من الممارسات التجارية غير القانونية التي تشهدها تونس منذ عدّة سنوات والتي تنامت بشهادة الخبراء بصورة ملحوظة بعد 14 جانفي 2011، بسبب ضعف الدولة وأجهزتها الرقابية، التهريب والمضاربات والتجارة الموازية وغيرها. لكن يبقى الاحتكار الذي تمارسه شبكات مافيوزية أحكمت سيطرتها على مسالك توزيع العديد من المواد من أخطر الظواهر التي تضرّ بمصالح الاقتصاد الوطني وتهدّد مباشرة الطاقة الشرائية للمواطن، في خرق صارخ للقانون المنظّم للمنافسة وللأسعار.
في هذا الملفّ نسلّط الضوء في البداية على أهداف هذا القانون الذي شهد عدّة تعديلات منذ 1991 ونعرّف بالاحتكار ونبيّن أنواعه وأشكاله ، مع استعراض القطاعات الكبرى التي يمسّها . كما نكشف عن مواقع الاحتكار وطرق تنظّم شبكاته وأسلوب تحرّكها بدءا بتكوين أسعار المواد إلى ترويجها ونتناول آثاره المدمّرة على الاقتصاد الوطني وعلى المستهلك ونوضّح مدى نجاعة مصالح المراقبة الاقتصادية في التصدّى للاحتكار والممارسات الاحتكارية. ونتطرّق في هذا الإطار إلى الدور الذي يضطلع به مجلس المنافسة المختصّ بالنظر في المخالفات المتّصلة بالممارسات المخلّة بالمنافسة مع عرض قضيّتين أقرّ فيهما بوجود احتكار.
يشير السيد خليفة التونكتي وهو خبير اقتصادي له تجربة إداريّة وميدانية واسعة في مجال التجارة الداخلية وسياسة الأسعار إلى أنّ تونس تعتمد الاقتصاد الحرّ لكنّ هذه الحريّة مؤطّرة من طرف الدولة، ذلك أنّه في ثمانينات القرن الماضي وبعد أزمة البترول حدثت الأزمة الاقتصادية العالمية الكبرى وكان الحلّ الذي ارتآه الخبراء آنذاك هو مزيد تحرير الاقتصاد والحدّ من تدخّل الدولة في أغلب دول العالم والتّوجه نحو نظام العولمة، لكنّهم اكتشفوا فيما بعد أنّ هذا التمشّي يؤدّي في المطلق إلى زيادة في الاحتكار في الأسواق من طرف الشركات الكبرى ومتعددة الجنسيات. وللحدّ من هذه الظاهرة برز تمشّ عالمي يدعو إلى تنظيم الاقتصاد من خلال وضع تشاريع تضمن المنافسة في السوق وذلك بالتوازي مع بعث المنظمة العالمية للتجارة سنة 1995 بهدف وضع قواعد التجارة العالمية بين الدول ومراقبة احترامها.