بلاغ رسمي، استقالة جماعية، ووضع مالي معقّد، هذا ما خرجت به الهيئة المديرة للنادي الإفريقي مساء 16 ماي 2025، لتضع حداً لمسارٍ اتسم بالارتباك، الفشل الرياضي، والانفجار الداخلي. ما بدا في ظاهر البلاغ قرارًا مؤسسيًا و«مسؤولًا»، يخفي في عمقه اعترافًا بالهروب من مركب يغرق، وإعلانًا ضمنيًا عن فشل ذريع في كل المستويات.
انهيار في البيان... قبل أن يقع في الميدان
البلاغ، الذي جاء بلهجة دفاعية، استهلّ بالإشارة إلى ما وصفه بـ«ثلب وقدح وتهم باطلة» و«مس من السمعة والكرامة»، وهي عبارات تُظهر أن القيادة المستقيلة لم تحتمل ضغط الجماهير، التي لم تطالب بأكثر من إجابات على أسئلة مشروعة:
من أوصل النادي إلى هذه الوضعية الحرجة؟ من أخطأ في التسيير؟ أين ذهبت الموارد؟ ولماذا انهار الفريق على المستطيل الأخضر؟
الردّ جاء لا عبر مؤتمر صحفي شفاف، بل عبر بلاغ يتضمن قرار استقالة كاملة، وتحميل ضمني للمسؤولية إلى الجماهير... لا إلى أصحاب القرار.
تدقيق متأخر... وقرار بعد فوات الأوان
من بين فقرات البلاغ ما يمكن اعتباره محاولة لتجميل صورة المغادرين: إيداع طلب لتعيين خبراء عدليين لتدقيق الحسابات، ومدّ هيئة الحكماء بجرد شامل للملفات القانونية والمالية. خطوة إيجابية؟ ربما. ولكن السؤال الأهم: لماذا لم يُنجز هذا التدقيق طيلة فترات التسيير؟ ولماذا تُقدَّم هذه الخطوة فقط عند الرحيل؟
ما يجري أشبه بتسليم وثائق في ردهات محكمة إفلاس، لا إعلان نهاية مرحلة رياضية.
جلسة انتخابية على عجل... والفراغ يترصّد
تحديد موعد أقصاه 12 جوان لعقد جلسة عامة انتخابية، و«مواصلة التسيير الإداري» مؤقتًا، لا يعني سوى شيء واحد: النادي يُدار الآن في حالة طوارئ. كل الملفات الحساسة تُرحّل إلى من سيأتي لاحقًا، في انتظار ترشحات قد تكون على نفس شاكلة من سبقوا، أو أسوأ.
ما يُخشى حقًا، هو أن يتحوّل الإفريقي إلى فراغ إداري دائم، أو ساحة لتصفية حسابات انتخابية، تُكرّس نفس منطق المحاصصة والتكليفات غير المدروسة.
من يدفع الثمن؟ الجمهور كالعادة
جمهور النادي الإفريقي، الذي احتشد في المدرجات وتحمل سنوات من العبث والتقشف، خرج مرة أخرى خالي الوفاض. لم يقرأ في البلاغ إجابة عن أسئلته، ولم يسمع اعترافًا بالأخطاء، ولم يرَ في البيان اعتذارًا صريحًا.
كل ما ورد هو استقالة، ومخارج قانونية، وبعض الوثائق، وعبارة «عاش النادي الإفريقي» كمسك ختام، لا تُغني عن الألم شيئًا.
الإفريقي لا يحتاج لمن يغادر... بل لمن يُقاتل
ما تحتاجه قلعة باب الجديد اليوم ليس لجنة تصريف أعمال، ولا هيئة تدقيق بأثر رجعي، ولا بلاغًا مكتوبًا بعناية لتهدئة الرأي العام. الإفريقي بحاجة إلى من يُجيد الفعل لا البلاغات. إلى قيادة تملك الجرأة، والرؤية، والقدرة على إدارة مؤسسة بحجم التاريخ والشعبية والرهانات.
وحتى يتحقق ذلك، فإن الخطر لم يغادر بعد. فقط من أدار ظهره للكارثة... وتركها خلفه مشتعلة.