مصر تلجأ إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار لاعطاء جرعة اوكسجين لاقتصادها المتردي
لجأت مصر الى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار لاعطاء جرعة اوكسجين لاقتصادها المتردي وتعزيز قدرتها على سداد التزاماتها الداخلية والخارجية، بحسب الخبراء.
واعلنت مصر والصندوق الخميس انهما توصلا لاتفاق مبدئي حول هذا القرض الذي ستحصل عليه القاهرة على 3 سنوات.
وفي بلد يعتمد على الاستيراد لتلبية نسبة كبيرة من حاجاته الاساسية بدءا بالقمح مرورا بمستلزمات الانتاج وانتهاء بعلف الدواجن، ادى نقص الموارد من العملات الاجنبية الى تداعيات متتالية اذ تباطأ استيراد المواد الخام ومستلزمات الانتاج وهو ما انعكس سلبا على قطاعات الصناعة والتجارة والتصدير وارتفع معدل التصخم السنوي في حزيران/يونيو الماضي الى 12،37%، وفق البيانات الرسمية.
وعرضت الحكومة المصرية على الصندوق برنامجا للاصلاح الاقتصادي يستهدف خفض عجز الموازنة العامة للدولة الذي يقترب من 13% من اجمالي الناتج الداخلي ويشمل اصلاح منظومة دعم الطاقة وزيادة ايرادات الدولة من خلال فرض ضريبة للقيمة المضافة وطرح شركات مملوكة للدولة للبيع في البورصة.
واعلن محافظ البنك المركزي طارق عامر ان البرنامج الذي عرض على الصندوق يتضمن "اتباع سياسة مرنة" بالنسبة لسعر صرف الجنيه المصري، في اشارة الى خفض محتمل جديد لقيمته بعد ان تم خفض سعره مقارنة بالدولار بنسبة 14،5% في منتصف اذار/مارس الماضي.
وقالت الحكومة ان الفجوة التمويلية خلال السنوات الثلاث المقبلة تبلغ 21 مليار دولار. واوضح وزير المالية انه اضافة الى قرض صندوق النقد الدولي سيتم تمويل هذه الفجوة من خلال طرح سندات دولار دولية والحصول على قروض من مؤسسات تمويل اقليمية.
ليس حلا حقيقيا
يؤكد الخبراء ان هذا القرض لا بد منه لدعم احتياطي مصر من العملات الاجنبية وتمويل جزء من عجز الموازنة العامة ولكنه ليس حلا حقيقيا لمشكلات الاقتصاد الرئيسية فضلا عن انه قد يضيف اعباء كبيرة على الفقراء وبعض شرائح الطبقة المتوسطة الذين يمثلون قرابة 70% من المصريين.
ويقول احمد كمالي استاذ الاقتصاد في الجامعة الاميركية بالقاهرة ان قرض الصندوق "حل على المدى القريب ولكنه ليس حلا في الامد الطويل فالوضع الاقتصادي سيء وعجز الموازنة العامة في منتهى الخطورة فنحن لدينا اكبر عجز حكومي في الاسواق الناشئة والقرض سيكون بمثابة جرعة اوكسجين او قرص اسبرين مسكن".
ويضيف "ليس هناك خطة اصلاح بالمعنى الحقيقي تتضمن اهدافا وادوات محددة موضوعة من قبل الحكومة وانما مجرد مجموعة اجراءات لثبيت الاقتصاد واستبدال ديون بديون اخرى".
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي صارح مواطنيه قبل بضعه اسابيع بأن "اجراءات قاسية" ستتخذ لاخراج اقتصاد بلادهم من تعثره من دون ان يفصح عنها.
وقال السيسي "كل القرارات الصعبة التي تردد كثيرون على مدى سنوات طويلة (في اتخاذها) والناس خافت ان تتخذها لن اتردد ثانية في اتخاذها".
ومطلع الشهر الجاري، اعلن البنك المركزي المصري، الذي فرض منذ اشهر عدة قيودا شديدة على تحويلات العملات الاجنبية داخل الجهاز المصرفي، ان احتياطي النقد الاجنبي لديه انخفض ب "نحو 2 مليار دولار" في نهاية تموز/يوليو ليهبط الى 15،54 مليار دولار مقابل 17،55 في نهاية حزيران/يونيو 2016.
وهو مبلغ يغطي واردات البلد العربي الاكبر من حيث عدد السكان (90 مليونا) لمدة ثلاثة اشهر ولكنه لا يكفي لسداد خدمات الدين الخارجي للبلاد خلال العام المالي المقبل.
واكدت دراسة لبنك برايم للاستثمار، احد اهم بنوك الاستثمار في مصر، نشرت الاثنين، ان "التراجع في احتياطي النقد الاجنبي سيدفع الحكومة نحو الاسراع في انهاء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على القرض خصوصا ان خدمة الدين الخارجي المطلوب سدادها حتى تموز/يوليو 2017 تبلغ 4،4 مليارات دولار".
واوضح البنك المركزي في بيان ان هذا الانخفاض "متوقع ومعتاد في ضوء ما يشهده شهرا كانون الثاني/يناير وتموز/يوليو سنويا من سداد التزامات المديونية الخارجية لمصر"، مؤكدا انه "تم سداد 1,02 مليار دولار هي اخر المبالغ المستحقة لدولة قطر وسداد الشريحة الاولى من وديعة ليبيا وقيمتها نحو 250 مليون دولار" اضافة الى "715 مليون دولار لسداد قسط مديونية مصر لدى نادي باريس".
تراجع موارد العملة الاجنبية
تعاني مصر من ضغوط على الدولار منذ اشهر عدة بسبب تراجع مواردها من العملة الاجنبية وخصوصا انخفاض تحويلات المصريين العاملين في الخارج بنسبة 14% في الاشهر التسعة الاولى من العام المالي الذي انتهى في حزيران/يونيو الماضي.
وقال وزير المالية عمرو الجارحي في مؤتمر صحافي الاسبوع الماضي ان عائدات السياحة تراجعت الى ما "بين 4 و4،5 مليارات دولار خلال العام المالي 2015/2016 في حين كانت تبلغ في سنوات سابقة اكثر من 12 مليار دولار".
وتراجعت عائدات السياحة منذ ثورة 2011 التي اسقطت حسني مبارك بسبب الاضطرابات الامنية والسياسية في البلاد، الا انها تلقت ضربة قاصمة بعد تحطم طائرة روسية في تشرين الاول/اكتوبر 2015 اثر اقلاعها من منتجع شرم الشيخ واعلان تنظيم الدولة الاسلامية مسؤوليته عن اسقاطها.
ويقول وزير المالية المصري السابق سمير رضوان الذي كان قبل ذلك مسؤولا رفيعا في منظمة العمل الدولية ان قرض صندوق النقد الدولي "ضروري ولن نستطيع ان نسدد خدمة الدين الخارجي اذا لم نحصل عليه".
لكنه يضيف "اذا كان القرض سيستخدم فقط لسداد مرتبات (العاملين في الدولة) فلن يكون مجديا" ويرى انه لا بد من "وضع جزء من هذه القروض في استثمارات تدر عائدا سريعا وهو ما يتطلب انشاء هيئة مستقلة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة على غرار ما فعلته ماليزيا اعتبارا من العام 1992 وادى الى نهوضها اقتصاديا".
وتحذر استاذة الاقتصاد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة شيرين الشواربي من ان ضريبة القيمة المضافة والاجراءات الاخرى المصاحبة لقرض الصندوق ستؤدي الى "مزيد من ارتفاع الاسعار ومن الاعباء على الفقراء".
وتعتقد انه "لا بد من اجراءات تحمل الاغنياء اكثر لان لدينا في مصر وفقا للبيانات الرسمية للجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء اكثر من 27% من السكان فقراء، اضافة الى 20% معرضين للسقوط في الفقر ونحو 20 % اخرين من الطبقة المتوسطة الدنيا التي تعيش في ظروف صعبة، اي ان نحو 70% سيعانون من زيادة التضخم المتوقعة ولكي يتحملوا لا بد من اقناعهم بان الاغنياء يدفعون اكثر".
بمساهمة: ا.ف.ب