في مثل هذا اليوم، 22 أكتوبر 2015، رحل عن عالمنا الفنان المسرحي يحي يحي، تاركًا وراءه فراغًا لا يُملأ في عالم المسرح التونسي والعربي. عن عمر ناهز 57 عامًا، انطفأ نجمٌ من نجوم الفنّ الذي لم يكن مجرد ممثل أو مخرج، بل كان مدرسة متكاملة من الإبداع والمغامرة التي لا تعرف حدودًا.
مقالات ذات صلة:
نعمة: أسطورة تونسية خالدة بين اللحن والصوت.. قصة فنانة أشعلت المسرح وصنعت التاريخ
مسرحية (مـ)جرد موظف تشعل المسرح البلدي بصفاقس: إبداع فني يلامس الجنون!
تدريس مادة المسرح في المدارس الإعدادية في تونس: ضرورة تربوية أم ترفيه عابر؟
وُلد يحي في 9 أبريل 1957 بتونس العاصمة، حيث كانت بداياته التعليمية تقليدية إلى أن شد الرحال إلى الجزائر للحصول على شهادة البكالوريا. ولكن طموحه تعدى حدود التعليم الكلاسيكي، فسافر إلى بغداد حيث درس المسرح في كلية الفنون الجميلة، معلنًا عن بداية مسيرة فنية ثرية.
سنة 1983 كانت نقطة تحوّل، حين أسس رفقة شريكته الفنية هند بالحاج علي مسرح "الحلقة"، وكان ذلك الإعلان عن ولادة رؤية مسرحية جديدة. أعماله لم تكن مسرحيات عادية، بل تحدّت المألوف وغاصت في قضايا إنسانية وسياسية عميقة. من بين أشهر مسرحياته "فاوست" و"موسم الهجرة إلى الشمال" و"باب العرش". كان يحي يؤمن بأن المسرح ليس فقط مرآة للمجتمع بل أداة للتغيير والتأثير، فكان يدفع دائمًا بالجمهور إلى التفكير والنقد.
أهم إنجازاته كانت في 2005 حين أطلق تجربة "لقاء في العتمة"، تجربة مسرحية مخصصة للمكفوفين ضمن نشاط الاتحاد الوطني للمكفوفين. أثبت يحي أن المسرح يمكن أن يكون بوابة لإيصال الصوت حتى لمن حرموا من نعمة البصر، وكان في منصبه كرئيس قسم الثقافة والانتاج يلهم الجميع بالإصرار على تحقيق العدالة الفنية للجميع.
لم يكتفِ يحي بالوقوف على خشبة المسرح، بل كان أحد رواد تنظيم المهرجانات المسرحية، وكان له دور بارز في مهرجان قربة الوطني لمسرح الهواة، كما شارك في تأسيس الاتحاد المغاربي لمسرح الهواة، مؤكداً على أهمية التعاون الثقافي بين الدول المغاربية. أعماله جمعت بين الإبداع والتجريب، وخلدت اسمه كواحد من أبرز مؤسسي الفن المسرحي المغاربي.
ورغم رحيله، تبقى إبداعاته شاهدة على مسيرة فنية لا تُنسى. يحي يحي، الرجل الذي صنع من الخشبة أفقًا للتحرر، سيظل خالدًا في ذاكرة المسرح التونسي والعربي، ملهمًا للأجيال القادمة في طريق البحث عن التميز والإبداع.