اختر لغتك

حين تصبح الكرامة معركة مجتمعية لمحاربة التحرش ضد المرأة

حين تصبح الكرامة معركة مجتمعية لمحاربة التحرش ضد المرأة

في إطار الأيام الأممية لمناهضة العنف ضد المرأة، شهد مقر الاتحاد الوطني للمرأة التونسية بباب بنات تونس يوم السبت 30 نوفمبر 2024 حصة تحسيسية توعوية حول أحد أخطر التحديات الإنسانية والاجتماعية ألا وهي التحرش ضد المرأة  من تنظيم المكتب الوطني للشبيبة النسائية، اللقاء الذي أدارته الأخصائية النفسية السيدة شيماء ڨلاوي، لم يكن مجرد جلسة للنقاش، بل كان مساحة عميقة للتأمل في آفة تنخر في صميم القيم الإنسانية وتضع المجتمع بأسره أمام مرآة الحقيقة.

مقالات ذات صلة:

العدالة الفرنسية تبرّئ الرئيس السابق لاتحاد الكرة نويل لوغريت من تهم التحرش ويستعيد "شرفه"

حركة تونس إلى الأمام تُوقف نشاط مدير معهد تالة بسبب اتهامات بالتحرش

محاولة اختطاف تثير الرعب في سوسة: تفاصيل حادثة تحرش واستدراج تلميذة

التحرش ليس مجرد فعل عدواني عابر، بل هو جرح مفتوح في جسد المجتمع بأسره، بل هو انعكاس لعقلية متجذرة تبيح انتهاك المساحات الخاصة للمرأة، وتمتهن كرامتها تحت ذرائع ثقافية أو تطبيع اجتماعي مقيت، وقد سلطت السيدة شيماء ڨلاوي الضوء على هذا الانتهاك، مؤكدة أن التحرش ليس مجرد لحظة عابرة في حياة الضحية، بل هو تجربة تترك آثارا طويلة الأمد، تتجسد في مشاعر الخوف، وانعدام الأمان، وتآكل الثقة بالنفس. 

وأوضحت أن التحرش لا يقتصر على الأذى النفسي فحسب، بل يمتد ليشكل عقبة أمام مشاركة النساء الكاملة في الحياة العامة، مما يعيد إنتاج أنماط الإقصاء والتهميش.

ففي أجواء اتسمت بالعمق والتفاعل، أوضحت الأخصائية النفسية أن التوعية هي الخطوة الأولى في معركة القضاء على التحرش، فالفرد الواعي بحجم هذه الجريمة يصبح جزءا من الحل، لا من المشكلة، وقد ناقش الحاضرون أهمية كسر حاجز الصمت الذي يحيط بهذه الظاهرة، حيث أشارت ڨلاوي إلى أن الخوف من الوصم الاجتماعي أو الانتقام غالبا ما يدفع الضحايا إلى الصمت، مما يبقي التحرش في دائرة "الجريمة الخفية". 

وشددت على أن التوعية يجب أن تتجاوز حدود المناسبات إلى أن تصبح ممارسة يومية، تترجم في سلوكيات الأفراد وفي خطاب المؤسسات التعليمية والإعلامية، وصولا إلى بناء ثقافة مجتمعية ترفض أي شكل من أشكال العنف والتعدي.

كما طرحت الحصة التحسيسية تساؤلات عميقة حول العلاقة بين وجود القوانين وتطبيقها الفعلي، فبينما تتباهى العديد من المجتمعات بسن تشريعات صارمة لمكافحة التحرش، يبقى الواقع مختلفا، حيث تعترض الضحايا عراقيل عدة، من بينها غياب الدعم القانوني والنفسي، وتعقيد الإجراءات، والأهم من ذلك، التطبيع المجتمعي مع الظاهرة. 

وركزت الأخصائية النفسية على أن مكافحة التحرش لا يمكن أن تكون فعالة ما لم تدمج القوانين في سياق ثقافي واجتماعي يشجع النساء على التبليغ ويضمن ، مؤكدة أن التغيير يبدأ من الأسرة والمدرسة، حيث تزرع بذور الاحترام والمساواة منذ الصغر.

بالإضافة إلى ذلك، أن ما ميز هذه الحصة التحسيسية هو الحضور المتنوع الذي جمع نساء ورجالا من مختلف الأعمار والخلفيات، هذا التواجد لم يكن مجرد دليل على وعي متزايد بخطورة الظاهرة، بل يعكس أيضا إرادة جماعية للتصدي لها، وقد عبر المشاركون عن رغبتهم في أن تتحول هذه المبادرات إلى حراك مستدام يتجاوز حدود المناسبات السنوية، ليصبح مشروعا مجتمعيا شاملا.

هذا ويعد التطرق إلى موضوع التحرش ليس مجرد حديث عن قضية اجتماعية، بل هو مواجهة مع أعمق القيم التي تحكم العلاقات بين البشر، فهذه الظاهرة تكشف عن خلل عميق يستوجب إعادة صياغة العلاقة بين الأفراد على أسس من الاحترام المتبادل والاعتراف بالحقوق المتساوية. 

وقد كان اللقاء أكثر من مجرد حدث توعوي؛ بل دعوة صريحة لإعادة التفكير في معاني الحرية والكرامة، ودعوة لتحويل الغضب الصامت إلى أفعال ملموسة تحدث تغييرا حقيقيا.

في ختام هذه الحصة التحسيسية، يبقى السؤال المركزي: كيف يمكن أن نبني مجتمعا يرفض التحرش بصفته اعتداء على الإنسانية جمعاء؟ الإجابة تبدأ من هنا، من هذه اللقاءات التي تجمع بين التوعية والنقاش، ومن إرادة جماعية تؤمن بأن الكرامة ليست امتيازا، بل حقا اصيلا لكل انسان.

اذ إن مكافحة التحرش ليست مجرد معركة قانونية، بل هي نضال يومي من أجل بناء مجتمع أكثر عدالة، حيث تصبح الكرامة الإنسانية غير قابلة للتفاوض.

آخر الأخبار

رسميًا: دربي العاصمة دون حضور جمهور النادي الإفريقي

رسميًا: دربي العاصمة دون حضور جمهور النادي الإفريقي

ملتقى احتفالية الرواية التونسية بتوزر: إحياء السرد وفتح آفاق جديدة

ملتقى احتفالية الرواية التونسية بتوزر: إحياء السرد وفتح آفاق جديدة

الجامعة التونسية لكرة القدم تنبه أندية الرابطة الأولى بضرورة تسوية ديونها

الجامعة التونسية لكرة القدم تنبه أندية الرابطة الأولى بضرورة تسوية ديونها

انطلاق عروض فيلم "موفاسا: الأسد الملك" في قاعات السينما التونسية

انطلاق عروض فيلم "موفاسا: الأسد الملك" في قاعات السينما التونسية

اختبار المشي لمدة 6 دقائق: أداة بسيطة بمؤشرات صحية متعددة الأبعاد

اختبار المشي لمدة 6 دقائق: أداة بسيطة بمؤشرات صحية متعددة الأبعاد

Please publish modules in offcanvas position.