الرهان على العلمي
إبان حقبة الصراع الضاري بين السلطة و"حركة النهضة"، أي طيلة عشرية التسعينيات من القرن الماضي، حاولت السلطة الدفع بمن زعموا القراءة النقدية والعلمية للموروث الديني إلى واجهة الصراع الفكري، وتوظيفهم إلى مرادها ومبتغاها. وقد استخدم ذلك الشق أدواته "العلمية" بشكل مبتذل وممسوخ، فما كان المقصد إرساء جذور مقاربة ترنو إلى إعادة الوعي الصائب بموروثنا الديني، بل كانت العملية تتطلع إلى مغانم سياسية، وهو ما جعل المقاربة العلمية التونسية تولد مشوّهة وتفشل في خلق أجواء معرفية نقية.
وفي هذا الزمن الجديد الذي تعيشه تونس، لن يثني ذلك الفشل المبكر الصادقين عن مسعاهم الجاد، فكما فطنوا إلى كلمات الحق التي أريد بها باطل، يدركون بالمثل أن الدرس الديني الحالي مطالب بالخروج من رهن اللاتاريخية إلى رحابة الواقع الحي، وكل تفريط في قضايا الراهن والتلهّي عنها بقضايا ميتافيزيقية مغتربة من شأنه أن يغيّب العقل عن اهتمامه التاريخي. لأن الدرس الديني يصنع عزلته بتغاضيه عن قضايا مجتمعه. ربما فرصة الانعتاق السياسي للدرس الديني هي من أندر الفرص التاريخية التي نعيشها، حيث لا يجد المقول الديني نفسه رهينا أو مراقَبا إلا من ذاته، ومن هذا الباب ينبغي أن يراجع مهمته بالاحتكام إلى وعيه وشروطه.