في 23 أكتوبر 1991، طوت تونس صفحة مشرقة من تاريخها الإذاعي برحيل الإعلامية نجاة الغرياني، التي غادرت الحياة عن عمر ناهز الأربعين بعد معركة طويلة مع المرض. رغم مسيرتها التي لم تمتد لأكثر من عشر سنوات في إذاعة المنستير، إلا أن تأثيرها كان كبيرًا وساحرًا، جعلها تحتل مكانة خاصة في قلوب مستمعيها.
مقالات ذات صلة:
ذكرى رحيل يحي يحي: المسرحي الذي أضاء ظلام الخشبة
نعمة: أسطورة تونسية خالدة بين اللحن والصوت.. قصة فنانة أشعلت المسرح وصنعت التاريخ
وداعاً يا جميل الدخلاوي: صوتك المميز سيظل خالداً في قلوبنا
ولدت نجاة الغرياني في 5 أفريل 1951، ونشأت في كنف عائلة تؤمن بأهمية العلم والثقافة. التحقت بإذاعة المنستير عام 1981، حيث كانت الإذاعة في حاجة إلى أصوات جديدة ودماء متدفقة تساهم في إثراء محتواها. لم تلبث نجاة أن أصبحت واحدة من أبرز المنشطين، بفضل شغفها للعمل الإذاعي وحرصها على تقديم برامج ترتقي بالذوق العام وتُثري المستمعين بمعلومات دقيقة وهادفة.
برامج مميزة ومتنوعة:
نجاة الغرياني تركت بصمتها من خلال برامجها المتنوعة التي جمعت بين الثقافة والترفيه. في برنامج "لغة الضاد"، قدمت مادة لغوية غنية بالتعاون مع زوجها الأستاذ صالح الغرياني، مما ساعد في تعزيز الثقافة العربية لدى الجمهور. أما برنامج "شعوب وتقاليد"، فقد كان نافذة تطل منها على تقاليد الشعوب المختلفة، جالبًا معه روح الفضول والتعلم.
كما برعت نجاة في تقديم البرامج المباشرة مثل "قوس قزح"، "بشائر الصباح"، و"فجر حتى مطلع الفجر"، حيث كانت تجمع بين الاحترافية والإحساس الصادق، وهو ما جعلها قريبة من المستمعين الذين أحبوا صوتها الرقيق وطريقتها في تناول المواضيع ببساطة وعمق في آنٍ معًا.
مسيرة قصيرة بأثر طويل:
رغم أن رحلتها المهنية كانت قصيرة، إلا أن بصمتها في إذاعة المنستير كانت قوية، حيث صنعت مدرسة في تقديم المحتوى الإذاعي الذي يمزج بين الجدية والإبداع. تميزت الغرياني بحرصها على تقديم برامج تخدم الجمهور وتعزز من الوعي الثقافي والاجتماعي.
نهاية مؤلمة:
في أكتوبر 1990، بدأ مرضها يأخذ مجراه، مما أجبرها على الابتعاد عن الميكروفون. شعرت بآلام حادة في ظهرها، وفي تلك الليلة تركت مقر إذاعة المنستير لتبدأ رحلة علاج طويلة، لكنها لم تتمكن من التغلب على المرض. ورغم كل الجهود الطبية التي خضعت لها سواء في تونس أو خارجها، كانت النهاية الحزينة في 23 أكتوبر 1991.
أثر دائم:
على الرغم من رحيلها المبكر، لا يزال صوت نجاة الغرياني محفورًا في ذاكرة من استمعوا إليها. لقد كانت مثالاً للمرأة العاملة الملتزمة، وصوتًا مميزًا جعلها تحتل مكانة مرموقة في عالم الإذاعة. تركت وراءها إرثًا إعلاميًا يعكس تفانيها في عملها وحبها للإذاعة وللجمهور. رحلت نجاة، لكن أثرها ما زال حيًا يضيء مسيرة الإعلام التونسي.