تمر اليوم الذكرى 18 على رحيل الزعيم الحبيب بورقيبة، أول رئيس للجمهورية التونسية ومؤسس الدولة الحديثة.
في مثل هذا اليوم 6 أفريل سنة 2000 توفي المجاهد الأكبر الزعيم الحبيب بورقيبة أحد أبرز قيادات الحركة التحريريّة ضد الإستعمار الفرنسي و باعث النظام الجمهوري علي أنقاض المملكة الحسينيّة التي إستمرّت 3 قرون و باني دولة الإستقلال الحديثة القائمة علي إجباريّة و مجانيّة و تعميم التعليم المختلط و علي تحرير المرأة من قيود المجتمع الذكوري ا باصدار مجلّة الأحوال الشخصيّة، و علي نشر قيم العقلانيّة و الفكر المستنير و الإجتهاد إنطلاقًا من القرآن و السنّة و علي التمسّك بإستقلال تونس و عدم رهن قراراتها لا للشرق و لا للغرب.
ولد الحبيب بورقيبة في 3 أوت 1903 بمدينة المنستير و درس القانون في باريس ليعود سنة 1927 إلى تونس ويمارس مهنة المحاماة.
انضم إلى الحزب الدستوري سنة 1933 ثم استقال منه في نفس السنة ليؤسس الحزب الدستوري الجديد رفقة عدد من المناضلين من بينهم محمود الماطري والطاهر صفر والبحري قيقة.
وقد تم اعتقاله في 3 ديسمبر 1934 بسبب نشاطه النضالي ونفيه في الجنوب التونسي قبل أن يتم إطلاق سراحه في ماي 1936.
وفي 20 مارس 1956 استقلت تونس عن المستعمر الفرنسي وتم تأسيس أول حكومة تونسية ليتم سنة 1957 إلغاء النظام الملكي وتعيين الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية.
وحكم بورقيبة تونس حوالي 30 سنة قبل أن ينقلب عليه زين العابدين بن علي، الوزير الأول آنذاك ويزيحه من الحكم ثم يفرض عليه الإقامة الجبرية في منزله بالمنستير حتى آخر يوم في حياته.
كانت نظرة بورقيبة و مواقفه من المسائل السياسية و الحياتية نظرة استشرافية فكان موقفه من الديمقراطية واضحا فقال : "لا اعتقد ان الوقت ملائم للحديث عن الديمقراطية في مفهومها المطلق، فالمجتمعات العربية همشت مفكريها وعلماءها الحداثيين لحساب شيوخ توقف الزمن بهم قبل اربعة عشر قرناً، وهو الفارق بيننا وبينهم.. لذا وجب العمل على نشر ثقافة أكثر واقعية، يكون فيها للعلوم الحديثة مكان أوفر.. فخذ مثلاً، لو طلبنا من الشعب التونسي اجراء استفتاء عن موقفه من تعليم المرأه، فسأجزم إن 99.99 % سيرفضون تعليمها."
كما كان له مبدأ خاص في مفهوم النضال حين قال "هم يناضلون لقطع الأيادي والرؤوس ونحن نناضل لتبقى الرؤوس شامخة والأيادي مرفوعة."
و كان موقفه من حرية المرأة موقفا حاسما يستدلّ به الى اليوم مشددا القول "سأفرض حرية المرأة وحقوقها بقوة القانون.. لن أنتظر ديمقراطية شعب من المنخدعين بالثقافة الذكورية باسم الدين."
و أضاف أن "العلاقة بين المرأة والرجل تبنى على أساس الاحترام المتبادل.. المرأة غير مطالبة أن تدفن نفسها في الحياة لأن الرجل غير قادر على التحكم في غرائزه مثل الحيوانات.. المرأة يثيرها وجه الرجل وشعره وطوله وعرضه ورائحته وحتى خشن صوته لكن المرأة تعلمت أن تتحكم في غرائزها.. الرجل مطالب أيضاً بأن يرتقي لمستوى المرأة."
هذه الشخصیة لم یعجب بها التونسیون فقط بل اعترفت بقدراتها زعامات أخرى كالجنرال دیقول الذي وصفه بالساحر لطریقة خطابه المؤثرة وقوة عینیه التي لم یستطع قائد فرنسا الحرة من النظر إلیهما.
وعندما نتحدث عن السیاسة الخارجیة للزعیم لا بد أن نستحضر خطابه الشهیر في البالمریوم الذي یتداول بكثرة على موقع التواصل الاجتماعي "الفایسبوك" هذا الخطاب الذي جاء كرد فعل على أطروحات العقید القذافي الوحدویة والمعادیة للغرب التي أطلقها من البلمریوم والتي لم تعجب الزعیم فعمل على إنقاذ الموقف بطریقة ذكیة تنم على خبرة سیاسیة وربما هذا الخطاب كان سببا في في تدهور العلاقة بین الطرفین فیما بعد.
و مثلما يسرد أنصار بورقيبة قائمة طويلة من المنجزات، فإن نقاده لا يعدمون سبل استحضار قائمة أخرى من السلبيات أو من علامات تفرد الرجل بالحكم والسلطة.
فيستبسلون على سرد مساوئه بداية من زمن ما قبل الاستقلال، ليطنبوا في الحديث عن استغلاله للجيل الجديد في الحزب الدستوري و استمالتهم الى جهة الساحل و الانقلاب على الثعالبي. واتهموه بإبعاد كل من اختلف معه وصولا إلى مفصل الاستقلال الداخلي (على خلفية خطاب مانديس فرانس رئيس الحكومة الفرنسية يوم 31 جويلية 1954) الذي قسم الحزب والبلاد إلى فريقين ،الأول فريق بورقيبة الذي يرى أن الاستقلال الداخلي خطوة لابد من قبولها والبناء عليها للوصول إلى الاستقلال التام، والثاني فريق الزعيم صالح بن يوسف الذي يصرّ على وجوب الاستقلال التام وربط استقلال تونس باستقلال الجزائر.
و مازال منقديه يلومونه على سياسته مع الغرب و طرقه في الحصول على استقلال تونس و يتهمونه بخيانة شعبه و التفريق بين جهات البلاد.
الثابت أن الحديث عن انجازات الزعيم الحبيب بورقيبة تثار في كل مناسبة سواء من مناصريه أو منتقديه ، و ان كان بورقيبة قد أخطأ في حق جهة أو أفراد و تمسكه بالحكم الواحد فانه لا يختلف إثنان حول عديد المكتسبات السياسية و الاجتماعية التي مازال التونسيون يتمتعون بها الى اليوم و يتفوّقون فيها على بقية الشعوب العربية.