سيدي بوزيد – توانسة
في حادثة أعادت فتح ملف البنية التحتية المتردّية للمدارس الريفية، أُصيب تلميذان بالمدرسة الابتدائية "المصابحية" بمعتمدية سوق الجديد من ولاية سيدي بوزيد، إثر انهيار جدار مشربة حديثة البناء، وذلك أثناء تواجدهما بالقرب منها لشرب الماء. الحادث لم يُسفر عن وفيات، لكنه خلف ذعراً واسعاً في صفوف الأولياء والإطار التربوي، وأعاد طرح السؤال الأهم: من يراقب جودة ما يُنجز لفائدة أبنائنا؟
جدار حديث البناء ينهار بعد ثلاث سنوات فقط
وفق ما أفاد به المندوب الجهوي للتربية، مراد الزواغي، فإن الجدار المنهار يُعد جزءاً من وحدة صحية تم إنشاؤها منذ أقل من ثلاث سنوات. وأضاف أن التلميذة فقدت وعيها نتيجة الخوف والصدمة، في حين تعرض زميلها لكدمات. وقد تم نقلهما إلى المستشفى المحلي، وأكّد الفريق الطبي أن حالتهما مستقرة.
لكنّ الوقائع على الأرض تطرح تساؤلات مقلقة: كيف ينهار جدار لم يمضِ على بنائه سوى ثلاث سنوات؟ هل هو سوء دراسة؟ أم ضعف رقابة؟ أم أن الغش في البناء بلغ درجة من الخطورة أصبح معها التلاميذ في مواجهة الموت داخل مؤسساتهم التربوية؟
أولياء غاضبون... ومطالب بالتحقيق والمحاسبة
صرّح أحد أولياء التلاميذ لمراسلنا قائلاً:
"أرسلنا أبناءنا إلى المدرسة ليطلبوا العلم، لا ليُدفنوا تحت الركام. الجدار انهار دون سابق إنذار، وهذا يؤكّد أن به عيباً خطيراً. نحن نطالب بفتح تحقيق وتحميل المسؤوليات لكل من تسبب في هذا الخطر".
في السياق ذاته، عبّر عدد من الإطار التربوي عن قلقهم من حالة بقية المرافق، مشيرين إلى أن المدرسة نفسها تحتوي على أقسام وساحات تعاني من تشققات واضحة، وغياب شبه تام لأعمال الصيانة الدورية.
المدارس الريفية في تونس... واقع هشّ وصامت
ليست هذه الحادثة سوى واحدة من سلسلة طويلة من الحوادث التي شهدتها المدارس الريفية التونسية، حيث تُعاني مؤسسات التعليم الابتدائي، خاصة في المناطق الداخلية، من ضعف البنية التحتية، وغياب التجهيزات الأساسية، وتراكم سنوات من الإهمال.
وقد كشفت تقارير سابقة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن أكثر من 700 مدرسة عمومية في تونس تفتقر إلى أدنى شروط السلامة الهندسية والصحية، خاصة في ولايات مثل سيدي بوزيد، القصرين، وقفصة.
الغش في البناء... حين تصبح الأرواح ضحية الصفقات المشبوهة
يشير عدد من المتابعين إلى أن الغش في إنجاز مشاريع البنية التحتية المدرسية أصبح شبه ممنهج، في ظل غياب رقابة صارمة، وتفويض مشاريع عمومية إلى مقاولين لا يحترمون المعايير الفنية. بعضهم يختار أرخص المواد وأكثرها هشاشة، لخفض التكاليف وتحقيق أرباح سريعة، فيما تغضّ السلطات الطرف عن نتائج ذلك، حتى تقع الكارثة.
المسؤولية المشتركة... ولكن من يُحاسب؟
يتساءل الرأي العام اليوم: من يتحمل المسؤولية؟ هل هي وزارة التربية بصفتها الجهة المشرفة على المنشآت التربوية؟ أم المندوبية الجهوية التي أشرفت على الأشغال؟ أم المقاول الذي أنجز المشروع؟ أم الجميع في آن واحد؟
غياب المساءلة، والتلكّؤ في كشف الحقائق، كلها عوامل تجعل التلميذ التونسي في المدارس الريفية يعيش تحت تهديد دائم، وتحوّل الحرم التربوي من فضاء آمن للتعلّم إلى بيئة محفوفة بالمخاطر.
... إلى متى يبقى الطفل التونسي ضحية الهشاشة؟
انهيار جدار مشربة على تلميذين يجب أن لا يُطوى بسرعة، بل ينبغي أن يكون نقطة تحوّل تدفع نحو فتح ملفات الغش، ومحاسبة المسؤولين، وإعادة الاعتبار لكرامة التلميذ في المناطق الداخلية. فالمطلوب ليس فقط تعهد الجدران المتصدعة، بل ترميم الثقة في المدرسة العمومية نفسها، حتى لا يتحوّل كل صباح مدرسي إلى مغامرة غير مضمونة العواقب.
