اختر لغتك

قليلو المعرفة..  ما يفعله الإنترنت بأدمغتنا

قليلو المعرفة.. ما يفعله الإنترنت بأدمغتنا

لا يختلف اثنان أن ثورة المعلوماتية قد غيّرت الكثير في العالم الذي نعيش فيه. ولا شك أن شبكة الانترنت تمثل حجر زاوية أساسياً في هذه الثورة. إنها ثورة على مستوى التكنولوجيات وثورة على مستوى التكنولوجيات وثورة "في أدمغتنا"، كما يقول الصحفي الأميركي "نيكولا كار"، أحد أعضاء موسوعة "بريتانيكا" الشهيرة.

وهو يشرح في كتابه الذي يحمل عنوان: "قليلو المعرفة"، بمعنى أولئك الذين تنقصهم الثقافة العميقة وتظلّ معارفهم على مستوى "السطح"، تأثير الانترنت على الدماغ البشري لمستخدميه.

ويشرح المؤلف كيف أن الانترنت "غيّر" كثيرا أدمغتنا. فمن يستطيع مثلا أن يقرأ بهدوء كتابه ـ هذا الكتاب مثلا ـ بهدوء دون وضعه جانبا والجلوس أمام شاشة الحاسوب ويتنقّل بين صفحات الشبكة العنكبوتية؟. قليلون يستطيعون ذلك ممن تعوّدوا استخدام الانترنت. أما في زمن ما قبل ثورة المعلوماتية فكان من المألوف جدا أن يمضي المرء ساعات وساعات وهو يغوص في العوالم التي رسمها هذا المؤلف أو ذاك.

أما اليوم فالقاعدة الشائعة هي أن يتنقل قارئ الانترنت من "صفحة" إلى أخرى بواسطة الروابط المتاحة. وخلال مثل هذه الرحلة "الانترنوتية" يجد المرء نفسه "غارقا" بكمٍ كبير من الرسائل أو "الإنذارات" بخبر جديد.

 أمام مثل هذا الواقع الجديد هناك أسئلة عديدة تطرح نفسها: فما الذي يحصل في أذهاننا؟ وهل يغير، وإلى أي مدى، هذا الوسط "الإلكتروني" حالتنا الذهنية بل وربما سلوكنا الاجتماعي؟ وهل سيأتي الوقت الذي قد لا نستطيع فيه التركيز على أي موضوع سوى بضعة دقائق قليلة؟ أليس هناك خطر أن تغدو ثقافتنا مجرّد معلومات مجموعة من هنا وهناك؟ وما هي النتائج القريبة والبعيدة لهذه التكنولوجيات الجديدة على أدمغتنا؟ وما هي ميزات ومساوئ التبدلات الجارية على دماغنا؟

هذه الأسئلة كلها تحمل في طيّاتنا نوعا من الإصابة التي تؤكّد أن الانترنت سوف يغيّر الكثير في أدمغتنا. وأمام مثل هذه الحقيقة يطرح مؤلف الكتاب سؤالاً أساسياً مفاده: ما هي معالم العالم الجديد الذي يقوم الإنسان العاقل بصياغته وهل سيمتلك سبل مقاومته؟ ويشرح نيكولا كار أن الإنسان عرف تحوّلات كثيرة من حيث طرق التفكير تبعا لتغيّر الظروف المحيطة فيه.

ويشير إلى محطات كبرى عرفها التاريخ البشري كانت بمثابة منعطفات حقيقية وليس أقلهما اختراع الكتابة السومرية واللغات الهيروغليفية المصرية. الانتقال من الثقافة الشفهية إلى الثقافة المكتوبة. ثم إن القراءة نفسها "انتقلت" من "القراءة بصوت عالٍ" التي استمرت قرونا عديدة إلى «القراءة الصامتة».

وعند الحديث عن المنعطفات التي عرفتها الحضارة الإنسانية لا بد من ذكر اختراع المطبعة على يد غوتنبرغ والتي شكّلت مدخلا جديدا نحو ولوج سبل المعرفة ونشرها على نطاق واسع.

وما يعرفه الجميع هو أن قدرة الإنسان على التركيز في القراءة كانت في الوسيلة الأمثل الأكثر فعالية حتى وقت قريب في جميع المنظومات التربوية. وأمام الزحف الكبير الذي يقدم به الانترنت يرى المؤلف أن هناك اتجاها "ربما" نحو إلغاء المدرسة وصرف المدرّسين، وبالتالي الانصراف عن قراءة وتدريس المؤلفات الكبرى. والنتيجة هل هذا يعني أن البشر هم بطريقهم كي يصبحوا خائبين، بلهاء و"محدودي الثقافة"؟ الإجابة بالإيجاب هي التي يميل لها بالأحرى مؤلف هذا الكتاب.

هذه الإجابة يجد لها العديد من المبررات مثل تأكيده أن "الدماغ" لم يعد يمتلك الوقت الكافي من أجل تخزين وفهم الكمّ الكبير من المعلومات التي "تمرّ" أمامه على شاشات الحواسيب. ثم إن تغيير "شكل" وسائل الإعلام لا بدّ وأن يغيّر إلى حد كبير أيضا "مضمونها". ويفرّق في هذا السياق بين الصحيفة "الالكترونية" والصحيفة "الورقية"، وبين النص "المقروء" على الشاشة والنص المكتوب. وعلى أساس الفرق بين الشاشة والورقة يرى المؤلف أن تعاظم اللجوء إلى استخدام "النت" لا بد وأن تكون له آثاره على آلية عمل دماغنا نفسه، هذا خاصة أن اللغة "الإلكترونية" تتطلب "التبسيط" وعدم الاهتمام كثيرا بـ"السبك اللغوي". فالكتابة تغدو مكرّسة لـ"القراءة السريعة". وليس "السريعة" فحسب وإنما التي تتخللها "انقطاعات" مفاجئة تمنع التركيز والتفكير العميق. أما المعلومات المتلقاة بسرعة من شبكة الانترنت فمن السهل "تبخّرها"، هذا فضلا عن أنها لا تقدّم أيّة ثقافة معرفية يمكن البناء عليها.

السبب المباشر لمثل هذا الخلل يجده نيكولا كار في أن مستخدمي الشبكة العنكبوتية لا يجدون الوقت الكافي من أجل "تمثّل" المعلومات التي يتلقونها وجعلها جزءً من معينهم الثقافي. هذا فضلا عن أن التركيز على "المعلومة المباشرة" و"اللحظة الحاضرة" وعدم توفر "التدقيق" في صحة ما يتم تقديمه يساعد أيضا على "الكسل".

إن المؤلف يستعرض في هذا الكتاب رؤية في غاية "التشاؤم" لما يمكن أن ينجم من آثار الانترنت على الكفاءات الفكرية. هذا بالإضافة إلى ما يسببه ذلك من تحوّل على دماغنا وعلى آليات عمله بصورة عامة وبالتالي على طريقة سلوكنا حيال العالم وفي العالم. وهكذا غدت "قراءة كتاب" من متاع الماضي إلى درجة كبيرة.

وكتاب يحتوي الكثير من الشرح والتوثيق ويسمح بفهم أفضل لآلية عمل الذاكرة بهدف زيادة قدرتها وأيضا من أجل تحسين شروط المعرفة، ودعوة للجميع من أجل تأمل طريقة استخدامهم للشبكة العنكبوتية.

المؤلف في سطور

نيكولا كار هو أحد أعضاء لجنة تحرير موسوعة "بريتانيكا" الشهيرة. وأحد الصحافيين المعروفين في البلدان الانكلوسكسونية عامة من خلال كتاباته في صحف ودوريات مثل "نيويورك تايمز" و"وول ستريت جورنال" و"الغارديان البريطانية" وغيرها.

الكتاب: قليلو المعرفة، ما يفعله الانترنت بأدمغتنا

تأليف: نيكولا كار

الناشر: نورتون وشركاؤه- نيويورك- 2011

الصفحات: 280 صفحة

القطع: المتوسط

The shallows

Nicholas Carr

New Norton and co - New York- 2011

280 .p

آخر الأخبار

حركة تسويقية متميزة للنادي الإفريقي في دربي العاصمة

حركة تسويقية متميزة للنادي الإفريقي في دربي العاصمة

تشكيلة الفريقين المنتظرة في دربي العاصمة بين الترجي والنادي الإفريقي

تشكيلة الفريقين المنتظرة في دربي العاصمة بين الترجي والنادي الإفريقي

مجموعات "فيراج" الترجي تقاطع دربي العاصمة احتجاجًا على منع الدخلة وحجز معدات التشجيع

مجموعات "فيراج" الترجي تقاطع دربي العاصمة احتجاجًا على منع الدخلة وحجز معدات التشجيع

منع دخول معلقات مسيئة في مباراة الترجي والنادي الإفريقي لتجنب الفتنة بين الجماهير

الأمن يمنع دخول معلقات مسيئة في مباراة الترجي والنادي الإفريقي لتجنب الفتنة بين الجماهير

تعفن الدماغ: كيف يؤدي الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي إلى تدهور الوظائف العقلية

تعفن الدماغ: كيف يؤدي الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي إلى تدهور الوظائف العقلية

Please publish modules in offcanvas position.