين منصبين أي رئاسة الحكومة ورئاسة حزب سياسي في نفس الوقت.
 
 

نجاح منقوص
 
رغم أن تونس نجحت مقارنة ببقية تجارب ما يسمى بالربيع العربي في الانتقال من مرحلة الاستبداد إلى مرحلة الديمقراطية، فإن الكثير من المراقبين يؤكّدون على أن الديمقراطية التونسية مازالت هشة بالنظر إلى تواصل عدم الاعتياد على ممارستها  على أرض الواقع بسبب مخلفات عقود من الاستبداد وبالنظر أيضا إلى عجز الطبقة السياسية البديلة لنظام بن علي عن استكمال كل ما يتعلّق بالمؤسسات الضامنة للديمقراطية.
 
كما لم ترافق ترجمة الفعل السياسي إلى ديمقراطية تحوّلات كبيرة في القطاع الاقتصادي الذي ظلّ متأزما خاصة في السنوات الأخيرة، علاوة على ما تتهم به أحزاب الحكم من تعمّد التباطؤ في إرساء كافة المؤسسات الدستورية الضامنة للديمقراطية وعلى رأسها المحكمة الدستورية التي تعتبر أهم هيكل يُعهد له بالنظر في القضايا الدستورية الشائكة.
 
ويتخوّف طيف واسع من الطبقة السياسية ممّا يسمونها إمكانية أن يلجأ حزب تحيا تونس إلى أجهزة الدولة للتأثير على سير ونتائج الانتخابات، فحتى حركة النهضة الإسلامية المتحالفة مع الحزب في دعم الحكومة، بدأت تلعب على هذه الورقة، بعد أن شعرت وفق المراقبين بأنها سقطت في فخ تعظيم اسم وأدوار الشاهد في الساحة السياسية ما قد يؤهله لشق طريقه دون المراهنة على دعمها بعدما تدعّمت شعبيته بشكل لافت.
 
وسبق للنائب بالبرلمان والقيادي بحركة النهضة الإسلامية علي العريّض أن حذر يوسف الشاهد من مغبة السقوط في التداخل بين الحزب والدولة بقوله “حركتنا تحذر يوسف الشاهد من توظيف أجهزة الدولة وإعادة إنتاج النموذج السياسي لما قبل ثورة 2011”.
 
في المقابل، تواصل قيادات وقواعد حزب تحيا تونس تشبيه يوسف الشاهد بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي سبق له وأن نجح بدوره في وقت قياسي في كسر شوكة الأحزاب التقليدية الفرنسية يمينا ويسارا وتمكّن من نيل السلطة واعتلاء سدة الحكم في الإليزيه في انتخابات 2017.
 
لكن خصوم الحزب الجديد، يعتبرون أن هذا التشبيه الأخير بعيد عن الواقع، خاصة وأن ماكرون قرّر حين اختار أن يرسم مستقبله السياسي، الاستقالة من منصبه الحكومي في عهد الرئيس فرنسوا هولاند ليتوجّه بعيدا عن أروقة الإليزيه إلى تأسيس حركة الجمهورية إلى الأمام، وذلك على عكس يوسف الشاهد الذي ما زال يتمسّك برئاسة الحكومة رغم وجود تأكيدات بأنه ينوي خوض غمار الانتخابات القادمة إما بدعم حزبه في التشريعية أو إعلانه بصفة رسمية غن المنافسة على منصب رئاسة الجمهورية.أما في ما يخص مستقبل التحالفات السياسية، فرغم ظهور بوادر خصومة أيديولوجية بين حليفي الحكم؛ تحيا تونس وحركة النهضة، حيث قال الأمين العام لحزب تحيا تونس سليم العزابي إن “النهضة هي الخصم والمنافس الطبيعي لحزبنا”، فإن العديد من التسريبات الجديدة تؤكّد بعض السيناريوهات التي تم تداولها سابقا بشأن شكل التكتلات السياسية المرتقبة في فترة ما بعد الانتخابات.
 
منذ أن نجح يوسف الشاهد في قلب الطاولة على حزبه الأم نداء تونس أو كما يسميه البعض في تونس التمرّد على الرئيس قائد السبسي الذي اختاره من بين كل القيادات الحزبية لرئاسة الحكومة منذ عام 2016، تم ترويج بعض التسريبات التي تفيد بوجود توافقات جديدة بين العلمانيين والإسلاميين ستكون بمثابة البوصلة المحدّدة للتكتلات السياسية بعد الاستحقاق الانتخابي.
 
ومن بين الروايات التي قدّمتها تقارير وتصريحات لنشطاء سياسيين، أن يوسف الشاهد وحزبه تحيا تونس أبرما اتفاقا سياسيا مع النهضة هدفه محافظة الشاهد عقب الاستحقاقات الانتخابية على منصب رئاسة الحكومة لخمس سنوات إضافية في مقابل التوافق بين الحزبين على مرشّح توافقي للمنافسة في الانتخابات الرئاسية.
 
وبعد الجدل الذي أثاره راشد الغنوشي مؤخرا بتأكيده أن حركته ما زالت بصدد البحث عمّا أسماه العصفور النادر لترشيحه للرئاسية، عاد الحديث عن اسم الوزير كمال مرجان الذي قد يكون مرشح تحيا تونس والنهضة للرئاسية خاصة بعد دمج حزب مرجان  “المبادرة” في حزب تحيا تونس وكذلك نيله منصب رئيس المجلس المركزي لتحيا تونس وهو ما يفتح باب التكهنات على مصراعيه إلى حين الحسم في هذه المسائل بعد إعلان هيئة الانتخابات عن أسماء المترشحين للرئاسية.
 
 
وسام حمدي
صحافي تونسي
 

آخر الأخبار

توقعات الطقس ليوم الأحد 8 سبتمبر 2024: أمطار رعدية وتغيرات جوية مرتقبة

توقعات الطقس ليوم الأحد 8 سبتمبر 2024: أمطار رعدية وتغيرات جوية مرتقبة

نتائج مباريات الجولة الثانية من بطولة النخبة لكرة اليد

نتائج مباريات الجولة الثانية من بطولة النخبة لكرة اليد

أمان الله التيساوي يحقق ذهبية سباق 1500 متر في دورة الألعاب البارالمبية باريس 2024

أمان الله التيساوي يحقق ذهبية سباق 1500 متر في دورة الألعاب البارالمبية باريس 2024

ألمانيا تصاب بالشلل: خلل تكنولوجي يعرقل حركة القطارات ويترك الركاب في انتظار طويل

ألمانيا تصاب بالشلل: خلل تكنولوجي يعرقل حركة القطارات ويترك الركاب في انتظار طويل

فضيحة جديدة تهز ووهان: تسريب مميت لسلالة متطورة من شلل الأطفال يكشف أسراراً خطيرة

فضيحة جديدة تهز ووهان: تسريب مميت لسلالة متطورة من شلل الأطفال يكشف أسراراً خطيرة

Please publish modules in offcanvas position.