فتح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من جديد الباب لمغادرة سوريا، التي لا يراها مكاناً يستحق أن تغامر قواته بحياتها من أجل البقاء فيه.
لكن صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية قالت إن ترامب يبحث استبدال القوات الأمريكية بـ"تحالفٍ عربي" يضمن الاستقرار لمناطق شمال شرقي سوريا، وهو ما أشار إليه ترامب سابقاً.
وذكرت الصحيفة أن الإدارة الأمريكية طلبت من دول الخليج المساهمة بمليارات الدولارات، وإرسال قواتها إلى سوريا لإعادة الاستقرار.
وفي الأثناء حذر فريق عريض من النواب والساسة والعسكريين الأمريكيين ترامب من الانسحاب من سوريا؛ معتبرين أنه سيكون خطأ قد يزعزع استقرار المنطقة، ويخلق فراغاً في الشمال السوري يمهّد للسيطرة الإيرانية أو عودة تنظيم "داعش".
وستكون مهمة القوة المقترحة العمل مع المقاتلين المحليين الذين تدعمهم الولايات المتحدة لضمان عدم قدرة تنظيم "داعش" على العودة، ومنع القوات المدعومة من إيران من الانتقال إلى الأراضي التي كان يسيطر عليها التنظيم.
وكان ظهور "داعش" في المنطقة من العام 2014 وحتى 2017 لحظة مفصلية؛ إذ أدى ذلك إلى تشجيع قوات كردية ذات طموح انفصالي، أبرزها قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن، وحزب الاتحاد الكردستاني القريب من نظام الأسد، كما عززت تركيا وجودها هناك عبر قوات "درع الفرات" ثم "غصن الزيتون"، وكثفت روسيا، بالتحالف مع نظام الأسد وإيران، عملياتها لتعزيز سيطرتها في المنطقة، لكن الوجود الأمريكي حال دون ذلك.
كما حطت أقدام الجنود الأمريكيين رسمياً في تلك الفترة، ووصل عددهم وفق ما أعلن البنتاغون في العام 2017 إلى 2000 جندي، ويمتد الوجود الأمريكي من منبج "شمال غرب" حتى الحسكة "شمال شرق" مروراً بمحافظتي الرقة ودير الزور، فضلاً عن وجود قواعد لها على الحدود العراقية - الأردنية "جنوبي البلاد".
ومقترح ترامب دخول قوات عربية إلى سوريا ليس وليد اللحظة، فقد حاول الرئيس السابق باراك أوباما في العام 2015، وحث وزير الدفاع آنذاك آشتون كارتر السعودية وتركيا ودولاً عربية أخرى مراراً على المشاركة في المعارك التي تقودها القوات الأمريكية ضد تنظيم "داعش"، لكنه لم يلق آذاناً صاغية.
لكن وفق مسؤولين أمريكيين ساهمت كلٌ من السعودية والإمارات في دفع رواتب المقاتلين السوريين الذين تدعمهم واشنطن في قتال "داعش" ونظام الأسد حينها.
فرص التحالف الإسلامي
وفي أول رد فعلٍ على ما نشرته الصحيفة قال وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، إن الرياض عرضت على واشنطن إرسال قوات من التحالف الإسلامي إلى سوريا.
وسبق أن صرح محمد بن سلمان آل سعود، ولي العهد السعودي، لصحيفة "تايمز" في مارس الماضي، أن القوات الأمريكية يجب أن تبقى لفترة متوسطة على الأقل إن لم يكن على المدى الطويل.
ومن الممكن أن يترجم مقترح الجبير على أرض الواقع، خاصة أنه سبق أن طرح في مايو 2017 فكرة إنشاء قوة عسكرية من التحالف الإسلامي العسكري بقيادة السعودية، الذي أبصر النور في العام 2015، ذات أهداف محددة، تصبّ جميعها في الذود عن المنطقة، والتصدّي للإرهاب، ولأي تدخّلات خارجية من دول الجوار.
كما أن عدد العسكريين والجند التابعين للدول الإسلامية العاملة ضمن التحالف يقدر بنحو 4.3 ملايين جندي نظامي، يشكّلون قوام الجانب العسكري من التحالف الذي تقوده الرياض.
فرص الدول العتيدة
لكن في المقابل تخشى أوساط عدة من أن تنهار تلك المنطقة إن انسحبت الولايات المتحدة، وتركت قوة قد يستغل "داعش" وجودها للعودة، خاصة أنه حذرت أوساط دولية عدة مؤخراً من أن التنظيم بدأ إعادة تشكيل قواته في بعض المناطق في سوريا والعراق، فضلاً عن خلق فراغ على غرار ما حدث بعد أن غادر الجنود الأمريكيون العراق عام 2011.
ويتفق معظم خبراء السياسة الخارجية الأمريكية على أنه من المحتمل أن تملأ روسيا أو "داعش" هذا الفراغ، هذا فضلاً عن أن إيران ستكون قادرة على تأمين طريقها البري من دمشق إلى طهران؛ ممَّا يضمن لها المزيد من النفوذ.
وكان ترامب استنكر سياسة دول الخليج العربية في سوريا، وأعرب عن استيائه من عدم التدخّل الكافي لضمان استقرار البلاد.
وأفادت شبكة "CNN" الأمريكية، في تقرير نشرته في 5 أبريل 2018، عن امتعاض ترامب من حجم الأموال الأمريكية التي تُنفق في المنطقة ولا تعود بالمنفعة على الولايات المتحدة، حسب تعبيره.
وتساءل ترامب، بحسب مصادر مطّلعة على سير الاجتماع، عن سبب عدم تدخّل دول أخرى في المنطقة، لا سيما البلدان الغنيّة في الخليج العربي، في هذه الأزمة.
لكن من هي الدول "العتيدة" التي ستتطوع لشغل مكان واشنطن، خاصة أن معظم الجيوش العربية إما أن إمكاناتها لا تسمح أو أنها منشغلة بحروبها الخاصة؟
فالقوات السعودية لا تزال تقاتل في اليمن وتواجه خسائر يومية، فضلاً عن أن القوات الإماراتية تقتصر في تحركاتها الخارجية على العمليات الخاصة، وتعرضت أيضاً لخسائر فادحة باليمن، وحين نجحت العام الماضي في عملية عسكرية فقد كانت إلى جانب أمريكا ضد تنظيم القاعدة في اليمن، وقتل حينها 40 مقاتلاً من قادة التنظيم.
كما أن القوات القطرية منشغلة بحماية حدودها البرية من أي غدر قد يحدث من دول الحصار، التي خسرت التخطيط مع قطر في حل أزمات المنطقة، بل إنها أشعلت أزمة كادت تتحول إلى حرب لولا تدخل الوساطة الكويتية والأمريكية.
وعلى نفس المنوال تسير القوات الأردنية حيث لا ترغب عمّان بمغادرة الحدود الشمالية لحماية الجيب الحدودي مع سوريا، وأيضاً تقتصر جميع عملياتها في الخارج على أداء دور القوات الخاصة، كما جرى حينما تدخلت في البحرين عام 2011 لحماية المنشآت الحكومية هناك، خلال الاحتجاجات الشعبية التي هزت المملكة، ومشاركتها في العام 2016 إلى جانب فرنسا والجزائر والإمارات في عملية عسكرية خاصة قادتها باريس ضد "الجهاديين" في مالي.
ويبقى المرشح الأبرز هو القوات المصرية لكونها الأكبر عربياً والأكثر كفاءة، على الرغم من خوضها حرباً ضد "تنظيمات متطرفة" في شبه جزيرة سيناء، هذا في حال تمويل إماراتي - سعودي مشترك لوجود هذه القوة هناك.
أكدت ذلك صحيفة "وول ستريت جورنال" التي قالت إن جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي، اتصل بعباس كامل مدير المخابرات المصرية لمناقشة إمكانية مشاركة مصر في جهود استبدال القوات الأمريكية الموجودة في سوريا بقوة عربية.
وسبق أن طرحت دول عربية في العام 2012 مبادرة لإرسال قوات ردع عربية إلى سوريا، نواتها من الجيش المصري. وقد حاز هذا المقترح حينها موافقة خليجية، لكن سوء الأحوال الداخلية المصرية إلى جانب عدم اتخاذ خطوات إقليمية جدية حالا دون ذلك.
ولا بد من الإشارة هنا إلى ترجيح أن تتولى المهمة الدول المشاركة في "القمة السرية"، التي كشف النقاب عنها موقع "ميدل إيست آي" في 19 مارس 2018، حين أظهر أن رجل الأعمال الأمريكي جورج نادر مستشار ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، نظمها أواخر 2015 على متن يخت في البحر الأحمر، وجمعت قادة ومسؤولين بارزين في دول عربية، تمحورت حول إدارة تشكيل المنطقة بما يسمح بهيمنة السعودية والإمارات عليها، ومواجهة تركيا وإيران والجماعات الإسلامية.
الموقع نقل عن مصدرين مطلعين أن القمة السرية شارك فيها محمد بن زايد، وولي ولي العهد السعودي آنذاك محمد بن سلمان الذي أصبح ولياً للعهد، وولي عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وملك الأردن عبد الله الثاني، وبحثوا خطة قدمها نادر لتشكيل تجمع إقليمي بالمنطقة داعم للولايات المتحدة و"إسرائيل" ويضم ليبيا لاحقاً، ليكون بديلاً عن مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية.
إرسال مرتزقة
على نحو موازٍ ونقلاً عن مسؤولين أمريكيين، قالت "وول ستريت جورنال" إن هذا الطرح الأمريكي الجديد أثار انتباه ايريك برنس، مؤسس شركة بلاك ووتر القتالية سيئة الصيت، التي كان لها دور في العراق كما ساعدت كلاً من دولتي الإمارات والصومال على تأسيس قواتها الأمنية الخاصة.
وصرح برنس للصحيفة، يوم الاثنين (16 أبريل 2018)، بأن مسؤولين عرباً اتصلوا به بشأن جمع قوات في سوريا، لكنه ينتظر معرفة ما سيقوم به ترامب.
وينتسب إلى الشركة مقاتلون من جنسيات عدة، أبرزها أمريكا والبوسنة وتشيلي والفلبين، وتعمل بشكل رسمي أو من خلال شركات وسيطة في عدة دول حول العالم منها "إسرائيل".
"بلاك ووتر" عُرفت بارتكاب الجرائم البشعة بحق المدنيين، وهو ما افتضح في العراق، في حوادث بلغت 195 حادثة بين عامي 2005 و2007، وذلك بحسب تقرير للكونغرس الأمريكي.
أما أبشع مجازر الشركة على الإطلاق فهي مجزرة ساحة النسور في العاصمة العراقية بغداد، حينما فتح حراس الشركة النار على المواطنين عام 2007، وهو ما أسفر عن مصرع 17 مدنياً، وقد أدين 4 من الحراس، وتمت محاكمتهم في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن محكمة أمريكية برأتهم من التهم في عام 2009.
وبالرغم من إنهاء باراك أوباما تعاقد وزارة الخارجية الأمريكية مع "بلاك ووتر" لحماية دبلوماسييها بمجرد وصوله إلى السلطة في عام 2009، فإن الحكومة ظلت تتعامل مع الشركة في أعمال أخرى، سرية ومعلنة؛ كان من بينها ما كشفته صحيفة "دير شبيغل" الألمانية عن إرسال نحو 400 جندي تابع لـ"بلاك ووتر" إلى شرقي أوكرانيا، إبان الأزمة هناك في مايو الماضي، لحساب الجيش الأمريكي.
وتحصل "بلاك ووتر" على عقود بمبالغ ضخمة نظير تأدية واجباتها، التي تُنفذ بالكامل دون تقصير، بحسب تأكيد مؤسسها في حديث صحفي سابق.
وربما يريح وصول "بلاك ووتر" إلى سوريا كلاً من الإمارات والسعودية، خاصة أنهما أبرمتا مع الشركة سلسلة اتفاقات أمنية بارزة، بحسب ما كشفت صحف غربية سابقاً.
إذ يتمتع رئيسها برنس بعلاقة مميزة مع وليي العهد الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والسعودي محمد بن سلمان آل سعود.
وفي ديسمبر الماضي كشفت صحيفة "فورن بوليسي" أن ايريك برنس، مؤسّس شركة بلاك ووتر، انتقل إلى الإمارات لبناء قوات أجنبية تكون في خدمة محمد بن زايد، وله مقر دائم على بعد 30كم من العاصمة أبوظبي، وشاركت هذه القوات في حرب اليمن إلى جانب القوات الإماراتية.
كما أن "بلاك ووتر" هي من شنت حملة الاعتقالات التي أمر بها بن سلمان، واستهدفت أمراء ومسؤولين وأصحاب رؤوس أموال، حسبما ذكرت صحيفة "الديلي ميل" البريطانية في ديسمبر الماضي.
هذا الأمر يرجح فرضية أن تكون قوات "بلاك ووتر" هي العنصر البشري المقاتل تحت قيادة دول عربية مشتركة ووجود قوات عسكرية رمزية من هذه الدول، خاصة أن للشركة خبرة ميدانية واسعة في حروب ومشاكل الشرق الأوسط التي لا تنتهي.