تقنية الـ”VAR” في الجزائر تسلط الضوء على المرشحين الخمسة للرئاسة وشخصيات أخرى عبر رصد التطورات في تصريحاتهم ومواقفهم.
مع انطلاق الحملة الانتخابية، في 17 نوفمبر، برزت تقنية الـ”VAR” على مواقع التواصل في الجزائر بأسلوب طريف وساخر، في بلد أجبرت احتجاجاته الشعبية عبدالعزيز بوتفليقة على الاستقالة من الرئاسة في 2 أبريل الماضي.
الجزائر- تُستخدم تقنية الـ”VAR) “Video assistant referee) في ملاعب كرة القدم لمساعدة حـكم الساحة عـلى حسم القرارات بشأن بعض المواقف الجدلية على بساط الساحرة المستديرة، عبر الرجوع إلى مقاطع الفيديو المُسجّلة للمباراة.
لكن في الجزائر يستخدم نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي تقنية “حكم الفيديو المساعد” بطريقة مثيرة، حيث يرصدون بها ما يقولون إنها تصريحات متناقضة أدلى بها المرشحون الخمسة لانتخابات الرئاسة، المقررة في 12 ديسمبر.
ويسلّط الـ”VAR” نشطاء شبكات التواصل، مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب، الضوء على المرشحين الخمسة للرئاسة وشخصيات أخرى، عبر رصد التطورات في تصريحاتهم ومواقفهم.
وهؤلاء المرشحون هم: عزالدين ميهوبي، الذي تولى في يوليو الماضي الأمانة العامة بالنيابة لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، خلفًا لرئيس الوزراء السابق، أحمد أويحيى، الذي أودع السجن بتهم فساد. إضافة إلى رئيسي الوزراء السابقين، علي بن فليس، الأمين العام لحزب طلائع الحريات، وعبدالمجيد تبون (مستقل)، وكذلك عبدالعزيز بلعيد، رئيس “جبهة المستقبل”، وعبدالقادر بن قرينة، رئيس حركة البناء الوطني (إسلامي).
ونشرت قناة تدعى “شروحات برو ديزاد” على يوتيوب فيديو للمرشح تبون بعنوان: شاهد فضيحة تبون مسكه VAR: تزكية فرنسا ونقد فرنسا في وقت ترشحه لرئاسيات 12 ديسمبر الجاري. ويظهر الفيديو تناقضًا وقع فيه تبون خلال بعض لقاءاته مع قنوات تلفزيونية محلية حول العلاقات مع فرنسا، المستعمرة للجزائر سابقًا (1830 - 1962).
ونشرت قناة “عوامر تيفي” فيديو للمرشح بن قرينة، رئيس حركة البناء الوطني، وهو يقول “لم أساند الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة”. ويبرز الفيديو تأكيد أحمد الدان، الأمين العام للحركة، أن أربعة نواب (من أعضاء الحزب) صوتوا لصالح تعديل دستوري أجراه بوتفليقة في 2016 لتعزيز سلطاته.
ويحكي بن قرينة في فيديو آخر، نشرته قناة “جزائر المستقبل”، عن استقالته، وخروجه من منظومة بوتفليقة. وتم رصد بن قرينة، في تصريح آخر أعلن فيه، أمام وسائل الإعلام المحلية، دعمه لاستمرار بوتفليقة في الحكم لولاية رئاسية خامسة.
وأجبر المحتجون بوتفليقة على التراجع عن الترشح لتلك الولاية، وتم تأجيل الانتخابات، ثم استقال. وكتب الناشط وليد علي، تدوينة على فيسبوك أرفقها بفيديو، قائلًا “في عصر الـVAR والهواتف الذكية اقلب كل الموازين وافضح الجميع”.
ويرصد هذا الفيديو تصريحين متناقضين للمرشح بن فليس، أحدهما في مؤتمر صحافي، في 21 أغسطس الماضي، والثاني خلال تجمّع شعبي له في تلمسان (غرب) في 17 نوفمبر الماضي.
وقال بن فليس في الفيديو الأول “المانع من المشاركة في الحوار مع السلطة هو رموز النظام، والعائق الأساسي (هو) بقاء الحكومة الحالية المؤقتة، بقيادة رئيس الوزراء، نورالدين بدوي”. بينما قال حسب الفيديو الثاني “هذه الانتخابات الرئاسية مقبولة، وستكون مثالية في قادم الاستحقاقات”.
ويرفض قطاع من الجزائريين إجراء الانتخابات في الوقت الراهن، ويطالبون أولًا برحيل بقية رموز نظام بوتفليقة، وإلا فإن هذه الانتخابات ستعيد إنتاج النظام نفسه. وهو ما ترفضه أطراف أخرى، في مقدمتها المؤسسة العسكرية، حيث تحذّر من مخاطر تأجيل الانتخابات، والذهاب إلى مرحلة انتقالية.
وفي ظل حراك شعبي متواصل منذ 22 فبراير الماضي، اجتاحت موجة تعليقات ساخرة وهزلية منصات التواصل عقب انتشار فيديوهات عن شخصيات سياسية ونواب ومواطنين عاديين دعمّوا بوتفليقة، وأصبحوا اليوم يؤيدون إجراء الانتخابات.
وقال الناشط عبدالنور بوشيباني، “تقنية الفار أصبحت معيارًا في إسبانيا.. فضحت نادي ريال مدريد.. في الجزائر ستفضح كل الذين سعوا للترشح لكرسي الرئاسة.. يحسبون أنفسهم أبطالا وهم لا شيء”.
وقال الناشط سليم ألجي،“من يفتح فمه، سينشر له كل أرشيفه.. سليمان بخليلي (أحد الذين سحبوا استمارات الترشح لرئاسة الرئاسية) نُشرت له كل خواتمه” في إشارة إلى برنامج مسابقات تلفزيوني كان يقدمه ويمنح فيه خاتمًا من ذهب للفائز.
ورأى الطيب صياد، كاتب ومدوّن، أنه “ما زاد الحال ارتباكًا ووضوحًا في عصر المعلومة المتوفرة والمكثّفة هو وسائط التواصل الاجتماعي وتطور تقنيات الهاتف النقال في توثيق المشاهد والصوتيات التصريحات”.
وأضاف صياد “كل من يتصدر للمسؤولية أو ينصب نفسه في الخدمات العمومية سيجد نفسه أمام سيل جارف من النقد اللاذع، خاصة بعد ارتفاع سقف حريات التعبير منذ بدء الحراك”.
نشطاء مواقع التواصل يرصدون بتقنية "حكم الفيديو المساعد" ما يعتبرون أنها تصريحات متناقضة للمرشحين
وتابع “وهو ما جعل المواطنين يلاحقون كل من ارتبط بالنظام السابق ويحرجونه بكل مواقفه الانبطاحية وارتباطاته المادية والمعنوية بمنظومة بوتفليقة الفاسدة”.
وأردف “وحين قُبلت ملفات الخمسة مرشحين المغضوب عليهم في رئاسيات ديسمبر، وجدوا أنفسهم أمام استعادة شبه كلية لمواقفهم وتصريحاتهم قبل وخلال الحراك”.
ورأى أن “مواقف المرشحين الخمسة أتثبتت تخاذلهم وانبطاحهم واستفادتهم من بوتفليقة، فكيف سيواجهون هذا التحدي الذي بات يسمى شعبيًا بتقنية الـVAR (؟)”.
وتساءل: “هل سيوجهونها بالإنكار (؟).. هذا سيزيدهم سقوطًا وينزع عنهم الشرعية أكثر، أم أنهم سيؤولون كلامهم أم سيعترفون ويناضلون لتوبة نصوح أمام شعب غاضب؟”.
ورأى صياد أن “غضب الشعب بات يشكّل خطرًا على مسيرة الإصلاح بحد ذاتها؛ فبناء دولة العدالة لن يكون بمجرد الصياح في الشارع”.
ومضى قائلًا “تلك مرحلة مبدئية وبدائية يجب أن تليها مراحل أكثر عقلانية وخطط لمشاريع بناء ممنهجة بعيدة عن الشارع، الذي يجب أن تكون مهمته قد انتهت”.
وفي ظل زخم الـVAR، أطلق الفنان الجزائري، جليل باليرمو، في 23 نوفمبر الماضي، أغنية مصورة بعنوان “جيبو الفار” (أحضروا الـVAR)، يتناول فيها الوضع السياسي، وينتقد الموالين للسلطة وأصحاب المال في الجزائر.
ويقول باليرمو في مقدمة أغنيته، التي حققت أكثر من مليون مشاهدة “جيبو الفار ونعاودو من الزيرو وتبان la faute” (أحضروا الفار، ونعيد من الصفر، ويظهر الخطأ).
وقبل أيام أطلقت “نوميديا”، قناة جزائرية خاصة، برنامجا تلفزيونيا يتضمن فقرة بعنوان “El VAR”، تتبع مواقف محرجة وقع فيها المرشحون الخمسة للرئاسة.