يُعد الإتجار بالبشر إحدى الظواهر العالمية التي انتشرت انتشارا ملحوظاً في السنوات الأخيرة. وغالبًا ما يقترن نشاط تلك الظاهرة بالأزمات الناشئة عن النزاعات المسلحة أو الكوارث الطبيعية، وكذلك في المجتمعات التي تعاني من الفقر والتدهور الحاد في الخدمات الضرورية[1].
وهو ما يؤدي بالضرورة لوقوع أعداد كبيرة من البشر تحت خطر الاستغلال من قبل عصابات إجرامية منظمة تعمل على تجنيدهم للعمل في مجال الخدمات الجنسية، والتسول، والممارسات الشبيهة بالرق والاستعباد. بل يصل الأمر في كثير من الأحيان إلى استغلالهم بالمتاجرة في الأعضاء البشرية والأنسجة وإجراء الاختبارات الطبية. يُعد مرتكبا لجريمة الاتجار بالبشر كل من يتعامل بأية صورة فى شخص طبيعي بما في ذلك البيع أو العرض للبيع أو الشراء أو الوعد بهما أو الاستخدام أو النقل أو التسليم أو الإيواء أو الاستقبال أو التسلم سواء في داخل البلاد أو عبر حدودها الوطنية - إذا تم ذلك بواسطة استعمال القوة أو العنف أو التهديد بهما، أو بواسطة الاختطاف.
أصبحت ظاهرة الاتجار بالبشر ظاهرة دولية تؤرق المجتمع الدولي، إذ أنها لا تقتصر على دولة واحدة وإنما تمتد لتشمل العديد من الدول نتيجة لكونها أحد أشكال الجريمة المنظمة، إلا أنها تختلف باختلاف صورها وأنماطها من دولة إلى دولة أخرى وفقاً لمفهوم الاتجار بالبشر في تشريعاتها الوطنية، ومدى احترامها لحقوق الإنسان.
حيث شهد المجتمع الدولي في الآونة الأخيرة تصاعد ظاهرة الاتجار بالبشر، فمع تنامي بؤر الصراعات المسلحة سواء الداخلية أو الدولية ووجود كثير من مناطق العالم التي تعاني من الاضطرابات الداخلية، وعدم الاستقرار السياسي وتدهور الأوضاع الاقتصادية، في بعض البلدان لا سيما في بلدان العالم الثالث التي توفر لعصابات الجريمة المنظمة عبر الوطنية ظروف معيشية سهلت وجود موارد متجددة من الضحايا من أجل تحقيق مبالغ طائلة من وراء استغلالهم[1].
وأن الاتجار بالبشر يمثل ثالث أكبر تجارة عالمياً بعد تجارة المخدرات وتجارة السلاح[2]، فالنساء والأطفال أهم الضحايا، فالتجار يتخذون من الدول الفقيرة مصدراً للضحايا وتمثل الدول الغنية أسواقاً رائجةً لتجارتهم، حيث أن شبكات الاتجار تمتد عبر الدول، ولا شك بأن هذه التجارة قد تحتل المرتبة الأولى عالمياً في المستقبل، وذلك لأن مخاطرها أقل خطورة من تجارة السلاح وتجارة المخدرات.
ولقد اتخذت عصابات الجريمة المنظمة من الحروب والفقر والبطالة بيئة خصبة لممارسة ظاهرة الاتجار بالبشر، لما تدره هذه التجارة على أصحابها من أموال طائلة، الشيء الذي يغذي أكثر انتشار هذه الظاهرة بكل صورها المختلفة.
ونظراً لأهمية هذه الظاهرة وخطورتها اتجه معظم الفاعلون الدولية المتمثلة بالدول والمنظمات الدولية الإقليمية إلى تشريع الظاهرة ووضع تعريف عام وشامل لها، وحاولت قدر الإمكان أن يكون التعريف ملم بالظاهرة من كافة جوانبها وأشكالها، بالإضافة إلى الأفعال التي تتم الظاهرة من خلالها كالتجنيد والنقل والإيواء، وغيرها.
ومن الجدير بالذكر أن ظاهرة الاتجار بالبشر لا تأتي من خلال صورة واحدة أو شكل واحد، وإنما تتخذ أشكالاً وصوراً متعددة، وتعدد أشكالها لم يأت من فراغ، وإنما لتحقيق الربح المادي وتعدد مصادر الدخل، ابتدءاً من تجارة الرقيق وانتهاءً بتجارة الأعضاء البشرية، والتي لاقى تجارها بيئة خصبة وعوامل مساعدة كثيرة في مختلف الدول لاسيما الدول النامية منها بسبب الفقر الشديد وتدني مستوى المعيشة فيها، بالإضافة إلى مجموعة من الدوافع والأسباب التي تسهل سير هذه التجارة، والتي سنأتي عليها لاحقاً في الدراسة.كما يُعدّ إكتشاف هذا النوع من الجرائم والتعرّف على ضحاياها أحد التحديات الصعبة في مجال مكافحته، نظرًا لما يحيطه من السرية والكتمان حتى من جانب الضحايا أنفسهم خوفاً من التهديدات التي قد يواجهونها من قبل الجناة، أو خشية توقيع العقوبات عليهم من قبل السلطات في حال اكتشاف هذه الجريمة. وهي الأمور التي دفعت المجتمع الدولي إلى تكثيف جهوده المختلفة لمحاولة التصدي لتلك النوعية من الجرائم عن طريق عدد من الاتفاقيات والبروتوكولات[2]، وكذلك حث كافة الدول على إصدار تشريعات وطنية[3] تهدف إلى الحدّ من جريمة الإتجار بالبشر، وجبر ضرر ضحاياها وإعادة تأهيلهم.
وتعتبر مصر إحدى تلك الدول التي تبنّت إصدار قانون خاص يجرم الإتجار بالبشر بكافة أشكاله وهو القانون رقم 64 لسنة 2010، الذي جاء وفاءً للالتزامات الدولية التي سبق وتم التصديق عليها[4]. في الوقت نفسه، يأتي هذا القانون في ظل غياب أي وعي مجتمعي بتلك الظاهرة أو المشكلات الناتجة عنها والذي يجعل الكثيرين ينفون انتشار تلك الظاهرة في المجتمع المصري.
فنجد أن الإتجار بالبشر في مصر يأخذ أشكالا مختلفة وتحت مسميات عدة، أكثرها شيوعًا هي “الزيجات الموسمية” أو”الزواج السياحي” وهي التي تتم من خلال تزويج فتيات، دون السن القانوني في أغلب الأحيان، لرجال غير مصريين، وغالباً يكونون من دول الخليج وأكبر من الفتاة بفارق عمري كبير[5]. بالإضافة إلى ظاهرة أطفال الشوارع التي تؤدي إلى استغلال آلاف الأطفال في الدعارة والخدمات الجنسية، وغيرها من أشكال الاستغلال كالعمالة القسرية في المنازل. ذلك إلى جانب التنظيمات الإجرامية الخاصة بتجارة الأعضاء البشرية التي نشطت في مصر في السنوات الأخيرة، حيث ضبطت مباحث القاهرة في عام 2016 فقط نحو 12 قضية تجارة أعضاء بشرية فى العاصمة وحدها[6].
لذا نحاول في هذا المقال، الذي صادف تحريره في اليوم العالمي لمكافحة الإتجار بالبشر[7]، تسليط الضوء على الإطار القانوني لمكافحة هذه الظاهرة في مصر وكيفية تعامل المحاكم معها. وماهية الإشكاليات التي تقف حائلًا دون المضي قُدمًا نحو تحسين آليات مكافحة الإتجار بالبشر.
قانون مستوحى من الاتفاقيات الدولية
يعتبر قانون مكافحة الإتجار بالبشر الصادر في مايو 2010 من أكثر القوانين المصرية إتساقًا وتناغُمًا مع الآليات والمعايير الدولية. ويظهر ذلك بداية من تعريف القانون[8] لجريمة الإتجار بالبشر الذي جاء مُستلهمًا إلى حد كبير من التعريف الوارد في بروتوكول “باليرمو”[9]. فيعتبر القانون أن تلك الجريمة لا تتحقق إلا بتوافر ثلاثة عناصر، (الإتجار) وهو التعامل بأیة صورة في شخص طبیعي بما في ذلك البیع أو العرض للبیع أو الشراء أو النقل أو التسلیم أو الإیواء. و(استخدام وسائل معينة) مثل استعمال القوة أو العنف أو التھدید بھما، أو بواسطة الاختطاف أو الاحتیال أو الخداع، أو استغلال السلطة، أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة. و(قصد الاستغلال)[10] أیاً كانت صوره بما في ذلك الاستغلال في أعمال الدعارة وسائر أشكال الاستغلال الجنسي، واستغلال الأطفال في الخدمة قسراً أو التسول، أو استئصال الأعضاء البشرية.[11]
كما يمكن القول أن القانون راعى كل المعايير التي تضمنتها المواثيق الدولية التي تناولت تلك الظاهرة، حيث جرم القانون كافة أشكال وصور الإتجار بالبشر، مع فرض عقوبات رادعة على مرتكبيها تصل إلى السجن المؤبد[12]. كما اهتمّ بتوفير الرعاية الكاملة لضحايا تلك الجرائم، بدءاً من إعفائهم من أي مسؤولية قانونية من جراء الأفعال التي قد تكون أُرتكبت أو نشأت من كونهم مجنى عليهم[13]، مرورًا بتوفير كافة سبل الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية، وبحث فرص إعادة التأهيل ودمجهم في المجتمع مرة أخرى. وكذلك ضمان عودتهم إلى وطنهم على نحو سريع وآمن إذا كان هؤلاء الضحايا من الأجانب غير المقيمين في مصر[14]. نهاية بتوفير كامل الحماية القانونية والنص صراحة على الحق في تبصیرهم بالإجراءات الإداریة والقانونیة والقضائیة ذات الصلة، وحصولهم على المعلومات المتعلقة بھا[15].
إشكاليات تطبيق القانون أمام المحاكم المصرية
كما سبق وأشرنا في الفقرة السابقة، فإن إثبات جريمة الإتجار بالبشر لا يتحقق إلا بتوافر العناصر الثلاثة سالفة الذكر “مجتمعة“. مما يعني أنه في حال غياب أي من تلك العناصر لا يمكن اعتبار الفعل المجرم “إتجارًا بالبشر” بل يمكن اعتباره جريمة تخضع لأحكام واردة بقوانين جنائية أخرى. وهو أمر في غاية الأهمية حيث يترتب عليه اختلاف العقوبات الموقعة على المُدانين، وذلك بإختلاف الوصف القانوني الذي يتم إصباغه على الجريمة.
فعلى سبيل المثال، قانون مكافحة الدعارة[16] ينص على عقوبة الحبس لمدة أقصاها سبع سنوات لجريمة استغلال أحد الأشخاص في البغاء[17]، بينما في ظل أحكام قانون مكافحة الإتجار بالبشر إذا تاجر الجاني بالضحية بهدف الإستغلال الجنسي يعاقب بالحبس لمدة قد تصل إلى خمسة عشر عامًا[18]. وجدير بالذكر، أنه في أحيان أخرى قد يُحاكم الجناة ويُدانون بموجب مواد القانونين معًا. وهو ما ظهر في أحد أحكام محكمة النقض، حيث أُدين الجناة بجريمة الإتجار في البشر وجريمة إدارة مسكن لأعمال الدعارة، بعدما أجبروا واستخدموا عددا من الفتيات على تلك الأعمال مستغلين حالة ضعفهم وحاجتهم، بالإضافة إلى تزويجهم بموجب عقود زواج عرفي لعدد من رجال الخليج أكثر من مرة[19]. لتتوافر بذلك كافة عناصر جريمة الإتجار بالبشر بالإضافة إلى جريمة تسهيل الدعارة أيضًا.
كما تجدر الإشارة إلى أنه كان يجب مراعاة تفسير كافة المصطلحات والعبارات التي تضمنها القانون من خلال لائحته التنفيذية[20]. ومحاولة التفرقة بينها وبين المصطلحات الواردة بالقوانين الجنائية الأخرى. وهو الأمر الذي لم يحدث، حيث جاءت اللائحة خالية من أي شروحات لعبارات مثل “الاستغلال الجنسي” أو “العمل القسري” أو “الرق والإستعباد” أو حتى أن توضح ما هو المقصود “بالأعضاء البشرية” التي لا يجوز الإتجار فيها على سبيل الحصر، مما يهدد أن تظلّ تلك النصوص حبرًا على ورق، لسهولة التهرب من إصباغ تلك الأوصاف نظرًا لعدم تعريفها بشكل يقطع الشك عن أي تفسيرات أخرى.
وقد ظهرت تلك الإشكالية في أحد أحكام محكمة النقض، بعدما أُدين مجموعة من المتهمين “بالإتجار والتعامل مع أشخاص طبيعيين بقصد استغلالهم في الحصول على دمائهم وبيعها”. وقد ارتكز دفاع المتهمين في هذه القضية على “أن الدم سائل ولا يقطع من الجسم ومن ثم عدم انطباق أحكام القانون رقم 64 لسنة 2010 بشأن مكافحة الإتجار بالبشر”. تبعا لذلك، ارتأت المحكمة إحالة الموضوع إلى لجنة أشكال ودوافع جريمة الاتجار بالبشر.
تعاني معظم الدول من انتشار الظاهرة الإجرامية في الوقت الحالي بشكل كبير وسريع وبأشكال مختلفة، ومنها ظاهرة الاتجار بالبشر، ويقف وراء الزيادة الكبيرة في انتشار هذه الظاهرة بأشكالها وصورها الانحلال الأخلاقي والفساد المالي والإداري الذي ساهم بشكل كبير في زيادة معدلات الفقر والبطالة وتدني المستوى المعيشي للأفراد، والأوضاع السياسية والأمنية المتأزمة التي دفعت بالأفراد إلى ترك بلدانهم واللجوء إلى الدول المجاورة خوفاً على أنفسهم وعائلاتهم….، وفي هذا المبحث سنعرض مجموعة من أشكال وصور الاتجار بالبشر بالإضافة إلى دوافع وأسباب هذه الظاهرة.
المطلب الأول: أشكال جريمة الاتجار بالبشر
سنتطرق من خلال هذا المطلب إلى أشكال جريمة الاتجار بالبشر وذلك من خلال الفقرة الأولى: الاستغلال الجنسي للنساء والأطفال، والفقرة الثانية: العمل ألقسري والسخرة، والفقرة الثالثة: الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة به، والفقرة الرابعة: الاتجار بالأعضاء البشرية.
الفقرة الأولى: الاستغلال الجنسي(للنساء و الأطفال).
أن جريمة الاتجار بالنساء تأخذ صور كثيرة ومتعددة ومنها العنف والاعتداء الجنسي الذي يتم من خلال عصابات منظمة تمارس هذه الاعتداءات ضمن نطاق جريمة الاتجار بالبشر، وهذه الجريمة تعتبر من أبشع الجرائم التي ترتكب في حق النساء، وذلك لكونها تمس كرامتهن وإنسانيتهن، فضلاً عن أنها أحد صور تجارة الرق[3].
وتعد الدعارة من أكثر الصور رواجاً و انتشاراً من صور الاستغلال الجنسي للنساء، حيث ينظر أفراد عصابات الاتجار بالبشر إلى النساء على أنهن سلع تعرض للبيع بهدف تحقيق وإشباع الرغبات والملذات الجنسية[4]، فيتم استقطاب النساء اللاتي يعشن في ظروف معيشية متدنية جداً أو اللاتي ينشأن في أسر متفككة ويفتقدن لرقابة الأبوين، بالإضافة إلى فشل العلاقات الزوجية التي تبنى على أساس الإكراه وعدم رضا أحد الطرفين.
ومن صور استغلال النساء جنسياً العمل في الدعارة مقابل الحصول على المال، أو العمل في شركات( Porn) للتمثيل في الأفلام الإباحية بغض النظر مع من تشارك في الأفلام الإباحية سواء كان إنساناً، أو حيواناً، أو أي شيء آخر كالترويج للأدوات الجنسية المتعددة، أو يتم استغلالها من خلال تجارة زوجها بها وبيعها مقابل الحصول على المال.
أما الطفل فهو الذي يعيش في المرحلة التي تبدأ بالميلاد حتى بلوغ سن الثامنة عشر ميلادية من عمره، وأن فترة المراهقة تعد امتداداً للطفولة بل هي أخطر مرحلة لذا فهي تحتاج حماية أكثر[5]، لذلك فأن استغلال أي شخص دون سن الثامنة عشر يعتبر من قبيل الاستغلال الجنسي للأطفال.
ويقصد بالاستغلال الجنسي للأطفال: استغلالهم من خلال استخدامهم لخدمة أي شكل من الأشكال الإباحية حيث يتم استخدام الأطفال لإشباع رغبات جنسية للأشخاص الآخرين مقابل الحصول على المال، ومن أشكال الاستغلال الجنسي للأطفال الممارسة الجنسية، البغاء، تصوير الطفل عارياً، أو الاستغلال الجسدي للطفل من خلال الوسائط المتعددة والإنترنت[6].
كما ويقصد به” اتصال جنسي بين طفل وشخص بالغ من أجل إرضاء رغبات جنسية عند الأخير مستخدماً القوة والسيطرة عليه، ومعنى التحرش الجنسي أوسع من مفهوم الاستغلال الجنسي أو الاغتصاب البدني، فهو يقصد به أشياء كثيرة منها: كشف الأعضاء التناسلية أو إزالة الملابس والثياب عن الطفل أو ملامسة، أو ملاطفة جسدية خاصة، أو التلصص على طفل، أو تعريضه لصور فاضحة أو لأفلام، أو إجباره على التلفظ بألفاظ فاضحة”[7].
كما ويتم الاستغلال الجنسي للأطفال بطرق متعددة ومنها، عمالة الأطفال، وتجنيد الأطفال، والتسول، والمواد الإباحية، والتبني، والسياحة الجنسية، ونزع الأعضاء، والعمل الجبري، والخدمات المنزلية، والنزاعات المسلحة، والأنشطة الإجرامية، وعمالة السخرة[8].
الفقرة الثانية: العمل ألقسري والسخرة
اهتمت منظمة العمل الدولية بموضوع “السخرة والعمل ألقسري أو الخدمة القسرية” على اعتبار أنها شبيه بالرق، حيث عرفت الخدمة القسرية بأنها” أن السخرة أو العمل ألقسري يشمل جميع الأعمال أو الخدمات التي تفرض عنوة على أي شخص تحت التهديد بأي عقاب، والتي لا يكون هذا الشخص قد تطوع بأدائها بمحض اختياره ولكن مع استثناء الخدمة العسكرية الإلزامية “[9].
وتعد ظاهرة العمل ألقسري ذات طابع عالمي، ولا توجد دولة بمنأى عنها، ولذلك عنيت التشريعات الدولية بمحاربة هذه الظاهرة ومواجهتها، من خلال حث الدول على تجريم العمل ألقسري والمعاقبة عليه بعقوبة جنائية، كما أن تحديد العمل ألقسري يتم من خلال الرجوع إلى طبيعة العلاقة ما بين العامل ورب العمل، وليس من خلال الرجوع إلى مشروعية العمل المؤدَّى، حيث أن طوعية العمل أو قيام العامل بالعمل بإرادته هو المعول عليه، فلا يشترط لإسباغ وصف العمل ألقسري على نشاط معين، أن يكون النشاط متوافقاً مع القوانين الوطنية، وبصرف النظر سواء أكان النشاط مشروعاً أم غير مشروع فإن ذلك لا يؤثر على كينونة العمل ألقسري المرتبطة بحرية العامل في العمل، وليس بنوعية أو مشروعية العمل الذي يقوم به[10].
الفقرة الثالثة: الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة به
أن الاسترقاق والعبودية وجهان لعملة واحدة، حيث عرفت العبودية بأنها” الحالة أو الوضعية التي تمارس فيها بعض أو جميع حقوق الملكية على شخص ما[11]، وعلى الرغم من أنها محظورة في المادة الرابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948م، والتي تنص على أنه لا يجوز استرقاق أحد أو استعباده، إلا أنها موجودة حتى الآن في معظم البلدان”[12].
أما الممارسات الشبيهة بالعبودية فتعرف بأنها” الفعل الرامي إلى نقل أو الشروع في نقل أو محاولة نقل العبيد من دولة إلى أخرى بأي وسيلة نقل كانت، أو تسهيل ذلك، وكذلك أية عمليات تتضمن محاولة تشويه أو كي أو وسم عبد ما أو شخص ما ضعيف المنزلة سواء للدلالة على وضعه أو لعقابه أو لأي سبب أخر كان أو المساعدة على القيام بذلك”[13].
وبالإضافة إلى الاسترقاق والعبودية هنالك ممارسات تشبه العبودية كإسار الدين و القنانة، حيث يعتبر إسار الدين بمثابة ارتهان مدين مقابل تقديم خدمات شخصية لشخص تابع له مقابل سداد دين عليه، أما القنانة فهي وضع يلزم الشخص بالعيش والعمل على أرض شخص آخر، ويكون ملزم بتقديم الخدمات له سواء كان بمقابل أو بدون مقابل، علماً بأن الشخص الأول لا يملك الحرية في تغيير وضعه[14].
الفقرة الرابعة: الاتجار بالأعضاء البشرية.
إن جريمة الاتجار بالأعضاء البشرية أحد أشكال الاتجار بالبشر، فهي جريمة موجهة ضد الإنسانية لكونها تجعل من جسم الإنسان سلعة تباع وتشترى وهو ما يعد انتهاكاً لحق الإنسان في حماية حياته وحفاظه على جسده وكرامته التي حفظتها له الشريعة الإسلامية والقانون.
ويقصد بالاتجار بالأعضاء البشرية:” كل عملية تتم بغرض بيع أو شراء للأنسجة أو عضو أو أكثر من الأعضاء البشرية وهي تجارة حديثة بالمقارنة بتجارة الأشخاص، أما التبرع بدون مقابل فلا يعد من أعمال التجارة في الأنسجة أو الأعضاء البشرية”[15].
وغالباً ما تتم جريمة الاتجار بالأعضاء البشرية لصالح الأغنياء على حساب الفقراء، ويكون القاسم المشترك بينهم مجموعة من الأطباء أو الذين يعملون في المهن الطبية كالمختبرات، حيث أن هذه الفئة هي التي تسهل عملية البيع والشراء ونقل العضو من جسد الضحية إلى جسد المستفيد، وقد تتم سرقة العضو من جسد الضحية بشكل قسري، حيث يتم خداعه ونقله إلى مكان الجريمة عن طريق التغرير به، كأن يتم خطف الطفل ومن ثم تخديره وإجراء الفحوصات الطبية الشاملة له للتأكد من سلامته الجسدية، وفيما بعد يقوم الطبيب الذي لا يمتلك من أخلاق وشرف مهنة الطب شيء باستئصال العضو المتفق عليه وبيعه للزبون[16].
بالإضافة إلى ما سبق، نصل إلى نتيجة مفادها أن جريمة الاتجار بالأعضاء البشرية جريمة تتنافى مع الطبيعة البشرية، وذلك لأن الشريعة الإسلامية ومختلف الأديان السماوية قدست الجسد وحرمت الاعتداء عليه بأي شكل من الأشكال[17]، فهذه الجريمة جعلت جسم الإنسان موضعاً للتجارة يتم من خلالها استبدال الأعضاء وبيعها مقابل الحصول على المال، ومن خلالها يستطيع الأثرياء شراء أي عضو يحتاجونه في حال تعرضهم هم أو أحد أفراد أسرهم للمرض كتلف العضو أو إصابة العضو بمرض يستحيل منه الشفاء كالفشل الكلوي أو الكبد على سبيل المثال.
ونظراً لخطورة هذه الجريمة التي قد يترتب عليها وفاة الشخص الذي يتم سرقة واستئصال أحد أعضائه، أو إصابته بعاهة مستديمة، الأمر الذي ترتب عليه اتجاه الدول إلى تشريع قانون لتنظيم عملية ونقل وزرع الأعضاء البشرية وتجريم سرقتها أو الاعتداء على الجسد البشري، ويكون هذا القانون إلى جانب قانون مكافحة الاتجار بالبشر على الرغم من أن ظاهر الاتجار بالأعضاء البشرية تعتبر أحد أشكال وصور الاتجار بالبشر.
المطلب الثاني: دوافع وأسباب جريمة الاتجار بالبشر
هنالك العديد من الدوافع والأسباب التي تقف وراء جريمة الاتجار بالبشر وسنذكر منها، غياب الوازع الديني وعدم استشعار رقابة الله، والهجرة من الأرياف إلى المدن، وعدم العدالة في توزيع فرص العمل، و الزواج المبكر للفتيات، وغياب معيل الأسرة، و التفكك الأسري وغياب رقابة الأهل، وعوائد تجارة الاتجار بالبشر، وسياحة الجنس، والصراعات الداخلية والحروب والكوارث الطبيعية، و غياب القوانين والعقوبات الرادعة، و الفساد الحكومي وعدم العدالة في توزيع الثروات، و التطور التكنولوجي.
الفقرة الأولى: غياب الوازع الديني وعدم استشعار رقابة الله
الأمر الذي يجعل الأفراد يرتكبون المعاصي والمحرمات دون خوف من شيء، فعدم الخوف من الله يجعل الأفراد منعدمي الضمير، مما يجعلهم يتوغلون في مستنقع الرذيلة، وهذا الأمر يأتي نتيجة غياب دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية، التي تمثل في الأسرة والمدرسة ودور العبادة وحلقة التعليم الأساسية، حيث أن هذه المؤسسات تمثل نواة المجتمع الأساسية، وانهيار أحد هذه المؤسسات يقود إلى انهيار المجتمع بأكمله.
الفقرة الثانية: الهجرة من الأرياف إلى المدينة والنمو المتصاعد في المراكز الصناعية والتجارية في المدن[18]
تؤدي الهجرة إلى التطلعات الشخصية إلى الوقوع في شباك المتاجرين بالأشخاص خاصة عند الأقليات المضطهدة التي تعاني انتهاكاً لحقوقها المدنية والقانونية، لذلك فهي ترى أن في الهجرة حياة أفضل ومجتمعاً أحسن، وبالتالي فهي لا تدري أنها أصبحت ضحية من ضحايا الاتجار مقيدة بقيود لا فكاك منها[19].
الفقرة الثالثة: عدم العدالة في توزيع فرص العمل
يتم التوظيف بناءاً على معيار الوساطة والمحسوبية، الأمر الذي يترتب عليه وصول الأفراد لاسيما الشاب منهم إلى حالة من اليأس وفقدان الثقة في البيئة المحيطة بهم، مما يدفعهم إلى البحث عن تأمين مصدر دخل دون النظر إلى طبيعة العمل الذي سيقومون به.
الفقرة الرابعة: الزواج المبكر و ألقسري للفتيات[20]
يعتبر هذا الزواج بمثابة تجارة الرقيق فعندما يتجه الأب غير السوي بحكم ولايته على أبناءه إلى تزويج بناته في سن مبكرة دون السن القانوني، فإنه يتعامل معهن على أنهن سلع، فغالباً ما يكون الزوج رجلاً ثرياً، وبهذه الحالة نكون أمام تجارة قائمة على البيع والشراء، ولا تمت بصلة إلى الزواج الطبيعي الذي يهدف إلى إقامة حياة مشتركة بين رجل وامرأة لبناء حياة أسرية.
الفقرة الخامسة: غياب معيل الأسرة[21]
هنالك العديد من الأسباب التي قد تجبر الأطفال على العمل لتأمين دخل يومي لعائلاتهم، فقد يكون الأب سجيناً لتهمة ما، أو متوفياً، أو مفقوداً في حرب، أو مريضاً وغير قادر على الحركة، أو متعاطياً للمخدرات وغيرها من الأسباب التي لا يمكن حصرها، والتي تجبر الأبناء على العمل دون اكتراث بطبيعة العمل ومدى خطورته، حيث يكون هاجسه الأول والأخير هو تأمين قوت يوم عائلته، مما يجعله فريسة سهلة لدى عصابات الاتجار بالبشر.
الفقرة السادسة: التفكك الأسري وغياب رقابة الأهل[22]
والذي يكون بسبب الطلاق أو عدم تواجد أحد الأبوين مع الأبناء بشكل دائم نتيجة العمل سواء داخل الدولة أو خارجها، أو ضعف الروابط الأسرية نتيجة لعدم التفاهم بين الزوجين التي تنشأ بسبب الزواج بالإكراه الذي يكون بحكم العادات والتقاليد، وهذا التفكك غالباً ما يترتب عليه وجود أبناء في بيئة مفككة مما يجعلهم يلوذون بالفرار من المنزل، واللجوء إلى أحد أوكار عصابات الاتجار بالبشر، وهذا ما يسهم في وجود أعداد كبيرة من المتشردين في العالم.
الفقرة السابعة: عوائد الاتجار بالبشر[23]
هذه التجارة تدر مبالغ مالية ضخمة تجعل الأفراد الذين يعملون بها غير قادرين على تركها بسبب الأرباح الهائلة التي يجنوها منها، كما أنها تمكنهم من العمل خارج حدود دولهم وتمنحهم فرصة التعارف على كبار تجار الاتجار بالبشر والاتجار بالأعضاء البشرية و السلاح والمخدرات وغيرها من أشكال هذه التجارة.
الفقرة الثامنة: سياحة الجنس التي أصبحت تجارة عالمية مخيفة[24]
هذه السياحة لا تختلف عن تجارة الرقيق والدعارة المبطنة، فهي تستهدف الفتيات اللاتي يعانين من الفقر وتدني المستوى التعليمي والمعيشي في بلدانهن، واللاتي غالباً ما يتم الوصول إليهن عن طريق شبكة الإنترنت والإيقاع بهن من خلال مواقع إباحية أو الخداع من خلال جذبهن عن طريق عقود عمل وهمية للوظائف، وبهذه الصورة تصبح الفتيات مجبرات على العمل في أوكار الدعارة، مما يجعلهن أحد ضحايا الاتجار بالبشر.
الفقرة التاسعة: الصراعات الداخلية والحروب والكوارث الطبيعية[25]
غالباً ما ينتج عن الحروب والصراعات وجود أعداد ضخمة من اللاجئين، حيث يصاحب اللجوء الفقر مما يدفع اللاجئين إلى الاتجاه نحو العمل في تجارة الجنس(الدعارة) لسد حاجياتهم الأساسية، وهذا ما يجعلهم فريسة سهلة لدى عصابات الاتجار بالبشر، حيث يتم إغراؤهن بالمال وبتأمين مسكن أو حياة أفضل من تلك التي يعيشونها داخل المخيمات أو الملاجئ.
الفقرة العاشرة: غياب القوانين وضعف العقوبات الرادعة
ساهمت في زيادة معدلات جريمة الاتجار بالبشر، كما أن غياب وعي أفراد المجتمع بمدى خطورة جريمة الاتجار بالبشر والعواقب الوخيمة التي تنتج عنها تجعلهم عرضة سهلة في الإيقاع بهم في وحل عصابات الاتجار بالبشر، كما أن غياب الدور الإعلامي المرئي والمسموع في توعية أفراد المجتمع وتعريفهم بمخاطر هذه الجريمة ساهم إلى زيادة معدلات هذه الجريمة بشكل أو بآخر، فقلما نجد وسائل الإعلام تتحدث عن مخاطر جريمة الاتجار بالبشر وما آلت إليه من تطور في أساليب وطرق جذب الأفراد، ليصبحوا ضحايا فيما بعد
الفقرة الحادية عشرة: الفساد الحكومي وعدم العدالة في توزيع الدخل والثروات
جعلت طبقات المجتمع متفاوتة، فأصبحت الطبقة العليا في غنى فاحش ومتزايد، والطبقة الفقيرة تزداد فقراً، فهذه الفجوة بين أفراد المجتمع ترتب عليها زيادة في معدلات الفقر والبطالة وانعدام المستوى المعيشي للكثير من الأسر مما دفعهم نحو بيع أحد أبنائهم أو بناتهم أو أعضائهم الجسدية، فغالباً ما نرى أب يبيع أحد بناته تحت مسمى الزواج، أو أم تبيع جزءاً من أعضائها الجسدية لتأمين احتياجات الأسرة، أو اتجاه الأبناء نحو التسول أو الاتجار بالمخدرات وغيرها من الوسائل غير المشروعة، كما أن الفساد الحكومي غالباً ما يكون أصحابه من الداعمين للأعمال المشبوهة وغير الشرعية تحت بطانة استغلال المنصب والسلطة، كحماية تجار السلاح والمخدرات، هذا إن لم يكونوا شركاء لهم.
الفقرة الثانية عشرة: التطور التكنولوجي
يعتبر التطور التكنولوجي أحد أهم الأسباب الحديثة في القرن الواحد والعشرينوالذي يعمل كسلاح ذو حدين، وللأسف الحد السلبي له أكثر انتشاراً وتأثيراً، لا سيما بين أواسط الشباب منهم، حيث بات الشباب يقضون أغلب أوقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تفتقد للرقابة سواء من الأجهزة الحكومية في الدولة أو الرقابة الأسرية، فسوء استخدام هذه المواقع سهل على أفراد عصابات الاتجار بالبشر جذب أكبر عدد ممكن من الشباب من كلا الجنسين وإغرائهم عن طريق تلبية رغباتهم الجنسية والحصول على عوائد مادية بطرق غير شرعية باعتقادهم أنها سهلة، ولكن في حقيقة الأمر يدفعون أرواحهم وأعراضهم ثمناً لها.
المبحث الثاني: مفهوم الاتجار بالبشر في التشريع الدولي والعربي
تعددت الاتجاهات التشريعية الدولية والوطنية بشأن تعريف الاتجار بالبشر، وبالرغم من اختلاف الصياغة إلا أنها متفقة من حيث المضمون، ومن هذه التشريعات التي عرفتها سواء كانت مواثيق دولية أو إقليمية أو منظمات دولية أو تشريعات وطنية، حيث سنوضح بعض من هذه التشريعات لمفهوم الاتجار بالبشر في هذا المبحث من خلال مطلبين يخصص أولهما لمفهوم الاتجار بالبشر في القانون الدولي، في حين عالج المطلب الثاني مفهوم الاتجار بالبشر في التشريعات العربية.
المطلب الأول: مفهوم الاتجار بالبشر في القانون الدولي
عرف بروتوكول الأمم المتحدة لمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال، المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لعام 2000م في نص المادة رقم (3/1 )، على أن الاتجار بالبشر: هو تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقليهم أو إيوائهم واستقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استعمال السلطة أو إساءة استغلال ضعف أوضاعهم، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال، ويشمل الاستغلال كحد أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسراً، أو الاستعباد أو الممارسات الشبيهة بالاستعباد، أو الخدمة القسرية أو نزع الأعضاء[26].
ومن خلال استقراء نص المادة لتعريف الاتجار بالبشر وتحليل مضمون النص نجد أنه يتكون من ثلاث عناصر وهي الفعل و الوسائل و أشكال الاتجار ونبين في ذلك على النحو الآتي:
الفعل: وهي الوسائل المستخدمة لارتكاب تلك الأفعال والأغراض والأهداف والمتمثلة في أشكال الاستغلال المختلفة، ويتمثل في أفعال تجنيد الأشخاص أو نقلهم أو تنقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم.
الوسائل: حيث تتمثل بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استعمال السلطة أو إساءة استغلال ضعف أوضاعهم، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال.
أشكال الاتجار: فهو لغرض الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسراً، أو الاستعباد أو الممارسات الشبيهة بالاستعباد، أو الخدمة القسرية أو نزع الأعضاء.
كما ويلاحظ على البروتوكول أنه لم يوضح مفهوم الاستغلال واكتفى في وضع تعداد وأشكال على سبيل المثال، ولم يعرف أيضاً الاستغلال الجنسي كغيره من المواثيق والصكوك الدولية التي عرفت الاستغلال الجنسي، وأن تعداد أشكال الاتجار في نص المادة هذا لا يعني أنه ليس معنى الاتجار بالأشخاص هو الحصول على الخدمات الجنسية فقط وإنما يتعدى ذلك ليشمل استغلال الضحايا في العمليات الجنسية واستغلالهم في كافة الأعمال التي من شأنها تقييد حرية الأشخاص وبخاصة النساء والأطفال[27].
نرى أن مفهوم الاستغلال الجنسي كان يجب أن يتضمنه البروتوكول وذلك لما له من أهمية وخطورة تنطويان على مخاطر عديدة سواء أكانت على الصحة العقلية أو النمو الاجتماعي، والذي يعد سبباً من أسباب انتشار فيروس نقص المناعة (الإيدز) كما أن البروتوكول اقتصر على أشكال محددة كما ذكرنا سابقاً وهنا ننوه أنه كان لا بد من إدراج الجرائم المستحدثة لجريمة الاتجار بالبشر في حال توافرت عناصر الجريمة كالتجارب الطبية والبيولوجية والأبحاث على المدنيين كحقن البشر بالكوليرا والتيفوئيد والطاعون والزواج المبكر أو الزواج بالإكراه أو إجبار الأشخاص على التسول أو الدعاية الإباحية أو الأفلام الجنسية أو العمل المنزلي الإجباري وغيرها.
كما عرفت اتفاقية مجلس أوروبا بشأن مكافحة الاتجار بالبشر لعام 2005م الاتجار بالبشر في المادة رقم(4 ) بأنه” تجنيد أو نقل أو تحويل أو إيواء أو استقبال أشخاص عن طريق التهديد باللجوء إلى استخدام القوة أو استخدامها فعلاً أو غير ذلك من أشكال الإكراه، أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استخدام السلطة أو استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال ويشمل الاستغلال كحد أدنى استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسراً أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستبعاد أو نزع الأعضاء[28].
نلاحظ أن التعريف سالف الذكر جاء مطابقاً مع التعريف الوارد في بروتوكول الاتجار بالأشخاص بالرغم من أنه احتوى على إدراج صياغة في بعض الألفاظ إلا أنه من حيث المضمون لم يطرأ عليه أي تغيير، وبالتالي لم يطرأ أي تعديل في اتفاقية مجلس أوروبا بشأن مكافحة الاتجار بالبشر في معالجة قصور برتوكول الاتجار بالأشخاص عام 2000م.
كما عرفت الاتفاقية العربية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لعام 2010م الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال في المادة رقم( 11 ) بأنه” أي تهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استعمال السلطة أو استغلال حالة الضعف وذلك من اجل استخدام أو نقل أو إيواء أو استقبال أشخاص لغرض استغلالهم بشكل غير مشروع في ممارسة الدعارة (البغاء) أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسراً أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد، ولا يعتد برضاء الشخص ضحية الاتجار في كافة صور الاستغلال متى استخدمت فيها الوسائل المبينة في هذه الفقرة”[29].
يتبين من خلال التعريف أعلاه أنه يتطابق مع النصوص السابقة فيما يتعلق بالوسائل المستعملة، حيث أنه نص على بعض الأفعال التي نص عليها البروتوكول وهي النقل والإيواء والاستقبال، إلا أنه يختلف من حيث غرض الاستغلال، فالغرض في البرتوكول واتفاقية مجلس أوروبا لمكافحة الاتجار بالبشر ورد على سبيل المثال لا الحصر، في حين نجد أن الاتفاقية العربية لمكافحة الجريمة المنظمة نصت على صور الاستغلال على سبيل الحصر، كما أنها لا تعد نزع الأعضاء البشرية من ضمن صور الاستغلال بل اعتبرتها جريمة قائمة بذاتها[30].
أما منظمة العفو الدولية فقد عرفت جريمة الاتجار بالبشر بأنها:” انتهاك حقوق الإنسان بما فيها الحق في السلامة الجسدية والعقلية والحياة والحرية وأمن الشخص والكرامة والتحرر من العبودية وحرية التنقل والصحة والخصوصية والسكن والأمن”[31].
ويتضح من خلال هذا التعريف أنه جاء وفقاً لاهتمامات المنظمة لحقوق الإنسان، إذ أنه لم يأخذ بعين الاعتبار بتحديد الأفعال والوسائل وأشكال الاتجار بالبشر، كما أنه لم يحدد طبيعة وماهية الاتجار بالبشر. كما عرفته منظمة الأمن والتعاون الأوروبي على أنه” جميع الأعمال المدرجة في التوظيف والاختطاف والنقل وإيواء أو استقبال أشخاص، عن طريق التهديد أو استخدام القوة أو الخداع أو القسر لأغراض الاستغلال أو يجبرون على العمل لدائن في مجتمع آخر غير الذي عاش فيه الشخص من قبل”[32].
حيث يتضح من خلال تعريف المنظمة اشتماله على الأفعال والوسائل والأشكال التي يتم من خلالها الاتجار بالبشر. لبحث الموضوع[21].
الفقرة الأولى: التشريع المصري
عرَّف المشرع المصري في القانون رقم(64 ) بشأن مكافحة الاتجار بالبشر لعام 2010م، الاتجار بالبشر في نص المادة رقم(2 ) بأنه” يعد مرتكباً لجريمة الاتجار بالبشر كل من يتعامل بأية صورة في شخص طبيعي بما في ذلك البيع أو العرض أو الشراء أو الوعد بهما أو الاستخدام أو النقل أو التسليم أو الإيواء أو الاستقبال أو التسليم سواء في داخل البلاد أو عبر حدودها الوطنية إذا تم ذلك بواسطة استعمال القوة أو العنف أو التهديد بهما، أو بواسطة الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو استغلال السلطة أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة، أو الوعد بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا مقابل الحصول على موافقة شخص على الاتجار بشخص آخر له سيطرة عليه- وذلك كله- إذا كان التعامل بقصد الاستغلال أياً كانت صوره بما في ذلك الاستغلال في أعمال الدعارة وسائر أشكال الاستغلال الجنسي، واستغلال الأطفال في ذلك وفي المواد الإباحية أو السخرة أو الخدمة قسراً، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد، أو التسول أو استئصال الأعضاء البشرية أو الأنسجة البشرية أو جزء منها”[33].
نرى أن التشريع المصري يعد من أوائل التشريعات العربية السباقة التي تصدت لمواجهة ظاهرة الاتجار بالبشر، والذي يعتبر نموذجاً رائداً في التشريعات الوطنية لمنع جرائم الاتجار بالبشر، حيث قام المشرع المصري بإعداد قانون خاص بمكافحة جرائم الاتجار بالبشر، و من خلاله وضع تعريفاً واضحاً للإتجار بالبشر.
كما نرى أن المشرع المصري أحسن في صياغة النص ودلالة الألفاظ وذلك رغبة منه في أن يتواكب قانونه الوطني لمكافحة الاتجار بالبشر مع كافة المستجدات والتطورات الحديثة والمتصلة بهذه الجريمة، كما يتضح من خلال النص أن المشرع المصري قد سار على نهج بروتوكول “باليرمو” حيث توسع في مدلول الاتجار بالبشر ليشمل صوراً أخرى للإتجار والمتمثلة في أفعال البيع والعرض للبيع والشراء والوعد بهما ونحن نؤيده في ذلك على أن يكون نموذجاً يحتذى به في التشريعات الوطنية الأخرى أن عملية الإتجار في البشر هي نقل أو إيواء أو توظيف شخص عن طريق الخطف أو التهديد أو الإكراه أو الخداع أو الاحتيال بهدف استغلاله في نشاط غير قانوني كالعمل القسري "العبودية" أو الدعارة أو تجاره الأعضاء البشرية، أو التسول.
س/ ماذا عن الأسباب التي تساعد في تنامى تلك الظاهرة؟
ج/ هناك عدة أسباب تساعد على تنامى تلك الظاهرة وهي أسباب متفق عليها محليا ودوليا كالتالي:
1-انتشار الفقر والبطالة وتدهور الوضع الاقتصادي.
2-عدم مقدره الدولة على حماية حدودها.
3-تنامي الطلب العالمي على العمالة غير القانونية الرخيصة.
4-الحروب والنزاعات المسلحة والصراع السياسي.
5-الفساد وعدم الاستقرار السياسي.
6-ضعف الوازع الأخلاقي والديني وانتشار الجريمة في المجتمع.
7-عدم وجود قوانين رادعه.
8-ازدياد معدلات اللجوء والهجرة الداخلية والخارجية الهجرة.
9-التغير في انظمة الدولة الاقتصادية مما يؤدى إلى إضعاف دور القطاع العام خاصة ومؤسسات الدولة عامه، وفتح الحدود أمام المؤثرات الدولية دون تمييز بين المؤثرات الايجابية "كالاستثمارات في المجالات المنتجة “والسلبية" كشبكات الجريمة المنظمة العابرة للحدود ".