في السنوات الأخيرة، أصبحت مراكز التجميل في تونس مشهدًا بارزًا في مختلف المدن. إلا أن هذا الانتشار السريع ألقى بظلاله على واقع قانوني واجتماعي مقلق، حيث يعمل العديد من هذه المراكز دون الحصول على التراخيص القانونية اللازمة، ما يجعلها في خانة الأنشطة غير المنظمة. ومع غياب الرقابة الصارمة، تحولت هذه المراكز إلى مساحات تستغل فيها حقوق العاملات بشكل مروّع.
مقالات ذات صلة:
50% من صالونات التجميل في تونس تعمل خارج القانون: تحذير من تداعيات خطيرة
تحذيرات جدية من مخاطر مستحضرات التجميل المجهولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي
رانية التومي في ضيافة طبيبة تجميل - ما السر؟
1. البعد القانوني: استغلال الثغرات وضعف الرقابة
رغم وضوح القوانين التونسية التي تنظم النشاط الاقتصادي وتُلزم جميع المؤسسات بالتصريح لدى المصالح المختصة، إلا أن عددًا كبيرًا من مراكز التجميل تعمل بشكل غير قانوني. هذه المراكز تتفادى دفع الضرائب والالتزام بالواجبات الجبائية تجاه الدولة. كما أنها لا تقوم بتسجيل العاملات لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مما يحرمهن من حقوقهن في الحماية الاجتماعية والتقاعد والتأمين الصحي.
الأمر لا يقتصر على التهرب الضريبي فقط، بل يتعداه إلى استغلال النفوذ وعلاقات شخصية في الإدارات الحكومية. تعمل صاحبات هذه المراكز على استمالة بعض الموظفين الفاسدين لتعطيل الشكاوى المرفوعة ضدهن، مما يجعل أي محاولة لفرض القانون مجرد إجراء شكلي.
2. البعد الاجتماعي: بيئة عمل هشّة واستغلال العاملات
تُعد العاملات في هذه المراكز الفئة الأكثر تضررًا. فبدلًا من توفير بيئة عمل تضمن لهن حقوقًا عادلة، تُجبَر العاملات على القبول برواتب متدنية وظروف عمل قاسية بدون عقود عمل رسمية أو حماية اجتماعية.
وتصل الأمور إلى ذروتها عندما تُقدم بعض العاملات على المطالبة بحقوقهن في التسجيل ضمن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. هنا، تواجه العاملات الطرد التعسفي، ويتم استبدالهن بأخريات يقبلن العمل في ظروف غير إنسانية خوفًا من البطالة. هذا الواقع يعكس وجود نمط من الاستغلال الهيكلي المنظم، حيث يتم استبدال الأيدي العاملة بشكل دوري لتفادي أي مسؤوليات قانونية أو حقوقية.
3. العلاقات والنفوذ: أدوات لمواجهة الشكاوى
الصادم في هذا السياق أن العديد من صاحبات هذه المراكز ينتمين إلى الطبقة الميسورة أو يشغلن مناصب رفيعة في قطاعات مختلفة. ورغم مواردهن المالية الضخمة، يرفضن الامتثال للقوانين، مستغلات نفوذهن وعلاقاتهن لإسكات الشكاوى أو تعطيل الإجراءات القانونية.
هذا التواطؤ بين القطاع الخاص وبعض الموظفين الفاسدين في الإدارات العمومية يُعدّ سببًا رئيسيًا لاستمرار هذه التجاوزات، ما يشكل ضربة مزدوجة لهيبة الدولة وحقوق الأفراد.
4. تأثير الظاهرة على الاقتصاد الوطني
على المستوى الأوسع، يؤدي عدم تصريح هذه المراكز بنشاطها إلى خسائر ضخمة للدولة، حيث تُحرم الخزينة العامة من الإيرادات الجبائية المستحقة. علاوة على ذلك، يعزز هذا النوع من الأنشطة ثقافة الإفلات من العقاب، مما يشجع على انتشار أنشطة اقتصادية موازية تضعف الاقتصاد الرسمي.
5. الحلول المطلوبة: إعادة النظام إلى القطاع
- تشديد الرقابة: ينبغي على الدولة تكثيف الرقابة على مراكز التجميل عبر زيارات ميدانية دورية للتأكد من التزامها بالتراخيص القانونية وبحقوق العاملات.
- محاسبة المتورطين: فتح تحقيقات جادة بشأن التواطؤ بين صاحبات هذه المراكز وبعض الموظفين في الإدارات العمومية، مع فرض عقوبات رادعة على كل من يثبت تورطه.
- توعية العاملات: توفير برامج توعية للعاملات حول حقوقهن القانونية، وتحفيزهن على تقديم شكاوى جماعية بدلًا من الشكاوى الفردية التي قد تكون عرضة للضغوط.
- إصلاحات قانونية: تحديث القوانين المتعلقة بأنشطة التجميل لتكون أكثر وضوحًا وصارمة مع فرض عقوبات مشددة على التهرب الجبائي والتجاوزات الأخرى.
كلفة غياب القانون على الدولة والمجتمع
إن ظاهرة مراكز التجميل غير المرخصة في تونس تعكس بشكل واضح تداخل الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي مع الفساد الإداري. استمرار هذه الأنشطة دون رقابة أو مساءلة يُضعف الثقة في النظام القانوني، ويهدد حقوق الفئات الهشة، ويؤثر على الاقتصاد الوطني.
مواجهة هذه الظاهرة باتت ضرورة ملحة تتطلب إرادة سياسية قوية وجهودًا متضافرة بين الحكومة والمجتمع المدني لضمان احترام القانون وحماية حقوق العاملات في هذا القطاع المهم.
