في إنجاز ثقافي عربي يكرس الهوية المشتركة بين دول المنطقة، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) عن إدراج "الحناء: الطقوس، الممارسات الجمالية والاجتماعية" ضمن قوائم التراث الثقافي غير المادي، ليُصنف بذلك كعنصر مشترك بين 16 دولة عربية. هذا القرار يعكس التزام الدول العربية بالحفاظ على تراثها الثقافي وتوثيقه للأجيال القادمة، ويضع الحناء في مكانة مرموقة ضمن قائمة التراث الإنساني التي تضم أبرز عناصر الثقافة الشعبية في العالم.
مقالات ذات صلة:
إدراج "طوايف غبنتن" ضمن التراث الثقافي غير المادي لليونسكو
التونسية سمر حدروق تتألق عالميًا: جائزة اليونسكو للمواهب الشابة في شمال إفريقيا
طريق الفطائر: تظاهرة ترويحية نحو إدراج التراث التونسي على قائمة اليونسكو
الحناء: أكثر من مجرد طقس جمالي
الحناء، التي تعتبر جزءًا لا يتجزأ من الثقافة العربية التقليدية، ليست مجرد مادة تُستخدم لتزيين الأيدي والقدمين، بل هي رمز للأمل، والفرح، والاحتفال، والتواصل بين الأفراد داخل المجتمع. يمكن تتبع تاريخ الحناء إلى آلاف السنين، حيث يعود استخدامها إلى مصر القديمة، حيث كانت تُستخدم في الطقوس الجنائزية والاحتفالية على حد سواء. اليوم، لا تزال الحناء تمثل جزءًا من الموروث الثقافي الذي يعكس الحياة الاجتماعية في المجتمعات العربية.
يعتبر إدراج الحناء في قائمة التراث الثقافي اللامادي بمثابة تكريس لأهميتها في الحياة اليومية، حيث تترافق مع اللحظات المميزة في حياة الأفراد، مثل الزفاف، والأعياد، والولادات، وطقوس الجنائز. وتحمل الحناء في طياتها جوانب اجتماعية وثقافية عميقة، تترسخ عبر الأجيال من خلال الطقوس التي ترافق استخدامها، مثل الأهازيج والأمثال الشعبية، التي تعكس رؤى وأحلام الشعوب.
التعاون العربي في صون التراث المشترك
في خطوة تعكس التعاون العربي البناء، جاء الملف الذي تم تقديمه لليونسكو ليجمع بين جهود وزارتي الثقافة والخارجية المصريتين وسائر الدول العربية التي تشارك في هذا التراث، كالسودان، السعودية، الإمارات، العراق، الأردن، الكويت، فلسطين، تونس، الجزائر، البحرين، المغرب، موريتانيا، سلطنة عمان، اليمن، وقطر. هؤلاء الدول يتوحدون حول قيمة الحناء كممارسة اجتماعية تعكس تقاليد الفرح والاحتفال التي تشترك فيها المجتمعات العربية.
هذا التعاون لا يقتصر على توثيق عنصر ثقافي واحد فحسب، بل يهدف إلى تعزيز الهوية العربية المشتركة والاحتفاء بتقاليدها الثقافية، مما يساعد في تعزيز الفهم المتبادل بين الشعوب العربية. ويُعد إدراج الحناء في قوائم التراث اللامادي شهادة على قوة هذا التراث وعمق تأثيره في جميع أنحاء العالم العربي.
الحناء في السياق الثقافي والاجتماعي
تتجلى أهمية الحناء في ارتباطها الوثيق بالاحتفالات والمناسبات الخاصة، حيث تُعد جزءًا أساسيًا من الطقوس التي تميز الحياة الاجتماعية في المجتمعات العربية. وفي هذا السياق، قال الدكتور مصطفى جاد، خبير التراث الثقافي اللامادي بـ"اليونيسكو"، إن الحناء "تمثل رابطًا قويًا بين أفراد المجتمع، فهي تثير الذكريات وتُعيد تشكيل اللحظات الفارقة في حياة الإنسان، مثل الزواج والأعياد". وأضاف أن الحناء تعتبر "ممارسة ثقافية حية" تشارك فيها المجتمعات العربية في كل الأوقات، مشيرًا إلى أن هذا التراث قد لا يقتصر على استخدام الحناء فقط بل يمتد إلى الأغاني المرتبطة بها والمعتقدات الشعبية التي تنقلها الأجيال.
الحفاظ على التراث من خلال التوثيق الدولي
إن عملية إدراج الحناء في قائمة التراث اللامادي تعد نقطة تحول في كيفية تعامل العالم مع التراث الثقافي اللامادي، حيث تبرز جهود الدول العربية في الحفاظ على ما يميزها ثقافيًا. من خلال هذا التعاون العربي المشترك، يتم التأكيد على أهمية توثيق التراث الشعبي على مستوى عالمي، الأمر الذي يساهم في تعزيز الهوية الثقافية العربية على الساحة الدولية.
ويعد إدراج الحناء في قوائم "اليونيسكو" ليس فقط فوزًا للدول العربية، بل هو دعوة للعالم للاعتراف بأهمية الحفاظ على هذه التقاليد الثقافية، والتي تمثل جزءًا من ذاكرة الشعوب العربية. وما يميز الحناء في هذا السياق هو قدرتها على الجمع بين الجمال الروحي والجمالي، حيث لا تقتصر على الزخرفة الجمالية للإنسان، بل تتداخل مع الرمزية الثقافية في كل مرحلة من مراحل الحياة.
الحناء: جسر بين الماضي والحاضر
منذ العصور الفرعونية، كانت الحناء تُستخدم في مصر القديمة في أغراض متعددة، من بينها التجميل، والطقوس الجنائزية، وتلوين الأقمشة، وقد ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالمعتقدات الروحية والتقاليد. هذا التراث الثري في استخدام الحناء يظل حيًا في الثقافة العربية الحديثة، حيث يشهد على قدرة المجتمعات على الحفاظ على التقاليد، بل وتطويرها لتواكب العصر.
ويقول عالم المصريات الدكتور حسين عبد البصير، في هذا السياق، إن "الحناء كانت جزءًا من الحياة اليومية للمصريين القدماء، وقد استخدمها الفراعنة في الطقوس الدينية والجنائزية". وأضاف أنه تم استخدام الحناء أيضًا لتحضير المومياوات، مما يعكس الروحانية العميقة التي كانت تحيط بكل جانب من جوانب حياتهم اليومية.
الحناء بين الاحتفاء الثقافي والاحتياجات المستقبلية
يعد إدراج الحناء في قائمة التراث الثقافي اللامادي لليونسكو بمثابة خطوة حاسمة نحو الحفاظ على هذا العنصر الفريد من التراث العربي. هذا الإنجاز لا يعني فقط توثيق عنصر جمالي بل يمثل احتفالًا بالقيم الاجتماعية والثقافية التي توحد الشعوب العربية. في الوقت نفسه، فإنه يعد دعوة للعالم للاعتراف بأهمية التراث الشعبي في تشكيل هوية الشعوب.