بعض السياسيين الرومانسيين أكثر مما ينبغي يطالبون بالعمل على أن يكون التعايش بين الذئب والإنسان والماشية بدون صراع قدر الإمكان.
لقد طفت أكثر من عشر مرات مسافرا في السيارة بطرقات ألمانيا ودخلت أسواقها ومعارضها، ولم أشعر بـ”المفارقة الألمانية” التي يتحدث عنها خبراء الاقتصاد، اقتصاد متراجع وسوق عمل قوية، بل أن هناك اقتصادا قويا، تلك حقيقة، تجعل من أعضاء البرلمان الألماني يهتمون بشكل جدّي بمصير الماشية من الذئاب المتطرفة. إنهم يتعاملون مع الذئاب كقضية اقتصادية، ولا يتحدثون عن “ذئب وول ستريت” الذي أدى فيه ليوناردو دي كابريو دور البطولة، مجسدا قصة حقيقية نسبيا حول كيف تلاعب رجل واحد في السوق، حين كان يباشر الاحتيال في مجال الأسهم.
الاطمئنان الاقتصادي الألماني أكثر استقرارا من المفاهيم السياسية المهتزة بين حين وآخر، ولأنني لست منظّرا اقتصاديا فيمكن لي تشبيه قوة السوق الألمانية بمنتخب كرة القدم الألماني لأنه قوة ضاربة، هل تتذكرون الهزيمة المذلة بسبعة أهداف في كأس العالم 2014 التي أذاقها الألمان للبرازيليين على أرضهم وبين جمهورهم وبحضور رئيسة بلادهم آنذاك ديلما روسيف التي اعتذرت من الجمهور عن “المأساة الوطنية” في كرة القدم.
ما يؤكد قوة السوق هو ما نشرته صحيفة فايننشال تايمز الأسبوع الماضي وهي ترصد تجمع الصباح الباكر المعتاد لمئات العمال على مقربة من حيث يجتمع محافظو البنوك المركزية في منطقة اليورو لتقرير السياسة النقدية، كمثال قوي على تناقض واقع السوق مع ما يقوله الخبراء. فالشهر الماضي أعلن مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني عن فائض مالي بنحو 45.3 مليار يورو، حققته ميزانيات الحكومة الاتحادية والولايات والمحليات والتأمينات الاجتماعية.
دعوني اقترح عليكم قصة تدافع عن فكرتي بشأن ما اسميه اقتصاد المواشي التي تهددها الذئاب في ألمانيا، فالبرلمانيون يناقشون هذه الأيام بجدية حماية قطعان الماشية في المناطق القريبة من أماكن تواجد الذئاب. أنه أمر يستحق الاهتمام مثل أي قضية سياسية تمس أمن البلاد. لذلك يشرعون قانون بشأن التعامل مع الذئاب في المناطق الحضرية.
قوانين الاتحاد الأوروبي تحظر قتل الذئاب ما لم يكن الناس في خطر أو عدم وجود “سبب مقنع”، ففي بريطانيا مثلا تتجول “الثعالب” في الطرقات مثل القطط، صحيح أنها أقل خطرا من الذئاب لكن القانون يحترمها أيضا.
إن مسألة كيفية التعامل مع الذئاب هي معركة بين المزارعين الذين يريدون حماية مواشيهم ضد البيئيين الذين يعطون الأولوية لحماية الأنواع المعرضة للخطر. لذلك سمحت المفوضية الأوروبية للدول بتعويض الفلاحين الذين خسروا ماشيتهم بسبب الذئاب وغيرها من الحيوانات المحمية.
بعض السياسيين الرومانسيين أكثر مما ينبغي يطالبون بالعمل على أن يكون التعايش بين الذئب والإنسان والماشية بدون صراع قدر الإمكان عبر إعداد كلاب مدربة تحمي الماشية. وذلك ما يهدد البلاد فألمانيا التي تغطي الغابات ثلث مساحة البلاد، قادرة على تغطية 90 في المئة من الاحتياجات الغذائية مع الإنتاج المحلي. ألا يجدر ببرلمانها أن يخصص جلسات لاقتصاد الذئاب!
كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن