رسالة ضمنية من أمين عام حزب الله بأنه لن يقبل أي دور مستقبلي لقيادة الجيش.
بيروت- وصفت أوساط سياسية لبنانية ما جاء في خطاب حسن نصرالله أمين عام حزب الله بأنه تحذير موجّه لجميع اللبنانيين من خصوم وحلفاء، وأن الحزب قادر على سحق الجميع وإخضاعهم لسيطرته من خلال الكشف عن امتلاكه مئة ألف مقاتل مع جهازهم وعتادهم.
وقالت هذه الأوساط إن الرسالة في ظاهرها موجهة إلى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، لكنها في الأصل موجهة إلى الجميع، وفيها تحذير لمن يفكرون بتقوية الجيش اللبناني ودعمه من أجل أن يكون الجهة الوحيدة التي من حقها أن تمتلك السلاح في لبنان.
واستعرض نصرالله الاثنين قوة حزب الله مؤكدا أن الجماعة لديها 100 ألف مقاتل، لكنه أشار إلى أنهم مجندون للدفاع عن لبنان من أعداء الخارج وليس للقتال في حرب أهلية. وقال مخاطبا جعجع “مع مين بدك تعمل حرب أهلية، مع مين بدك تعمل اقتتال داخلي، مئة ألف مع جهازهم وعتادهم”. واتهم نصرالله زعيم حزب القوات اللبنانية بأن له ميليشيا.
وأشارت المصادر السابقة إلى أن حزب الله كان يراقب بقلق التصريحات الأميركية والفرنسية والسعودية التي تتحدث عن دعم الجيش اللبناني من أجل لعب دور مهم في حفظ الأمن، معتبرا أن الهدف من وراء ذلك هو تحضير المؤسسة العسكرية في مرحلة لاحقة من أجل مواجهة الحزب ومحاولة السيطرة على سلاحه.
وأكدت أن حديث نصرالله عن امتلاكه مئة ألف مقاتل جاهزين للقتال كان الهدف منه المقارنة مع الجيش اللبناني الذي يمتلك عديدا وإمكانيات أقل، كما أن جهوزيته محدودة إذا قورنت بقدرات مقاتلي حزب الله وخبراتهم في الحروب خاصة بعد مشاركتهم في المعارك بسوريا وخوضهم حرب العصابات والتدرب على مختلف الأسلحة التي يمتلكها الحزب والتي يحصل عليها من إيران.
وفيما يمتلك حزب الله كل الإمكانيات للسيطرة على البلاد، فإن الجيش اللبناني بلغ درجة من الصعوبة تجعله عاجزا عن إطعام جنوده وتوفير الرواتب وتقديم الخدمات الضرورية لهم ولعوائلهم، وهو ما سبق أن أشار إليه قائد الجيش العماد جوزيف عون حين أكد أن الجنود “يعانون وجوعى”.
وقال قائد الجيش إن الضباط العسكريين جزء من المجتمع اللبناني وهم “يعانون ويجوعون مثل الشعب”، متوجها إلى السياسيين بسؤال “إلى أين نحن ذاهبون، ماذا تنوون أن تفعلوا، لقد حذرنا أكثر من مرة من خطورة الوضع وإمكان انفجاره”.
وأثارت هذه التصريحات مخاوف لدى حزب الله الذي بدأ يعتقد أن جوزيف عون يريد أن يلعب دورا داخليا منافسا للحزب، مدعوما بإغراءات خارجية، بالرغم من أن قائد الجيش لم يظهر أيّ رغبة في خوض المعترك السياسي.
ويريد حزب الله أن يمسك بقبضته المؤسسات الحيوية في لبنان بدءًا بالمؤسسة العسكرية ثم الأمنية، وصولا إلى القضاء، لكن الأمور لا تسير في الاتجاه الذي يريده، خاصة بعد تمسك القاضي طارق بيطار المكلف بالتحقيق في تفجير مرفأ بيروت بالعمل باستقلالية تامة عن توجيهات الحزب، وقاد التحقيق إلى توجيه اتهامات لحلفاء مباشرين لحزب الله.
وجدد نصرالله اعتراضه على التحقيق في الانفجار الذي قال إنه غير موضوعي، مضيفا أن الطريقة التي يُدار بها لن تؤدي إلى الحقيقة أو العدالة.
ويقول مراقبون لبنانيون إن خطاب حسن نصرالله الاستعراضي يظهر تخوفا من أن تكبر داخل لبنان دائرة القلق من توسع نفوذ حزب الله ليهدد أمن مناطق محسوبة على حلفائه خاصة من المسيحيين، مشيرين إلى أن تحالف حزب الله وحركة أمل والشعارات التي رفعت في المسيرة المشتركة لأنصارهما الخميس الماضي أعادا شحن الاحتقان الطائفي، وأن هذه الرسالة السلبية وصلت إلى المسيحيين بالدرجة الأولى، وإلى حلفائه داخل الطائفة، ما حدا بأمين عام حزب الله لتأكيد أن حزبه لا يعادي المسيحيين.
وقال نصرالله إن حزب الله ليس عدوا لمسيحيي لبنان، وتابع قائلا “أكبر تهديد لأمن المجتمع المسيحي هو حزب القوات اللبنانية ورئيسه”.
وقُتل سبعة من الشيعة الخميس الماضي في أعمال عنف في بيروت بينما كانت حشود في طريقها لاحتجاجات دعا إليها الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل. وأعادت إراقة الدماء للأذهان ذكريات الحرب الأهلية التي دارت رحاها في البلاد بين عامي 1975 و1990.
وندد حزب القوات اللبنانية بأحداث الخميس وألقى بالمسؤولية عن العنف على “تحريض” حزب الله ضد القاضي طارق بيطار، المحقق الرئيسي في التحقيق في انفجار مرفأ بيروت العام الماضي.
وقال نصرالله إن بعضهم ربما رددوا شعارات استفزازية مع اقترابهم من المنطقة المسيحية وإن ذلك كان خطأ، لكن بعد ذلك بدأ إطلاق النار وقُتل أشخاص.
وأضاف “أنا أنصح حزب القوات ورئيسه بالتخلي نهائيا عن فكرة الاقتتال الداخلي والحرب الأهلية.. أنا أقول لك أنت عم تحسب غلط… لم يكن حزب الله في المنطقة أقوى مما هو عليه الآن”.
وعلى الرغم من موقفه المتشدد فقد خصص نصرالله جزءا مهما من خطابه في محاولة لطمأنة المسيحيين اللبنانيين، وقال إن حزب الله يحمي حقوقهم ومتحالف مع أكبر حزب مسيحي هو التيار الوطني الحر.
وفي وقت سابق قالت حركة أمل الشيعية اللبنانية إن أحداث العنف التي وقعت في بيروت الأسبوع الماضي تهدف إلى إحياء الفتنة الداخلية وتهديد السلم الأهلي. ويتزعم رئيس البرلمان نبيه بري حركة أمل، وهو من أكثر الشخصيات السياسية نفوذا في البلاد. وحثت الحركة السلطات على اعتقال المسؤولين عن أعمال العنف.
ولم يحرز التحقيق في انفجار المرفأ، الذي أدى في الرابع من أغسطس من العام 2020 إلى مقتل أكثر من 200 شخص وتسبب في دمار واسع في بيروت، تقدما يذكر وسط معارضة من فصائل سياسية من بينها حزب الله.