يعدّ الدكتور محمد زين العابدين سادس وزير للشؤون الثقافية بعد قرابة ست سنوات على ثورة جانفي 2011 وقد أعدّ منذ مباشرته للوزارة في أوت 2016 مشروعا لخطة عمل حرص خلال مسيرته على بلورتها مركّزا على أبرز وأحرق القضايا الهيكلية في هذه الوزارة ذات الحساسية والتي تفتقر الى هيكلة تشريعية تنظيمية غير أن هذه الخطة مازالت لم تكتمل في ظلّ صيحات من هنا وهناك لإجراء تحوير وزاري شامل والحال أن بعض الوزارات ومنها وزارة الشؤون الثقافية لا تحتاج الى هذا التحوير لسبب بسيط وهو استكمال بقية مشروعها الذي يتطلّب في الدول المتقدّمة أكثر من 3 سنوات على الأقلّ في ظلّ الحاجة المتأكّدة الى تنمية ثقافية تخرج البلاد من براثن الارهاب وما جدّ من سلبيات خلّفتها الثورة التي يحسب لها كذلك اقرارها لعدد من الايجابيات الاخرى.
وبالعودة الى موضوعنا لا بدّ من التذكير أن الدكتور محمد زين العابدين كان يشغل منصب مدير المعهد العالي للموسيقي في تونس كما أنه المدير المؤسس للمعهد العالي للموسيقى في سوسة ومن هنا فيعدّ من أبناء الوزارة والعارفين بخباياها وهو ما أهّله للتوغل داخل المسكوت عنه أو ما وراء الستار في هذه الوزارة متشابكة الخيوط مستئنسا في ذلك بخبرته فهو رئيس مخبر البحوث في الثقافة والتكنولوجيا والتنمية ورئيس جمعية منتدى تونس الدولي للحق في الثقافة الرشيدة والحوكمة الرشيدة، ;كان قد اشتغل على ملف مدينة الثقافة إلى أنّ قدّم استقالته منها في 2011.
وقد حرص هذا الوزير على تكريس جملة من المبادىء والاهداف في عمله منه تفعيل الدستور في مجال الثقافة بمعالجته لملفات حارقة ذات صلة بالاستثمار في مجال الثقافة والنهوض بالملكية الفكرية وتثمين التراث الوطني وإعادة النظر في سياسة الدعم وهيكلة التظاهرات الثقافية وإكمال تأهيل المؤسسات الثقافية وإرساء وتعزيز الثقافة الالكترونية ومتابعة مشروع مدينة الثقافة رغم ان ميزانية وزارة الشؤون الثقافية ضئيلة.
الى جانب هذا اشتغل الوزير على مشروع مدينة الثقافة الذي تعطّل لسنوات وهو مشروع الذي يعتبره زين العابدين "مفخرة دولة الاستقلال الثقافية" وإذ سبق للوزير ان قام بتأطير العديد من الشباب وتكوينهم بالتعاون مع الجامعة التونسية وفي سياقات أخرى في تونس والكاف وقفصة وقابس وسوسة فإنه حافظ على هذا التمشي حتى يكون المؤطّرين خلايا عمل مدينة الثقافة كما حرص بالتنسيق مع مصالح وزارة التجهيز والاسكان على تفعيل أشغال بنائها المعطّلة.
وأما بالنسبة الى النقطة المتعلقة بتثمين التراث الوطني المادي واللامادي وبعد تشخيص واقع التراث ليتأكّد أنّ أكثر من 70 ./. من المواقع غير مستغلة لذلك تمّ اقتراح تقديم تراخيص استغلال لمدة 25 أو 30 عاما لفائدة الخواص شرط أن يكون لوكالة إحياء التراث نصيب من المرابيح لتخصيصها لمشاريع أخرى كما أرسى الوزير الحالي مشروع ثقافي رائد تحت عنوان"مدن الحضارات"لتحويل هذه المعالم الساكنة الى معالم ناشطة ومتحرّكة من خلال مختلف الابداعات والفنون بهدف حسن استثمارها واستغلالها وتسويق الثقافة التونسية ضمن البرامج الوطنية للسياحة الثقافية كما حرص الوزير على تفعيل دور مصالح وزارته المركزية والجهوية بهدف حماية المعالم والاثار التونسية من مختلف الانتهاكات التي تطال المواقع الأثرية والمعالم التاريخية و منها الحفريات العشوائية التي تقوم بها عصابات تهريب الآثار ومنها ما ينجم عن الأعمال الفلاحية و التوسع العمراني العشوائي.
وإذ لا نستطيع أن نتحدّث بإطناب عن مختلف القطاعات الثقافية لأنّ كل قطاع يطول فيه الحديث وتتشعّب فيه المسالك ولكن بإيجاز يمكننا حصر الملفات التي حرص الوزير الدكتور محمد زين العابدين على نفض الغبار عليها في الاستثمار في مجال الثقافة والنهوض بالملكية الفكرية وتكسير النمطية وبيروقراطية الإدارة وتكلسها وضبابيتها واعادة الاعتبار للدبلوماسية الثقافية التونسية كما يبقى موضوع الدعم ورشة مفتوحة لا نحصر بداياتها من نهايتها والإقتراحات عديدة ومتعددة ولكنها مرتبطة بتغيير الإطار القانوني لها ومن هنا فإنه من المقترح على حكومة يوسف الشاهد تمكين الوزير الحالي من فرصة استكمال هذا المشروع الثقافي الرائد والذي يخطو خطوات جيّدة نحو التحقّق في ظلّ انفتاح وزارة الشؤون الثقافية الحالية على مختلف مؤسسات الدولة وهياكل المجتمع المدني ومنها النقابات في اطار تعاون مشترك وعبر حوار بنّاء من أجل ثقافة تونس تنتشل أبنائنا من الانبتات والضياع الفكري والانغلاق نحو الاعتدال والتسامح والفكر المنفتح.
منصف كريمي
