تحول إلى استراتيجيات قتالية جديدة تستهدف القوات الأميركية.
برصيد أكثر من 900 هجوم في أقل من عامين، ثبتت حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة في الصومال وجودها في شرق أفريقيا إلى أجل غير مسمى. ورغم تشابك جهود القوى الدولية وكذلك الحكومات المحلية في الصومال وكينيا لإنهاء قرابة عقد من الإرهاب، إلا أن الوضع بقي على حاله، بل إن الحركة انتشرت مجددا بأكثر حدة في دول أفريقية كثيرة وغيرت استراتيجياتها التي باتت تستهدف مؤخرا القوات الأميركية.
مقديشو - تمكنت حركة الشباب المتطرفة في الصومال من استغلال العديد من العوامل لتنتشر مجددا على نطاق واسع، ليس فقط في الصومال بل في كينيا وكذلك في دول أخرى بشرق أفريقيا.
ونجحت هذه الحركة الموالية لتنظيم القاعدة في توظيف الأزمة السياسية الداخلية في الصومال لتقوية شوكتها ما يجعل أمر القضاء عليها صعبا في المستقبل القريب رغم تكثف الجهود الدولية للحد من نفوذها ومن ثمة القضاء عليها بشكل تامّ.
وبعد أن فرضت هذه الحركة المتطرفة نفسها كقوة متمردة في المعادلة السياسية بالصومال موظفة الصراعات الداخلية بين الحكومة المركزية وقادة الأقاليم المتواصلة، حوّلت الآن معركتها الرئيسية إلى استهداف القوات الأميركية لإدراكها تشتت سياسة واشنطن في الأعوام الأخيرة وتركيزها الذي يكاد يكون تاما على الحرب التجارية أو على ما يحصل في منطقة الشرق الأوسط وخاصة المواجهة مع إيران.
وكثفت الحركة الهجمات المستهدفة للقوات الأميركية، حيث نجح مسلحون يوم 5 يناير الماضي في اقتحام معسكر “سيمبا” في خليج ماندا قرب جزيرة لامو السياحية في كينيا ما أسفر عن مقتل جندي أميركي ومقاولين اثنين وتدمير عدد من الطائرات والمروحيات.
وفي الوقت الذي كان من المنتظر أن ينهي تضافر الجهود المحلية في الصومال وكينيا، بدعم من قوات دولية، الحركة المتطرفة حققت حركة الشباب نجاحات ميدانية عبر تنفيذها وفق آخر الإحصائيات قرابة 900 هجوم منذ مارس 2017 إلى حدود مطلع عام 2020.
تشتت الجهود
ومع تكثف حشد قواتها في شرق أفريقيا يتساءل الخبراء والمحللون عن الدواعي التي جعلت من الحركة تركز استراتيجياتها القتالية مؤخرا على استهداف القوات الأميركية.
تطرق تقرير صادر عن موقع “ستراتفور” الأميركي إلى هذه المسألة بتأكيده في تقرير صادر عنه أن هجوم حركة الشباب الصومالية المتشددة على القوات العسكرية الأميركية في كينيا ينذر بتركيز المجموعة المكثف على الأهداف الأميركية واحتمال تواصل انعدام الأمن في شرق أفريقيا.
ويقول الكاتب الأميركي توماس أبي حنا “رغم استمرار رغبة واشنطن في إضعاف الجماعات الجهادية، مثل تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية، وتدميرها إلا أن تركيزها المتزايد على المنافسة التي تخوضها ضد القوى الكبرى مثل الصين وروسيا يهدد بسحب القوات والموارد من هذه المعركة، مما يمنح هذه المجموعات فرصة جديدة لتطوير نفسها”.
وتم تنفيذ أول هجوم تبنته حركة الشباب على منشأة عسكرية أميركية في الصومال منذ بضعة أشهر، كما قُتل أميركيون في هجمات على أهداف كانت سهلة وغير محصّنة في كينيا.
وتميز خطاب حركة الشباب في الأشهر الأخيرة بتهديد العديد من الأطراف الخارجية، إلا أن استهداف القوات الأميركية يفتح نقاشا حول تحول هذه الجماعة المتطرفة إلى التركيز على مهاجمة المصالح الأميركية تزامنا مع تشتت تركيز واشنطن بعيدا عن أفريقيا، وهو أمر من شأنه أن يسهّل وقوع المزيد من هذه الهجمات.
وبحسب أبي حنا فإن تشتت انتباه الولايات المتحدة وتزايد عدم الاستقرار في المنطقة سيؤديان إلى جعل المصالح الأجنبية والحكومات المحلية في الصومال وكينيا أكثر عرضة للمسلحين.
وبدوره يقر مركز “صوفان” للأبحاث الأمنية والعسكرية بأن حركة الشباب حركة تجدد وجودها من جديد وتُظهر القدرة على شن هجمات دون أن تخضع لعقاب.
ويؤكد المركز في تقرير صادر عنه أن مقاتلي الحركة أثبتوا قدرتهم على نشر قوتهم خارج حدود الصومال وإلى كينيا، لكنه يتساءل عن مرد عدم معاقبة هذه الجماعة الجهادية التي ضاعفت نفوذها في شرق أفريقيا.
وبشأن الدوافع التي أجبرت حركة الشباب على استهداف القوات الأميركية، يؤكد موقع “ستراتفور” أن الضغط العسكري الأميركي المتزايد على الجماعة كان سببا رئيسيا في اهتمام حركة الشباب المكثف بضرب أهداف أميركية.
ووفق مؤسسة نيو أميركا، ارتفع عدد الغارات الجوية الأميركية في الصومال، والتي تستهدف حركة الشباب أكثر من غيرها، من 16 في عام 2016 إلى 38 في 2017 ، و43 في 2018 ، و64 في 2019.
وردّت حركة الشباب على هذه الهجمات بطرق تهدف إلى إجبار الولايات المتحدة ودفعها إلى سحب قواتها من المنطقة كما حدث في منطقة الساحل بعد الهجوم الذي شنه مسلحون منتمون إلى الدولة الإسلامية في النيجر في سبتمبر 2017 والذي أدى إلى تقليص وجود أميركا في غرب أفريقيا.
وتشمل الأسباب الأخرى التي ساهمت في إصرار الحركة على استهداف الأميركيين دعم الولايات المتحدة للحكومة الصومالية، وتوفيرها التدريب وغيره من أشكال الدعم العسكري لكينيا، علاوة على خطابات تنظيم القاعدة التي تصور الولايات المتحدة كعدو أساسي.
تسيطر حركة الشباب على مساحات شاسعة من الأراضي في جميع أنحاء المناطق الريفية من الصومال في المناطق الجنوبية والوسطى من البلاد. وتجمع الأموال عبر ابتزاز المدنيين ورجال الأعمال في المناطق التي تتمتع فيها بنفوذ. وتمتد مشاركة الحركة في الاقتصاد غير المشروع إلى فرض ضرائب على المنتجات الزراعية والأنشطة الإجرامية المتمركزة حول ميناء مقديشو.
وساهم النفوذ الداخلي الذي يمتد من الصومال إلى كينيا في توفير أرضية خصبة سمحت لحركة الشباب بالعمل على مهاجمة القوات الأميركية في كينيا. ويرجع الأمر إلى قدراتها التي تسمح لها بشن العمليات خارج قاعدتها الرئيسية في الصومال. حيث يتطلب النجاح في ضرب هدف عسكري محصن، وخاصة قاعدة للولايات المتحدة في كينيا، موارد وتنسيقا أكبر مما هو مطلوب للهجوم على هدف غير محصّن في كينيا أو على هدف عسكري في الصومال.
ونفذت الحركة سلسلة من الهجمات على أهداف أميركية بارزة في غضون 10 أيام. ومن بين هذه الهجمات، شنت هجومين آخرين في أماكن أخرى من كينيا. وكان الأول تفجيرا انتحاريا في 8 يناير بالقرب من البرلمان الصومالي والثاني في 28 ديسمبر في مقديشو أين أسفر عن مقتل أكثر من 80 شخصا. ويتوقع المحللون أن ترجع مسؤولية كل هجوم إلى خلية منفصلة وفقا لطريقة عمل حركة الشباب المعهودة.
وتستمد الحركة قوتها من انغماسها داخل الهيكل العشائري في الصومال، حيث نجحت في مواجهة الخسائر على مر السنوات بترميم قاعدة مقاتليها.
تضع حركة الشباب الصومالية في استراتيجياتها الآنية العديد من الأهداف التي تسعى لتحقيقها مستقبلا ومن أهمها طرد القوات الأجنبية من الصومال قصد إنشاء إمارة إسلامية في شرق أفريقيا.
الأهداف القادمة
ويؤكد الخبراء في الشؤون الأمنية والعسكرية أن الحركة قد تتمكن من تنمية قدراتها في الصومال وكينيا في المستقبل المنظور بسبب العوامل التي تمكّنها من مواصلة تحركاتها وبقاء القوات الخارجية في وضع لا يمكّنها من قمع هذه الحركة.
وتبث الأوضاع الحالية القلق في صفوف أعداء حركة الشباب، حيث فشل الضغط الذي واجهته المجموعة -من الولايات المتحدة وكينيا وبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أميسوم) وغيرها- في القضاء عليها نهائيا.
ويرجح أن تتراجع الجهود الدولية والمحلية التي بقيت غير كافية في المستقبل. وسيزيد تركيز المجموعة على الولايات المتحدة من حدة التهديد الذي تواجهه القوات العسكرية الأميركية والسياح والمسافرون والشركات في المنطقة.
ورغم أن خطر الحركة يعد أكثر حدة في الصومال وعلى طول الحدود الكينية الصومالية، إلا أن الجماعة شنت هجماتها على المدن الكينية الكبرى مثل نيروبي وغاريسا ولامو.
ويعتقد توماس أبي حنا أنه في مواجهة احتمال اندلاع صراع لا نهاية له في الصومال بسبب الهجمات المتواصلة، يمكن أن تقرر الحكومة الأميركية أن توجّه الوقت والجهد المبذولين في شرق أفريقيا إلى أمور أخرى.
ويستند في رؤيته هذه على أن واشنطن قد تحول تركيزها العسكري إلى منافستيها الكبريَيْن الصين وروسيا، مما سيضائل الموارد المخصصة لمهام مكافحة الإرهاب في شرق أفريقيا. ونظرا لتحرّك الولايات المتحدة نحو إعادة تخصيص مواردها لمكافحة الإرهاب، فقد تؤدي خطواتها المقبلة إلى تقليص جهودها في شرق أفريقيا لصالح العراق وسوريا أين تسعى الدولة الإسلامية إلى الوقوف من جديد، ولصالح أفغانستان وغيرها من مسارح القتال الأخرى.
وإن أقدمت واشنطن على هذه الخطوة فإنه من المرجح أن تنسحب بعثة الاتحاد الأفريقي ايضا بسرعة من الصومال بحلول عام 2021 مما يضاعف مخاطر الحركة المتطرفة ويجعل شرق القارة الأفريقية محاصرا بالارهاب.