في ليلة حزينة على الساحة الفنية التونسية، توفي مساء الأحد 13 أكتوبر 2024، محمد المورالي، أحد أعمدة الكوميديا والمونولوج في تونس، عن عمر يناهز 92 عامًا. برحيله، تطوي تونس صفحة من صفحات فنها الذي امتد لعدة عقود وترك بصمة لا تُمحى في المسرح والتلفزيون والموسيقى الفكاهية.
مقالات ذات صلة:
شوقي الماجري: مخرج الإبداع السينمائي والتلفزي الذي غيّبته الأقدار
وفاة غامضة تهز أثينا: نجم المنتخب اليوناني جورج بالدوك يُعثر عليه في مسبح منزله
ماجدة الرومي تؤجل حفلاتها تضامنًا مع الشعب اللبناني
بداية متواضعة ومسيرة فنية باهرة
وُلد محمد المورالي في 3 أكتوبر 1932 في حي الحلفاوين الشعبي بتونس العاصمة، حيث تلقى تعليمه الابتدائي. لم يكن النقش على النحاس، الذي درسه في مدرسة الصنائع، شغفه الحقيقي، إذ سرعان ما اكتشف ولعه بالفن. في سن مبكرة، التحق بجمعية "الرعد التمثيلي" في تونس عام 1950، لينطلق في رحلة فنية تميّزت بالإبداع والشجاعة.
بعد سنوات من العمل في تونس، سافر المورالي إلى الجزائر وليبيا، حيث عمل مع فرق مسرحية محلية، مضيفًا أبعادًا جديدة لتجربته المسرحية. وفي 1959، عاد إلى تونس وانضم إلى فرقة بلدية تونس للتمثيل بإدارة عبد العزيز العڨربي، حيث قدّم أعمالاً مسرحية بارزة مثل "الماريشال" التي جمعت بين السخرية العميقة والأداء المتميز.
مونولوجست بارع وأغاني نقدية خالدة
اشتهر محمد المورالي بشكل خاص في مجال الغناء الفكاهي، إذ كان واحدًا من أبرز المونولوجيست في تونس بجانب أسماء مثل الهادي السملالي ومحمد الجرّاري. في رصيده مجموعة من الأغاني التي تُعد مرآة نقدية لاذعة للمجتمع، من بينها "الدجال"، "يا جماعة عندي طزينة"، و"دايا من همّ الصبيان". ولكن تبقى أغنيته الشهيرة "اقرأ واحفظ" واحدة من أبرز أعماله التي حققت له شهرة واسعة، حيث عبّرت عن موقفه النقدي بشكل مباشر وساخر في آن واحد.
إسهامات بارزة في التلفزيون والسينما
لم يقتصر إبداع المورالي على المسرح والغناء، بل دخل عالم التلفزيون في فترة هامة من تاريخ الإعلام التونسي. كان أحد أوائل الفنانين الذين قدموا عملاً تلفزيًا كوميديًا بعنوان "البخت" في افتتاح التلفزة التونسية، ما عزز حضوره لدى جمهور واسع. وشارك لاحقًا في أعمال تلفزية مثل "عشقة وحكايات" (1998) وفيلم "باب الفلة" (2011)، ليضيف لمسة من الروح الخفيفة والناقدة إلى الشاشة التونسية.
إرث خالد في ذاكرة الفن التونسي
برحيل محمد المورالي، تفقد تونس واحدًا من رموزها الفنية الأكثر تأثيرًا. لم يكن المورالي مجرد ممثل أو مغني كوميدي، بل كان صاحب رسالة فنية تتجاوز الابتسامة إلى نقد الأوضاع الاجتماعية والسياسية بطريقة ساخرة وذكية. كان قادرًا على أن يعكس هموم المجتمع التونسي بطرق بسيطة لكنها عميقة، ليحفر اسمه في ذاكرة الفن التونسي بأعمال لا تنسى.
أعماله ستظل حية في وجدان كل من عرفه أو سمع بأغانيه التي طالما تميزت بحس الفكاهة والنقد البناء. محمد المورالي كان وسيبقى رمزًا للبساطة والإبداع، وفنانًا جسّد التزامه بقضايا الناس عبر فنه.