الصفحة 3 من 3
تكتيكات متطورة
طوّر الجيش الليبي من عملياته العسكرية قبل أيام، واستهدف بعض الأماكن التي تحفّظ على الاقتراب منها سابقا، مثل مصراتة، أملا في التوصّل لتفاهمات سياسية مع قياداتها وشيوخها، بما يحدّ من دور الكتائب المسلحة التي تتخذ من بعض أراضيها مركزا لعملياتها العسكرية ودعم حكومة الوفاق في خطواتها المؤيدة لتيار الإسلام السياسي، وجرى توظيف مطار الكلية الحربية في مصراتة بصورة أخلّت بمهامه التدريبية التي تخدم أهداف الجيش الليبي وليس أغراض جهات أخرى تريد تفكيكه والنيل منه.
قال المحلل السياسي الليبي عبدالباسط بن هامل لـ “العرب”، إن المكان الذي جرى استهدافه في مطار مصراتة مؤخرا عبارة عن غرفة عمليات رئيسية تابعة لتركيا ومتعدّدة المرامي وتخدم الإرهابيين، وبها إمكانيات مسلحة تدعم مجموعاتهم الممتدة على الطريق الساحلي من مصراتة وحتى طرابلس.
وأكد “الجيش الليبي يملك بنكا كبيرا للمعلومات العسكرية عن الميليشيات، ويتعامل مع الإرهابيين وفقا لخطة مدروسة ليس فيها استثناء لأحد أو لمكان، طالما تمثّل خطرا على الدولة الليبية، وسوف يستمر في هذه السياسة حتى يُنهي تماما خطوط الإمداد التي تمثّل رافدا للعصابات المسلّحة وتقطع الطريق على أهداف من يستغلونها سياسيّا وعسكريّا”.
وشدّد التقرير على أن العشرات من الكتائب الإسلامية المتطرّفة مازالت تنشط في البلاد وتسيطر على مراكز هامة في الدولة وأقاليمها، محذّرا من خطورة التنظيمات الإرهابية العابرة للدول والتي مازالت تتخذ من ليبيا قاعدة رئيسية لنشاطها.
وقدّم قائمة نوعية بأسماء الجماعات الإرهابية والتنظيمات المسلحة في ليبيا، وببليوغرافيا مُوجزة عن العديد من قادتها، الذين لقوا حتفهم، أو ألقي القبض عليهم، أو مازالوا يمارسون دورهم على امتداد ليبيا، ومنح فصلا كاملا لتنظيم داعش وعملياته القذرة.
على الرغم من إنهاء وجود داعش المركزي في مدينة سرت منذ 2016، فإنّ خلايا داعش- ليبيا موجودة أيضا في مناطق أخرى من البلاد، واستمرت مجموعات مختلفة في الاستفادة من حالة عدم الاستقرار السياسي في العمل على تأسيس وجود طويل في ليبيا.
وأشار التقرير إلى أن الحكومة الليبية الراهنة تفتقر إلى إستراتيجية شاملة لإدارة الحدود الجغرافية، ولم تتمكّن من تأمين آلاف الأميال من الحدود البرية والبحرية في البلاد، ما سمح بالتدفّق غير المشروع للوقود والسلع والأسلحة والآثار والمخدرات والمهاجرين والمقاتلين الإرهابيين الأجانب الذين يشكّلون خطرا.
فرضت هذه المعطيات العمل على إتاحة الفرصة لمزيد من التحركات التي تقوم بها المؤسسة الأمنية النظامية، ممثّلة في الجيش الوطني والأجهزة الشرطية التي تتعاون معه، لأن بقاء الحال على ما هو عليه سوف يفتح الباب للمزيد من العمليات الإرهابية، وبالتالي تهديد حياة المواطنين في طرابلس وغيرها من المدن الحيوية.
بعث التغيّر في الخطط والتكتيكات التي يتبعها الجيش الليبي بقيادة المشير حفتر، برسائل متعدّدة لمن يهمهم الأمر، مؤكدة أن المؤسسة العسكرية عازمة على مواصلة دورها في التخلّص من الكتائب المسلحة، ولن تسمح للإرهابيين بالعمل في طول وعرض ليبيا، وسيتم حصارهم وتطويقهم من جهات مختلفة لتسهيل مهمة القضاء عليهم.
أخذت عمليات سدّ المنافذ البحرية تتزايد بالتنسيق مع قوى إقليمية ودولية، وحقق استهداف الطائرات التركية المسيّرة تفوّقا كبيرا أفقد المطارات المُستخدمة فعاليتها، بما انعكس سلبا على الأداء العسكري لحكومة الوفاق والمتحالفين معها سياسيا، لأن معركة الإرهاب لن تجد من يواصلون الدفاع عنها طويلا. وهي الثغرة التي عززت مكانة الجيش الوطني، فهناك أوساط كثيرة ترى أنه يقوم بمهمة نيابة عن العالم في حربه ضد التنظيمات الإرهابية.
قدّم التقرير توثيقا مهما وذخيرة معلوماتية جيّدة للباحثين وكل من يريدون التعرف على خارطة الدم وتطوراتها في ليبيا منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي، وتورط بعض القوى السياسية في التعاون والتنسيق مع إرهابيين، بما يدحض محاولات التنصّل من هذه العلاقة، فسوف يأتي يوم لرسم المعالم النهائية للتسوية من دون جلوس مع من مارسوا أشكالا متباينة للعنف، ومن تلطخت أياديهم بدماء الشعب الليبي.
محمد أبوالفضل
كاتب مصري