اختر لغتك

الشباب والمخدرات بين الإطار القانوني والمقاربات الأمنية والاجتماعية والصحية

الشباب والمخدرات بين الإطار القانوني والمقاربات الأمنية والاجتماعية والصحية

تمثل قضية المخدرات في أوساط الشباب إحدى أكثر الإشكاليات تعقيدًا في المجتمعات الحديثة، حيث تتداخل فيها الأبعاد القانونية، الاجتماعية، السياسية، والاقتصادية، مما يفرض الحاجة إلى معالجات متعددة المستويات تستند إلى دراسات معمقة وتحليل شامل للمقاربات المختلفة، إذ إن الفجوة بين السياسات العقابية والمقاربات العلاجية تطرح تساؤلات جوهرية حول فعالية القوانين المعتمدة في مكافحة الظاهرة، ومدى انسجامها مع المتغيرات السوسيولوجية والتكنولوجية التي فرضت تحولًا في أنماط الاستهلاك والاتجار، وفي هذا السياق نظم المعهد العالي للدراسات بتونس و الجمعية الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان والإعلام ملتقى دولي حول: "الشباب والمخدرات بين المعالجات الأمنية والمقاربات الاجتماعية والصحية".

مقالات ذات صلة:

فضيحة تهزّ المرسى: تلميذ يروّج المخدرات في مدرسة إعدادية.. واعتقال والده!

إيداع وكيل أعمال سابق لمغني راب مشهور السجن بتهمة المخدرات وحيازة سلاح أبيض

جريمة قتل مروّعة في قصر هلال: مقتل امرأة على يد ابنها بسبب خلافات حول المخدرات

وفي هذا الإطار، تعد التشريعات القانونية المحدد الرئيسي لطرق التعامل مع المدمنين والمتاجرين بالمخدرات، إذ تسعى بعض الدول إلى نهج صارم يهدف إلى فرض أقصى العقوبات، بينما تتجه أخرى إلى سياسات أكثر مرونة تركز على إعادة التأهيل.  فمن جهة، لا يزال قانون المخدرات رقم 52 في تونس يثير جدلا واسعا بسبب نصوصه العقابية المشددة التي تفرض عقوبات بالسجن حتى على الاستهلاك الشخصي، وهو ما أدى إلى اكتظاظ السجون بشباب كان يمكن أن يستفيد من حلول تأهيلية بديلة. ومن جهة أخرى، تتبنى الجزائر مقاربة أكثر صرامة، حيث تصنف المخدرات ضمن القضايا الجنائية التي تستوجب عقوبات قاسية، معتبرة أن التشديد العقابي هو السبيل الأنجع لردع المتعاطين والمهربين. أما في ليبيا، فالوضع أكثر تعقيدا في ظل عدم الاستقرار الأمني، مما يجعل مكافحة المخدرات جزءًا من التحديات الأمنية الأوسع التي تواجهها البلاد. بالمقابل، تقدم التجربة الفرنسية نموذجا أكثر انفتاحا على الحلول البديلة، إذ يتيح القانون الفرنسي اللجوء إلى العلاج الإجباري كبديل للعقوبات السجنية، مما يعكس فهما أعمق للإدمان باعتباره مشكلة صحية قبل أن يكون جريمة جنائية، وقد أثبتت هذه المقاربة نجاحًا نسبيًا من خلال خفض معدلات الإدمان وتقليل حالات العود إلى الجريمة.

وبالتوازي مع ذلك، تشكل المقاربة الأمنية جزءا أساسيا من سياسات مكافحة المخدرات، حيث تركز الأجهزة المختصة على تفكيك الشبكات الإجرامية التي تقف وراء انتشارها، وتشير الإحصائيات الرسمية إلى تزايد عمليات حجز المخدرات في تونس والجزائر وليبيا، مما يعكس حجم الظاهرة وتطور أساليب الاتجار بها. وفي ظل هذا الواقع، تبرز أهمية التعاون الأمني الإقليمي، حيث أن تهريب المخدرات يتخذ طابعا عابرا للحدود، مستفيدا من التوترات السياسية وضعف الرقابة الحدودية في بعض المناطق، الأمر الذي يستدعي تكثيف الجهود المشتركة لتعزيز الأمن ومكافحة هذه الظاهرة المتنامية.

وإذا ما نظرنا إلى العوامل التي تساهم في تفشي الظاهرة، نجد أن تعاطي المخدرات يرتبط بأوضاع اقتصادية متأزمة، وغياب الفرص، والهشاشة الاجتماعية، مما يجعل الشباب أكثر عرضة للوقوع في هذه الدوامة، وتشير الدراسات إلى أن البطالة والتهميش يلعبان دورا حاسما في دفع الأفراد نحو تجربة المواد المخدرة، التي سرعان ما تتحول إلى إدمان مزمن في غياب برامج علاجية فعالة. ومن هنا، تتأكد الحاجة إلى سياسات اجتماعية شاملة تهدف إلى توفير بدائل اقتصادية وثقافية للشباب، إلى جانب تعزيز دور المؤسسات التعليمية في نشر الوعي حول مخاطر الإدمان، وهو ما قد يسهم في الحد من انتشار الظاهرة داخل الفئات الأكثر هشاشة.
   وفي سياق متصل، يزداد خطر المخدرات حين يصبح الأطفال والمراهقون مستهدفين بشكل متعمد من قبل شبكات الترويج، ما يضع المشرعين أمام معضلة قانونية تتعلق بكيفية التعامل مع هذه الفئة. ففي فرنسا، توجد آليات حماية خاصة تهدف إلى إدماج الأطفال المدمنين في برامج علاجية بدلا من إخضاعهم للعقوبات التقليدية، فيما تسعى الدول المغاربية إلى التفرقة بين البالغين والقصر في القوانين، غير أن التطبيق العملي لهذه النصوص لا يزال يواجه تحديات كبيرة نتيجة ضعف الموارد وضعف التنسيق بين القطاعات الصحية والاجتماعية والقضائية، مما يتطلب تعزيز الجهود المشتركة بين مختلف المتدخلين لضمان حماية الأطفال والمراهقين من هذا الخطر المتفاقم.

وما يزيد الأمر تعقيدا هو أن تجارة المخدرات لم تعد تقتصر على الأساليب التقليدية، بل شهدت السنوات الأخيرة تحولا نوعيا في طرق الاتجار، حيث أصبحت المنصات الرقمية وسيلة رئيسية لتوزيع المواد المخدرة، مستغلة ثغرات القوانين التي لم تواكب هذا التطور السريع. وفي هذا الصدد، اتخذت فرنسا خطوات متقدمة لوضع إطار قانوني لمكافحة الاتجار الرقمي بالمخدرات عبر تتبع الأنشطة المشبوهة على الإنترنت المظلم وتطبيق عقوبات صارمة على الجرائم الإلكترونية المرتبطة بتجارة المخدرات، بينما لا تزال التشريعات في تونس والجزائر وليبيا بحاجة إلى تحديث لمواجهة هذا التحدي المستجد، الذي يفرض نفسه كأحد أخطر أوجه الجريمة المنظمة في العصر الرقمي.

وأمام هذا الواقع، يصبح من الضروري اعتماد مقاربة متكاملة لا تقتصر على العقوبات الزجرية فقط، بل تشمل الوقاية المبكرة، تعزيز دور المؤسسات التربوية، وتوسيع نطاق برامج العلاج والتأهيل، فالتجارب الدولية تثبت أن النهج الأكثر فعالية هو الذي يدمج بين الردع القانوني والمرافقة النفسية والاجتماعية، بهدف إعادة إدماج المدمنين في المجتمع وتقليل نسب الإدمان بشكل مستدام، مما يفرض على الحكومات تبني سياسات أكثر توازنا تجمع بين الردع والحماية، بما يضمن للشباب فرصة حقيقية لتجاوز أزماتهم بدلًا من دفعهم إلى مزيد من الانحراف والتهميش.

وتأسيسا على ما سبق، فإن التعامل مع هذه الظاهرة يتطلب إرادة سياسية واضحة، وتنسيقا محكما بين مختلف الفاعلين، من أجل صياغة سياسات تراعي الأبعاد القانونية، الأمنية، والاجتماعية، وتضع الشباب في صلب اهتماماتها، ليس فقط كهدف للعقوبات، بل كعنصر يحتاج إلى الدعم والحماية لمواجهة هذه التحديات المعقدة.

آخر الأخبار

مهرجان موسيقى الطفولة في دورته التأسيسية: احتفاء بالمواهب الناشئة في تونس

مهرجان موسيقى الطفولة في دورته التأسيسية: احتفاء بالمواهب الناشئة في تونس

محمد علي معالج مدربًا جديدًا لشبيبة العمران

محمد علي معالج مدربًا جديدًا لشبيبة العمران

"الرافل" على الوطنية الأولى في رمضان: دراما تاريخية مستوحاة من قصة حقيقية

"الرافل" على الوطنية الأولى في رمضان: دراما تاريخية مستوحاة من قصة حقيقية

الملتقى العلمي الأول لأخصائيي علم النفس الحركي: نحو تشخيص دقيق لتحقيق التوازن الجسدي للأطفال

الملتقى العلمي الأول لأخصائيي علم النفس الحركي: نحو تشخيص دقيق لتحقيق التوازن الجسدي للأطفال

جندوبة تحتضن الملتقى الجهوي حول الشركات الأهلية: نحو ديناميكية تنموية جديدة

جندوبة تحتضن الملتقى الجهوي حول الشركات الأهلية: نحو ديناميكية تنموية جديدة

Please publish modules in offcanvas position.