مع انتهاء شهر رمضان، تتغير ملامح الأيام، ويبدأ المسلمون في مختلف أنحاء العالم بالتحضير لاستقبال عيد الفطر المبارك، الذي يأتي حاملًا معه مشاعر الفرح والبهجة. وبينما تكتسي الشوارع بحلة العيد، وتتعالى التهاني بين الأهل والجيران، يظل الأطفال هم الأكثر انتظارا لهذه المناسبة، ليس فقط بسبب الحلويات والأجواء الاحتفالية، بل بسبب "المهبة"، تلك العادة التي تتوارثها الأجيال، والتي تحوّلت من تقليد اجتماعي إلى رمز للفرح والعطاء.
مقالات ذات صلة:
إندونيسيا تحسم الجدل: عيد الفطر يوم الإثنين.. وأستراليا تؤكد!
رئاسة الحكومة تعلن عن عطلة عيد الفطر: ثلاثة أيام راحة للموظفين
رحلة موسيقية ساحرة في قلب ليون احتفالًا بعيد الفطر! 🎶✨
🔎 "المهبة".. من أين جاءت؟
يعود أصل المهبة إلى تقاليد العطاء المتجذرة في الثقافة الإسلامية، حيث يُعتبر عيد الفطر مناسبة للتوسعة على الفقراء وإدخال البهجة إلى قلوب الجميع. ويرجح بعض المؤرخين أن هذه العادة بدأت منذ العصر الأموي، حين كان الخلفاء يمنحون الهدايا النقدية للجنود والخدم صبيحة العيد، واستمر هذا التقليد ليشمل الأطفال والعامة.
أما في العصر الفاطمي، فقد أُطلق عليها اسم "التوسعة"، وكانت تشمل توزيع الأموال والثياب الجديدة على أفراد المجتمع، تعبيرًا عن الفرح الجماعي بالعيد. وفي العصر المملوكي، أصبحت تُعرف بـ"الجامكية"، وكانت تُمنح للجنود وكبار رجال الدولة، ثم تحولت في العهد العثماني إلى تقليد اجتماعي يتجاوز المال ليشمل الهدايا المختلفة.
🎁 المهبة في تونس.. طقس اجتماعي متجذر
في تونس، لا يكتمل العيد دون تقديم "المهبة"، التي تعد من أبرز مظاهر الاحتفال بعيد الفطر. فبعد أداء صلاة العيد وارتداء الملابس الجديدة، يسرع الأطفال إلى والديهم وأقاربهم لمعايدتهم وتلقي المهبة، التي قد تكون مبالغ نقدية أو هدايا رمزية.
ما يميز المهبة في المجتمع التونسي أنها لا تقتصر على الآباء فقط، بل تمتد إلى الأجداد، والأعمام، والأخوال، وحتى الجيران أحيانًا، مما يعكس روح التكافل الاجتماعي. وغالبًا ما يُنفق الأطفال هذه الأموال على شراء الألعاب أو الحلويات، بينما يفضل البعض الآخر ادخارها في "الحصّالة"، انتظارًا لفرصة مناسبة لإنفاقها.
💡 المهبة بين الماضي والحاضر.. هل تغيرت دلالاتها؟
رغم مرور الزمن، لا تزال المهبة تحتفظ برمزيتها، إذ تعبر عن معاني الكرم والفرح، وتعزز الروابط العائلية. لكن مع تطور الحياة، أصبحت قيمتها المادية أكثر ارتباطًا بالوضع الاقتصادي، حيث تأثرت بارتفاع الأسعار وتفاوت الظروف المعيشية بين الأسر.
في السابق، كان الأطفال يحصلون على مبالغ رمزية تكفي لشراء حلويات أو ألعاب بسيطة، أما اليوم، فقد تحولت المهبة لدى البعض إلى مبالغ أكبر تعكس تغير أولويات المجتمع. ومع ذلك، يبقى المغزى العاطفي هو الأهم، فالمهبة ليست مجرد نقود، بل رسالة محبة واهتمام تُشعر الطفل بقيمته داخل الأسرة.
🌟 المهبة.. بين العادة والعبادة
يرى علماء الاجتماع أن المهبة ليست مجرد تقليد اجتماعي، بل هي امتداد لقيم التكافل التي يرسخها الإسلام، حيث يُشجع على إدخال السرور إلى قلوب الأطفال والتوسعة على الأسرة في الأعياد. كما أنها تكرّس قيم البرّ وصلة الرحم، إذ تشجع الأطفال على زيارة أقاربهم، وتعزز مشاعر الفرح الجماعي.
وهكذا، تبقى المهبة جزءًا لا يتجزأ من بهجة العيد، تعكس روح العطاء والمحبة، وترسم بسمة لا تُمحى من ذاكرة الطفولة، لتؤكد أن العيد ليس مجرد مناسبة احتفالية، بل هو فرصة لتعميق أواصر الأسرة والمجتمع.