الأوساط الاقتصادية المصرية تتخوّف من امتداد أزمة السد للتعهدات الواجب اتخاذها في ما يخص المشكلة البيئية التي ستنجم عن البناء.
يتابع الملايين من المصريين بقلق شديد استئناف المفاوضات بين القاهرة وأديس أبابا بشأن سد النهضة، حيث تتصاعد مخاوفهم بخصوص التداعيات المحتملة لفشل المحادثات بشأن السد على استقرار المزارعين وجميع مظاهر الحياة على ضفتي النيل في مصر.
القاهرة - يثير مشروع سد النهضة جدلا واسعا داخل الأوساط المصرية بشأن ما يمكن أن يحدثه تراجع حقوق البلاد في مياه النيل من ارتباك في الأوضاع السياسية والأمنية والاستقرار الاجتماعي للمزارعين، في وقت ترتفع فيه تحذيرات المنظمات الإنسانية بشأن أزمة عالمية مرتقبة في المياه.
ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية لأحد المزارعين وهو كهل يدعى عمر يبلغ نحو 65 عاما قوله أمس إن “أرضه جافة منذ عدة أيام وهو بحاجة إلى المياه لريها قبل أن يستخدمها الآخرون”.
وأضاف المزارع مشيرا إلى أوراق السبانخ والخس في حقله بقوله “نحن نعتمد على مياه النيل التي تقلّ بشكل خاص في الصيف ولا تكفينا”.
وتعاني مصر منذ سنوات من نقص في المياه يعود أساسا إلى تزايد أعداد السكان، ويحاول المزارعون تدبر أمورهم مع انخفاض حجم الوارد من المياه.
ويسبّب التلوث الصناعي والتغيّر المناخي نقصا كبيرا في المياه جرّاء تلوثها بالنفايات.
وتقرّ القاهرة بخطورة المشروع، وهو ما تجلّى في تصريحات المسؤولين مرارا، حيث سبق وأكد وزير الري المصري الأسبق، محمد نصر علام، أن ”المحور الأهم الآن تدويل أزمة سد النهضة والخروج من نفق التفاوض المظلم، في ظل عدم تفهم أديس أبابا للمطالب والحقوق المصرية للحل الوفاقي”.
المزارعون يخشون من أن يستنزف مشروع سد النهضة الإثيوبي الثروة المائية وأن يضرب أنشطة الري والصيد
وتتخوّف مصر من عدم توقّف الأزمة فقط عند الدعم الفني أو المالي لحلحلتها، حيث يمكن أن تمتد إلى التعهدات التي يجب أن توضع في الاعتبار في ما يتعلق بالمشكلة البيئية التي ستنجم عن بناء السد.
ويرى خبراء أن التدهور المتوقّع حصوله في مياه النيل الأزرق سيؤثر على التنوّع البيئي وصيد الأسماك، خصوصا ببحيرة سد الروصيرص في السودان وبحيرة ناصر بمصر.
وسيؤدي ذلك إلى ضرب قطاع الصيد البحري والثورة السمكية للبلاد التي يعمل عدد كبير من مواطنيها في هذا القطاع.
وتتخوف الأوساط الاقتصادية بالقاهرة من تردي الوضع البيئي أكثر، وهو ما من شأنه عرقلة الاستثمارات وإضفاء أجواء من النفور على مناخ الأعمال.
وتسعى مصر، حديثة الخروج من الكبوة الاقتصادية، إلى استغلال بوادر التعافي على بعض قطاعاتها وعدم الدخول في أي مجازفة قد تكبدها خسائر فادحة.
وتحاول إثيوبيا القوى الإقليمية الصاعدة بسط ولايتها على ربوع نهر النيل مستغلة نموها الاقتصادي والتنمية التي حققتها للتوسع على محيطها.
وامتدت طموحات أديس أبابا على إنتاج الكهرباء اعتبارا من 2020 من سد النهضة الذي تبنيه على النيل مما زاد من قلق المزارعين.
وترى مصر أن سد النهضة يمثّل خطرا وجوديا حيث سيؤدي إلى تقليل حجم المياه الواردة إليها بشكل كبير، مقابل تأكيد إثيوبيا بأن نصيب مصر لن يتأثر.
وأكد أحمد وهو مزارع شاب يبلغ 23 عاما “سيكون هذا السد دمارا لنا ولأرضنا وكيف سنستمر في الزراعة؟”.
وبدأت مصر والسودان وإثيوبيا جولة مفاوضات جديدة في القاهرة لمحاولة التوصل إلى اتفاق يرضي الأطراف الثلاثة.
وقال هاني رسلان الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أنه “لا بد من التوصل إلى اتفاق وإلا فإن مصر ستواجه مشكلات اقتصادية واجتماعية غير محتملة”.
وأوضح أنه ”من بين هذه المشكلات والمخاطر سيكون جفاف الأراضي الزراعية وانخفاض حجم الزراعة وصعوبة توليد الكهرباء من السد العالي، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى أزمة سياسية وعدم استقرار”.
ولكن وزير الري المصري السابق محمد نصرالدين يشدد على أن “اعتماد مصر على نهر النيل لا يقارن بدول حوض النيل الأخرى لأن القاهرة في مستوى أدنى من مستوى الشح المائي”.
وتشير القاعدة في قيس شح المياه إلى ابتداء نقص نصيب الفرد سنويا من المياه عن ألف متر مكعب وهو ما يعني ندرتها وشحتها.
وبلغ نصيب الفرد في مصر 570 مترا مكعبا خلال عام 2018 وينتظر أن يقل إلى نحو 500 متر مكعب بحلول العام 2025، وفق الأرقام الرسمية.
وحاولت الحكومة المصرية خلال السنوات الأخيرة اتخاذ إجراءات من أجل الحفاظ على موارد البلاد من المياه.
ومن ضمن هذه الإجراءات، وضع صنابير موفرة للمياه في الأماكن العامة وإعادة تدوير المياه المستخدمة، وتقليص زراعة المحاصيل المستهلكة للمياه مثل الأرز.
كما أبرمت مصر عقودا قيمتها عدة ملايين من الدولارات مع شركة فلوانس كورب الأميركية لبناء محطات تحلية لمياه البحر.
وبدأت إثيوبيا في بناء سد النهضة عام 2011 وتأمل في أن تتمكّن من توليد الكهرباء منه مع نهاية العام المقبل قبل انطلاقه بكامل طاقته في 2022.
ولم تفض 9 أعوام من المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا إلى اتفاق نظرا إلى التداعيات التي قد تنجرّ عن المشروع وتهديده للاستقرار المجتمعي.
واتفقت الدول الثلاث الشهر الماضي في واشنطن على مواصلة المحادثات بشأن النقاط الخلافية وعلى رأسها فترة ملء خزان السد وأسلوب تشغيله.
وتختلف مصر مع إثيوبيا في عديد النقاط بخصوص المشروع، حيث طالبت القاهرة بالحصول على 40 مليار متر مكعب من مياه النيل سنويا كحد أدني، وهو ما رفضته أديس أبابا.
ومن المنتظر استكمال المفاوضات في الشهر المقبل بعد عجز الأطراف عن التوصل لاتفاق بواشنطن، وذلك بمشاركة البنك الدولي ومراقبين أميركيين.
ويعتقد وليام ديفيسون من مجموعة الأزمات الدولية أن “تسارع وتيرة المحادثات ووجود مراقبين يزيد من فرص التوصل إلى تسوية”.
وتصرّ إثيوبيا على المشروع الذي تبلغ كلفته نحو 4 مليارات دولار، وتقول إنه أساسي لنموها الاقتصادي.
أما بالنسبة للسودان، فإن السد سيوفر لها كهرباء وسينظم منسوب المياه التي تصل إليه.
ويستبعد الخبراء نشوب نزاع مسلح بسبب الخلاف على توزيع مياه النيل “لأن ذلك سيكون بالغ الضرر لكل الأطراف، خصوصا على المستوى الاقتصادي مما يدفع نحو تسوية ترضي مختلف الأطراف.
وتتخوف القاهرة من امتلاء الخزان الضخم لسد النهضة الذي يتسع لـنحو 74 مليار متر مكعب من المياه، حيث سيؤدي امتلاؤه خلال فترة قصيرة، إلى جريان مياه النيل على امتداد البلاد مما سيدفعها إلى الانخفاض بشكل كبير.