يشهد المشهد السياسي في سوريا تحولًا غير مسبوق بعد أن تولّت هيئة تحرير الشام، المرتبطة بالإسلاميين، السلطة في سوريا منذ 8 ديسمبر 2024، بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد. هذا التغيير يثير قلقًا كبيرًا في مصر، حيث يعتبر المسؤولون المصريون هذا التطور بمثابة "استفزاز" بسبب تاريخ جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة، التي كانت قد أطاحت بها مصر في 2013 إثر الإطاحة بحكم الرئيس السابق محمد مرسي.
مقالات ذات صلة:
محاولة اغتيال للرئيس السوري السابق بشار الأسد في روسيا
الرئاسة السورية تكشف تفاصيل خروج بشار الأسد من دمشق: بيان يوضح حقائق اللحظات الأخيرة
مجلس الأمن الدولي يعقد اجتماعا طارئا بعد سيطرة الفصائل المسلحة على دمشق والإطاحة ببشار الأسد
وقالت ميريسا خورما، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز ويلسون البحثي في واشنطن، لوكالة فرانس برس، إن هذا الوضع يثير مخاوف لدى مصر، خاصة بالنظر إلى تاريخ الإخوان المسلمين في البلاد، الذين كانت لهم علاقة وثيقة مع تنظيمات إسلامية في المنطقة.
مصر تتبنى سياسة الحذر
رغم أن مصر كانت قد دعمت بشار الأسد حتى اللحظات الأخيرة من حكمه، إلا أن وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أشار إلى أن بلاده تتبنى موقفًا حذرًا من السلطات الجديدة في دمشق بعد سقوط الأسد. في حين سارعت بعض الدول العربية إلى الاتصال بالسلطات الجديدة، تأخرت مصر في التواصل مع حكومة أسعد الشيباني، في وقت كانت قد أكدت فيه تأييدها للأسد حتى آخر لحظة.
في السبت 4 يناير 2025، أعلنت وزارة الخارجية المصرية عن إرسال أول مساعدات إنسانية مصرية إلى دمشق منذ سقوط الأسد، مما يعكس سياسة حذرة تجاه الوضع الجديد في سوريا.
التحديات الأمنية والجيوسياسية
الباحثة في معهد الشرق الأوسط، ميريت مبروك، أكدت أن "رد الفعل المصري كان حذرًا جدًا"، مشيرة إلى أن خطوط مصر الحمراء تتعلق أساسًا بالأمن والإسلاميين والجهات الفاعلة غير الحكومية. وتضيف أن سوريا اليوم تشهد وصول إسلاميين إلى السلطة، وهو ما يثير قلقًا إضافيًا لدى القاهرة، خاصة أن هذه القوى كانت مرتبطة بـ القاعدة في السابق.
بعد سقوط الأسد، تعززت المخاوف من انتقال الإسلاميين إلى السلطة في دمشق، وهو ما يتعارض مع صورة السيسي باعتباره حصنًا ضد الإسلام السياسي في المنطقة. ومن جهة أخرى، يثير تحول التوازن الجيوسياسي في المنطقة مخاوف من نفوذ تركيا في سوريا، خاصة بعد أن دعمت تركيا المعارضة السورية، وهو ما يعزز من القلق المصري من تحول تركيا إلى أقوى حليف في سوريا.
التحركات المصرية والتحفظات
عقب سقوط الأسد، سارعت مصر إلى اتخاذ إجراءات وقائية، حيث تم اعتقال عدد من السوريين الذين احتفلوا بسقوط النظام في دمشق، كما شددت القاهرة من قيودها على منح تأشيرات الدخول للسوريين.
وظهرت على التلفزيون المصري مشاهد تُظهر المعارضة السورية وتدريبات عسكرية تُثير الشكوك حول خطط هيئة تحرير الشام الجديدة، كما تم بث مشهد أحمد الشرع، الذي كان معروفًا بلقب أبو محمد الجولاني، مما يعكس تخوفًا من تطور الأحداث في سوريا.
خطر هيمنة الإسلاميين في سوريا
على الرغم من تعهدات هيئة تحرير الشام بحماية الأقليات وعدم تصدير الثورة، لا تزال مصر تشكك في نوايا الحكومة الجديدة، خاصة وأن الهيئة مدعومة من تركيا التي تتمتع بعلاقات قوية مع جماعة الإخوان المسلمين.
وقد أضافت ميريت مبروك أنه في الوقت الذي تسعى فيه دول الخليج، مثل السعودية والإمارات وقطر، إلى التواصل مع سوريا بعد سقوط الأسد، فإن مصر تشدد على أن أي تقارب مع دمشق سيكون مشروطًا بترتيبات سياسية تقضي بتقاسم السلطة وتجنب احتكار الحكم من قبل الإسلاميين.
إن التحديات الأمنية والجيوسياسية التي يواجهها مصر بعد تحولات السلطة في سوريا تشير إلى مرحلة جديدة من التوترات الإقليمية، خاصة في ظل المنافسة المستمرة مع تركيا ودعم القوى الإسلامية في المنطقة.