اختر لغتك

 
السلفيون في مصر.. ليست مراجعات بل إعادة تموقع بعد هزيمة المشروع

السلفيون في مصر.. ليست مراجعات بل إعادة تموقع بعد هزيمة المشروع

شهادة محمد حسان ومحمد حسين يعقوب تعبير عن هزيمة الإسلام السياسي.
 
تكشف الشهادات التي أدلى بها رموز السلفية في مصر على غرار محمد حسان وأبوإسحق الحويني ومحمد حسين يعقوب عن فشل مشروع الإسلام السياسي الذي أدانه هؤلاء علنا، لكن أيضا تسلط هذه الشهادات التي تندرج في سياق القضية المعروفة إعلاميا بـ”خلية داعش امبابة” عن محاولة هؤلاء إعادة التموقع بعد أن كانوا عُرضة للتهميش سواء من قبل السلفيين الجهاديين أو جماعة الإخوان التي روجت إلى أنها الأقدر على قيادة العمل السياسي خلال فترة ما بعد ثورة يناير.
 
القاهرة - عانى دعاة ورموز السلفية في مصر من الدعاية التي روجها قادة وعناصر جماعة الإخوان ضدهم التي مفادها أنهم حصروا تركيزهم على العلم الشرعي والتزكية الأخلاقية والتربية والدعوة بالمساجد، ولم يتحصل السلفيون على خبرات العمل السياسي التي اكتسبها الإخوان من خلال النشاط الطلابي والبرلماني والنقابي.
 
مكنت هذه المعطيات الجماعة من وصم السلفيين بعدم المقدرة على مواكبة الواقع المعاصر والتأثير في النشاط السياسي المفتوح الذي يحتاج إلى مهارات لا يمتلكها في الوسط الإسلامي سوى الإخوان الذين تجاوزوا دون غيرهم التقوقع داخل مسائل التوحيد والطهارة ومحاربة البدع الاجتماعية.
 
نظرا للصراع والتنافس المحتدم بين السلفيين التقليديين من جهة والإخوان والسلفيين الجهاديين من جهة أخرى قبل ما عُرف بالربيع العربي لنيل التأييد الجماهيري والانتشار والدعم المعنوي والمادي، سعى رموز الدعوة السلفية خلال مرحلة الصعود بعد ثورة يناير 2011 في مصر لتكون لتيارهم اليد الطولى بين الجماعات الدينية السياسية على امتداد خارطة العالم الإسلامي باختلاف ألوان الطيف من فصائل تنخرط في العمل السياسي إلى تلك التي تحمل السلاح وتحارب في ميادين المواجهة مع الجيوش والأنظمة.
 
 

رهينة للإخوان
 
انصب تركيز السلفيين خلال مرحلة الصعود السياسي والطفرة الإسلاموية وما صاحبها من تحولات على تعويض ما فاتهم داخل المضمار الذي حُرموا منه نتيجة هيمنة الإخوان لإثبات عكس ما كان يروجه قادة الإخوان بحقهم بشأن افتقارهم للمهارات السياسية وعدم إحاطتهم بمتغيرات الزمن وطرق التعامل مع المشهد السياسي المعقد بخلاف ذوي الخلفية الإخوانية.
 
وأعاد السلفيون بعد عام من ثورة يناير تموقعهم داخل التيار الإسلامي العام وداخل الحالة السياسية والاجتماعية برمتها، وبعد أن ظلوا طويلا داخل مساحة إحياء المبادئ الأساسية للعقيدة والإحياء الروحي للمسلمين والعمل بشكل سلمي ضد البدع دون الانخراط في صراعات حادة ضد العلمانيين أو غير المسلمين، انتقلوا للدعوة إلى الإطاحة بالأنظمة وتأسيس حكومات مغلفة بالدين تستند إلى تفسيرات أصولية حصرية للإسلام.
 
ما جرى خلال تلك الفترة كان محاولة من الإخوان للهيمنة على السلطة عبر توظيف الطيف الإسلامي عبر تقديم نفسها كمظلة جامعة تلتف حولها مختلف الفصائل السلفية، في حين سعت الأخيرة إلى إثبات العكس كتيار أجدر من الإخوان على تمثيل الإسلاميين في المشهد السياسي وأكثر قدرة على مجابهة العلمانيين الذين يحرصون على التمييز بين أساسيات الدين والأيديولوجيا المتطرفة المتسترة بالدين.
 
بالنظر إلى الإستراتيجية التي لجأ إليها الإخوان بغرض تحقيق حلم التمكين والاستحواذ على مقاليد السلطة احتاجت الجماعة لجهود التيار السلفي صاحب القاعدة الشعبية العريضة لحرمان الأحزاب المدنية والتيار العلماني من تحقيق تفوق أثناء الاستحقاقات الانتخابية، وهو ما أعاقته  الأحزاب السلفية التي تشكلت سريعا لتصبح خارطة النفوذ الشعبي موزعة بين الإخوان والسلفيين، حتى لا يجادل أحد مجددا في الهوية الإسلامية لمصر ولا يُترك مجال لمن يزعم بأن للتيار المدني نفوذا وجماهيرية وخزانا انتخابيا في البلاد.
 
لعب السلفيون دورا ملحوظا كأداة بيد الإخوان للضغط على الخصوم وابتزازهم عبر المساجلات الإعلامية وداخل أروقة مناقشات المواد الدستورية والقوانين التي يجب سنها والأخرى التي يجب إزالتها وفقا لقربها أو بعدها عن تعاليم الشريعة وحتى بعد ثورة الثلاثين من يونيو 2013 التي أدت إلى عزل الجماعة عن السلطة، فمن يختلف مع الإخوان سياسيا يُواجه من دعاة ورموز السلفية باتهامات بكراهية الإسلام ومعاداة مبادئه وتعاليمه.
 
أفاق زعماء التيار السلفي بعد إزاحة الإخوان عن السلطة وبروز خلافات حول كيفية التعاطي مع الموقف على حقيقة صادمة مفادها أنهم لم يثبتوا لا للإخوان ولا لغيرهم بأنهم يمتلكون الفهم الأفضل للقضايا المعاصرة ولديهم المقدرة بخلاف مزاعم الإخوان بحقهم على تطبيق العقيدة في السياقات الحديثة بالمقارنة بقدرات الإخوان.
 
واكتشف دعاة السلفية أنهم لم يكونوا سوى أداة بيد الإخوان، ولكي تحكم الجماعة الهيمنة عليهم ويسهل عليها توجيههم لخدمة مصالحها نجحت في اختراقهم عبر ما عُرف بـ”الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح” التي كان محمد حسان أحد أعضائها وكانت بمثابة الذراع الشرعية للإخوان في المشهد السياسي قبل وأثناء تولي الإخوان السلطة، علاوة على توظيف تيار حازم صلاح أبوإسماعيل الذي لعب دورا من خلال تكوينه السلفي- الإخواني في رهن قطاع كبير داخل الحالة السلفية للأيديولوجيا والأهداف والمصالح الإخوانية.
 
وما عاناه السلفيون طويلا من عقد نقص مركبة تجاه الإخوان عانوا أضعافه حِيال ما روجته أوساط تنظيمات السلفية الجهادية بشأن تفوقهم المتناسب مع التفوق الإخواني في مقابل تواضع خبرة ودراية رجال وعناصر الدعوة السلفية بالواقع المعاصر.
 
 

عقدة تفوق الجهاديين
 
وضع الجهاديون رأسهم برأس الإخوان على مستوى الدراية بالواقع الذي يسعى كلاهما إلى تغييره، وإن اختلفت الوسائل؛ فالإخوان يحاولون عن طريق التغلغل المجتمعي والبناء من أسفل والتنافس السياسي، بينما يحاول الجهاديون عن طريق التغيير من أعلى عبر الإطاحة بالأنظمة بالقوة المسلحة، في الوقت الذي اتهموا دعاة السلفية بمحدودية فهم السياقات الحديثة وإخفاء حقائق الصراع عن العامة.
 
بالنسبة للجهاديين فإن رجال الدعوة السلفية أمثال محمد حسان وأبوإسحق الحويني ومحمد حسين يعقوب لا يختلفون عمن يصفونهم بعلماء السلطان الذين يكتفون بالدعوة والتزكية في المساجد ويزينون في عيون الناس الطاعة والرضوخ للحكام الذين لا يحكمون بالشريعة، وهذا في المنطق الجهادي بمثابة خيانة للمنهج وتخاذل عن بيان حقيقة الأنظمة التي لا تحكم وفق تعاليم الشريعة بحسب تفسيراتهم
 
الخاصة، ما يمنح السلفية الجهادية الأفضلية عن الدعوة السلفية التي تكتفي بالتزكية والخطابة وعرض أصول الاعتقاد دون وضع هذا الاعتقاد موضع التطبيق عبر معالجة ظلم وانحراف الأنظمة التي لا تحكم بالشريعة بالقوة.
 
اعتبر دعاة التيار السلفي توقيت تحالف فصائل السلفية الجهادية مع الإخوان وما نشأ عنه من الزج بالمئات من المقاتلين ببؤر الصراع بالمنطقة العربية مثاليا لفك العقدة التاريخية التي تكرست نتيجة مزايدات السلفية الجهادية ومزاعم تفوقها على الدعوة السلفية كونها تعلم طبيعة الواقع وحجم ما به من مخالفات شرعية لكنها متخاذلة تتهرب من تغييره.
 
ودل إطلاق رموز الدعوة السلفية في ذلك التوقيت ومن ضمنهم محمد حسان دعوات الجهاد في سوريا على أن المسافات بين السلفية والسلفية الجهادية وهمية في جوهرها، والسلفي لا يعوزه سوى ظرف مناسب ومناخ موات ليتحول إلى جهادي ويحمل السلاح لتطبيق أفكاره.
 
وبرهن من جهة أخرى على أن رموز الدعوة السلفية كانوا يتشوقون للحظة التي يتحللون فيها من أعباء انتقاصهم الدائم من تلاميذ لهم يعتنقون نفس المنهج، لكنهم دأبوا على الفخر بأنفسهم مقابل ازدراء السلفيين القاعدين عن المواجهة وحمل السلاح.
 
أتاحت فوضى وسيولة مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي لقادة الدعوة السلفية فرص فك عقدهم التاريخية واستعادة بعض كرامتهم المُهدرة داخل أوساط الإسلام السياسي والإخوان، وداخل أوساط السلفية الجهادية ظنا منهم أن مرحلة جديدة قد بدأت متجاوزة زمن الدولة القُطْرية التقليدية بأجهزتها الأمنية الحامية للانتماء الوطني، وأن الوقت قد حان لالتقاء مصالح كل المؤمنين بأيديولوجيا الخلافة الأممية ولا ينقص مشهد تحالفات الإخوان بتنظيمات السلفية الجهادية سوى انخراط الدعوة السلفية بها.
 
وفّرت الدعوة السلفية لجماعة الإخوان فرصة توحيد الفصائل الإسلامية في كيان واحد يقوده الإخوان وهو ما عناه الرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي بحديثه عن طائر النهضة الذي يمثل السلفيون أحد أجنحته.
 
وبعد أن كان رموز الدعوة السلفية متهمين من قبل السلفية الجهادية بالتخاذل والتخلف عن الجهاد، صارت دعوة محمد حسان للجهاد في سوريا بمثابة فتوى تأسيسية لإطلاق مشروع الجهاد بالمنطقة العربية كأفضل تجهيز لمرحلة اعتقدوا أنها قادمة حتى لو تأخرت بعض الشيء، والمتعلقة بالانقلاب الإسلامي المسلح داخل مصر لتكريس التمكين الإسلامي بالقوة وتفادي أي تهديد له من قبل الجيش.
 
 

عودة للسيرة الأولى
 
تصلح شهادات رموز الدعوة السلفية بمصر من نوعية محمد حسان ومحمد حسين يعقوب أمام المحكمة التي يمثل أمامها 12 متهما في القضية رقم 271 لسنة 2021 المعروفة إعلاميا بـ”خلية داعش إمبابة”، كمحطات توثق مسيرة التيار السلفي التي شهدت تقلبات حادة وإعادة تموقع أكثر من مرة وفق الظروف والمخاطر التي يواجهها.
 
قبل سنوات قليلة من الشهادة الأخيرة التي زعم خلالها الداعية السلفي صاحب الشعبية الطاغية محمد حسان أنه لا يعلم عن جماعة الإخوان أكثر مما يعلمه القاضي عنها، كان هو ورفاقه ضمن قيادات ورموز الدعوة السلفية بمصر يخططون لكيفية استغلال ظرف التحولات بالمنطقة العربية لتحصيل أقصى المكاسب الممكنة كيلا يصبح السلفيون هم الأقل حظا في مرحلة ما بعد الثورات مقارنة بحظوظ الإخوان والسلفية الجهادية.
 
وبعد أن حرص السلفيون خلال مرحلة الصعود الإسلاموي على إثبات كونهم جزءا من الحالة الصاعدة ولا يقلون عن الإخوان دراية بالواقع السياسي المعاصر ولا يتميز عنهم فصيل الجهادية السلفية في مضمار الدعوة لتغيير الواقع تحت راية الجهاد، تحتم عليهم اليوم إعادة التموقع بعد أن أُزيح نظام الإخوان وفشلت الجماعة بمعاونة فصائل السلفية الجهادية في استرداد السلطة بالقوة وانهار مشروع الإسلام السياسي في المنطقة.
 
لم يعد للإخوان أدنى فرصة للوصول إلى السلطة مرة أخرى ولن تتاح لهم رفاهية الاستعلاء على السلفيين والترويج لمزاعم التفوق السياسي وامتلاك الخبرات الأكبر في فهم الواقع المعاصر وإدراك طرق التعاطي معه، ويعيش الجهاديون أوقاتا صعبة بعد هزائمهم الميدانية ويُحاكم الكثيرون منهم في قضايا العنف الذي ارتكبوه، لذلك بات الشيء المنطقي الذي وجب على دعاة السلفية القيام به أن يعدلوا وجهتهم ويضبطوا بوصلتهم مجددا وفق سيرتهم الأولى بعد أن تغيرت الظرفية.
 
كان هدف المحكمة من سماع شهادة رموز الدعوة السلفية محاولة التوصل إلى طبيعة تلك الأفكار التي قاموا ببثها على المنابر والشاشات وأدت إلى اعتناق بعض الشباب للفكر التكفيري وحمل السلاح وتنفيذ عمليات إرهابية، وأنكر محمد حسان وقبله حسين يعقوب أن يكون فكرهما مرجعية استند إليها أعضاء الخلية الإرهابية لتبرير جرائمهم.
 
وتبدو محاضرات دعاة السلفية الشهيرة والتي وثقها اليوتيوب كفيلة بإثبات صحة أقوال أعضاء الخلية الإرهابية حيث تدرجوا من الالتزام الديني ثم الانتماء إلى الفكر السلفي ثم الفكر السلفي الجهادي، متأثرين بخطب يعقوب وحسان والحويني خاصة تلك التي تبث الكراهية ضد المختلفين في العقيدة وتبيح الغزو تحت عناوين الجهاد في سبيل الله لإقامة دولة الخلافة الأممية.
 
يُنظر إلى شهادة الداعية السلفي محمد حسان وقبله محمد حسين يعقوب في سياق هزيمة تيار الإسلام السياسي، باعتبارها إعادة تموقع عبر العودة إلى الحالة السلفية الأولى، عندما كان الإخوان يرثون لجهل السلفيين بالواقع السياسي ويتهمهم الجهاديون بالقعود والتخاذل.
 
وتدارك حسان بدهائه الخطأ الذي وقع فيه زميله يعقوب؛ لأن الإنكار والإجابة على غالبية الأسئلة بـ”لا أدري” كما فعل يعقوب كذب بسيط للهروب من المحاسبة، أما حسان فقد عمد للكذب المركب ليرد عن السلفيين إهانة وتجريح الإخوان والجهاديين، حيث ظهر متفلسفا عالما بأصول التنظيمات ومناهج الحركات وتصنيفاتها، وقصده أنهم لم يكن لهم صلة بتلك الجماعات التي تمثل امتدادا للخوارج.
 
حرص حسان من خلال التنظير أمام المحكمة بعبارات تدين ممارسات الإخوان والجماعات الجهادية والتي يظهر من صياغتها أنها مستوحاة من كتابات بعض المفكرين المستقلين على أن يبعث برسالة للإخوان والجهاديين بعد أن ذهبت السكرة وجاءت الفكرة مفادها أن السلفيين ليسوا أقل شأنا من الإخوان والجهاديين، بل كانوا ولا يزالون الأكثر علما ودراية منهم جميعا بالواقع  المعاصر وطرق التعاطي معه.
 
 
هشام النجار
كاتب مصري
 

آخر الأخبار

هدف ميرينو القاتل يقود إسبانيا إلى نصف نهائي يورو 2024 بفوز مثير على ألمانيا

هدف ميرينو القاتل يقود إسبانيا إلى نصف نهائي يورو 2024 بفوز مثير على ألمانيا

اجتماع طارئ بين الجامعة التونسية لكرة القدم والملعب التونسي لحل أزمة الديون وإنقاذ المشاركة في كأس الكاف

اجتماع طارئ بين الجامعة التونسية لكرة القدم والملعب التونسي لحل أزمة الديون وإنقاذ المشاركة في كأس الكاف

النادي الإفريقي يعلن عن غلق ملف زكرياء العبيدي نهائيًا

النادي الإفريقي يعلن عن غلق ملف زكرياء العبيدي نهائيًا

عملية سطو مسلح جريئة في سوسة: القبض على الجاني واستعادة الأموال

عملية سطو مسلح جريئة في سوسة: القبض على الجاني واستعادة الأموال

اجتماع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نحو خطوة جديدة لتنظيم الانتخابات الرئاسية لسنة 2024

اجتماع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نحو خطوة جديدة لتنظيم الانتخابات الرئاسية لسنة 2024

Please publish modules in offcanvas position.