اختر لغتك

تجريم الاتجار بالأشخاص في القانون التونسي

تجريم الاتجار بالأشخاص في القانون التونسي - تحديد عناصر تجريم الاتجار بالأشخاص في القوانين الوطنية

تحديد عناصر تجريم الاتجار بالأشخاص في القوانين الوطنية 
 
يضع الدستور والمعاهدات الداخلية المبادئ العامة لمكافحة الجرائم المتعلقة بالإتجار بالأشخاص، ويبقى من خصوصيات القوانين الجنائية الوطنية تحديد عناصر التحريم التجريم بناء على قواعد محددة وأكثر دقة، باعتبار أنه لا يمكن الخروج عن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات. وعلى غرار أغلب الجرائم تتكون الجريمة في صورة توفر ركنين أساسيين يتمثل الأول في ضرورة وجود الركن المادي (أ)، ولات يكفي توفر هذا الركن، إلا إذا توفر عنصر القصد الجنائي (ب).
 
 
أ- ضرورة وجود الركن المادي لجريمة الإتجار بالأشخاص 
 
تحدث جريمة الإتجار بالأشخاص تحدث بأفعال متعددة، ولكن يكفي ارتكاب فعل واحد ليكون جريمة مستقلة بذاتها. وبالرجوع إلى البروتوكول المتعلق بمنع وقمع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص و خاصة النساء والأطفال المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة، فإننا نجد المادة الثالثة فقرة "أ" التي تحصر الأفعال الإجرامية للسلوك المكون للركن المادي لهذه الجريمة، ومن خلال ذلك تتم صياغة المفهوم القانوني لمصطلح الإتجار  بالأشخاص. وفي هذا الصدد تنص المادة 3 من نفس البروتوكول على تعداد الأفعال المكونة للركن المادي لهذه الجريمة، وهي تالية : التجنيد، النقل، التنقيل، والإيواء والاستقبال التي يعتبرها ركنا ماديا لجريمة الإتجار بالأشخاص ويقصد بالتجنيد تطويع الأشخاص داخل الحدود الوطنية أو خارجها سواء تم ذلك عن طريق استخدام وسائل قسرية أو غير قسرية بقصد الإتجار بهم. ومن بين الجرائم التي تم رصدها في ميدان الاتجار بالأشخاص، بالرجوع إلى التقارير التي أعدتها منظمة اليونيسيف سنة 2000، نجد ما يقارب 200 ألف طفل دون سن الثامنة عشرة يشاركون في نزاعات مسلحة في مختلف مناطق العالم حيث يقع تجنيدهم قسرا أو عبر حملات الدمغجة و غسل الدماغ و يعد تجنيد الأطفال و استغلالهم أخطر أنواع الإتجار بالأشخاص لما ينطوي عليه من انتهاك لحقوق الطفل كالحق في التعليم والصحة والحياة بكرامة. 
 
وبناء على ما تقدم ينص نفس البروتوكول على الأفعال المادية التي تدخل في خانة التجريم وهي أفعال النقل والتنقيل، ويعتبر التنقيل أكثر من صورة إجرامية، من ذلك التنقيل مع البيع أو التنقيل مع الشراء. ويختلف ذلك عن بيع وشراء الأشخاص، علما وأن هذه الأنشطة وقع تجريمها في التشريعين الوطنيين التونسي والبلجيكي. 
 
ويمكن التمييز بين النقل ترانسبور والتنقيل ترانسفار، إذ يتعلق النقل تراسبور، بتحويل الأشخاص من مكان إلى آخر، وفي المقابل يتمثل التنقيل ترانسفار بإنتقال وتحويل الملكية من شخص إلى شخص آخر. كما تم اعتبار أفعال الإيواء من الأركان المادية لجريمة الاتجار بالبشر. ويتمثل الإيواء في توفير الإقامة لضحايا الإتجار في بلد المقصد، وتزويدهم بالطعام والشراب مثلا.
 
وتتشابه التشريعات الوطنية في تحديد الركن المادي لجريمة الاتجار بالأشخاص، بخصوص فعل الإيواء، على غرار القانون الجنائي البلجيكي والفرنسي والجزائري والمصري والقانون التونسي. ويقع تحديد ذلك تطبيقا لبروتوكول منع وقمع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لسنة 2000، الذي يحدد ذلك حسب ما يهدف إليه الفعل الإجرامي وهو الإتجار بالأشخاص.
 
وربما يوجد بعض الاختلاف في التشريع التونسي الذي يضيف إلى الركن المادي إلى جانب أفعال التجنيد والنقل والتنقيل والايواء والاستقبال، أفعال مادية أخرى من ذلك فعل الاستقطاب. ويتمثل الاستقطاب في عملية تمكن من جذب الأشخاص ويعرف كذلك بكونه عملية البحث عن الموارد البشرية التي تحتاجها المنظمة في سوق العمل وبالرجوع إلى مفهوم جريمة الإتجار بالأشخاص فإن استقطاب الأشخاص يعني استدراجهم كإيهامهم بمستقبل أفضل والتمتع  بعيش رفيه أو إيهامهم  بالحصول على عمل وجلبهم بغاية استغلالهم وتطويعهم واستخدامهم كسلع قابلة للتداول لجني الأرباح حيث تكون الضحية خاضعة للجاني تنفذه أوامره نتيجة للسيطرة عليها. 
 
ولم يقتصر المشرع التونسي على ذلك بل قام بتجريم الأفعال التي لها صلة بالإتجار بالأشخاص ومنها إعداد محل لاجتماع أعضاء جماعة إجرامية منظمة أو وفاق أو أشخاص لهم علاقة بالإتجار أو إيوائهم أو إخفائهم أو ضمان فرارهم أو عدم التوصل للكشف عنهم أو عدم عقابهم أو على الاستفادة بمحصول أفعالهم توفير بأي وسيلة كانت أموالا أو أسلحة أو مواد أو معدات أو وسائل نقل أو تجهيزات مؤونة أو خدمات لفائدتها أو وفاق لفائدة أشخاص لهم علاقة بجرائم الإتجار بالأشخاص وكذلك إرشاد أو تدبير أو تسهيل أو مساعدة أو التوسط أو التنظيم بأي وسيلة كانت ولو بدون مقابل دخول شخص إلى التراب التونسي أو مغادرته بصفة قانونية أو خلسة سواء تم ذلك برا أو بحرا أو جوا من نقاط العبور أو غيرها بهدف ارتكاب إحدى جرائم الإتجار بالأشخاص  إضافة إلى تجريم وضع كفاءات أو خبرات على ذمتها وكذلك إفشاء أو توفير أو نشر معلومات مباشرة أو بواسطة وصنع وافتعال وثائق هوية أو سفر أو إقامة أو غير ذلك من الرخص أو الشهادات المذكورة بالفصول 193 و199 م ج. 
 
ويجرم الفصل  12 من القانون  الأساسي لسنة 2016 كل من تعمد استعمال شبكات الاتصال والتواصل الاجتماعي لغرض ارتكاب جرائم الإتجار بالأشخاص. وعلى هذا الأساس يتأكد أن المشرع التونسي وسع في قائمة الأفعال المكونة للركن المادي للجريمة، من أجل تحقيق الردع وفي نفس الوقت مكافحة هذا النوع من الجرائم كما لا تخلو هاته الجريمة من ركن معنوي أساسي لقيامها.
 
 
ب- توفر عنصر القصد الجنائي في جريمة الإتجار بالأشخاص
 
وعلى غرار باقي الجرائم، يمكن القول أن جريمة الاتجار بالأشخاص هي من الجرائم القصدية التي تستوجب توفر القصد الجنائي العام والقصد الجنائي الخاص تستوجب جريمة الإتجار بالأشخاص قيام الركن المعنوي بنوعيه ليتسنى لنا الحديث عليها. ففي خصوص القصد الجنائي العام فيعرفه الفقهاء بكونه ارادة ارتكاب الجريمة مع العلم بالعناصر المكونة لها و هذا القصد إذا هو العلم بكافة عناصر الجريمة مع اتجاه الإرادة إلى السلوك الإجرامي والنتيجة الإجرامية وانطلاقا من هذه الجريمة فإنه لابد من أن تكون إرادة الجاني متجهة الى القيام بالجريمة قصد تحقيق الأرباح والإضرار بالضحية حيث يرى فقه القضاء أن هذه الجريمة تفترض أن يكون الجاني عالما بأن الفعل الذي يرتكبه هو جريمة ومع ذلك يقدم على ذلك الفعل بحيث تكون نيته متجهة نحو الاضرار بالضحية لكن ما يطرح جدلا حقيقيا هو القصد الجنائي الخاص حيث يصعب الكشف عن هذا القصد خاصة إذا ما وقع ارتكاب الجريمة تحت غطاء قانوني مثال الطبيب الذي يقوم مثلا بسرقة أعضاء المريض أثناء القيام بعملية جراحية بغرض الاتجار بها فيصعب هنا إثبات الجريمة خاصة أن الطبيب ملتزم ببذل عناية وليس بتحقيق نتيجة وبالتالي فإنه يصعب إثبات نية القيام بالجريمة من عدمها وبالتالي تتولد مسؤولية مدنية فقط للطبيب ويسهل التقصي من العقاب الجزائي تحت غطاء قانوني تشريعي يحميه ففي هاته الحالة يصعب تحديد الجرائم كما أن هاته الجريمة تتداخل مع عدة أنشطة إنسانية فيسهل بذلك لمرتكبي هاته الجرائم القيام بجرائمهم عند العمل باسم منظمة مثال الهلال الأحمر التي توفر مساعدات لحماية ضحايا الحروب وغيرها وفي هاته الحالة وخاصة زمن الفوضى والحروب تنتعش مثل هاته الجرائم ويسهل على مرتكبيها القيام بها مثال الدخول مع منظمة إيهاما بالقيام بعمل إنساني لإنقاذ ضحايا الحروب لكن يقع القيام بدور عكسي للإنقاذ وبالتالي ارتكاب جرائم الإتجار بالأشخاص لذلك فإن انتعاش هاته الجرائم في حالة الحروب يجعل من مهمة الكشف عن حقيقة هاته الجرائم مهمة صعبة للغاية فحتى وان وقع الكشف عن مرتكبيها فسيقع التفصي من العقاب تحت غطاء تشريعي أممي قانوني كذلك هنالك أنواع من عقود الشغل التي تطرح عدة نقاط استفهام كعقود شركات الخدمات مثال جلب عاملات منازل ثم تقوم بكرائهن فهذا نشاط مباح ينتفي فيه ركن التجريم لكنه نوع من أنواع الاتجار بالأشخاص الذي يصعب اثبات الجريمة فيه كذلك عقود تشغيل الأفارقة بالبلاد التونسية الذين يقع جلبهم من أجل العمل بأدنى الأجور المحددة بالنسبة للمواطن التونسي وبالتالي فإن هذا نوع من أنواع الاتجار بالبشر الذي يمنعه قانون مكافحة التمييز العنصري الا يعد ذلك تمييزا اقتصاديا واتجارا بالأشخاص.
 
ولكن من الممكن أن تطرح صعوبة على أرض الواقع تتعلق بالقصد الجنائي الخاص، إذ يصعب في بعض الأحيان التأكد من توفر اتجاه النية إلى ارتكاب فعل معين بذاته، خاصة إذا تعلق الأمر ببعض العقود التي تحول دون إثبات اتجاه نية مرتكب جريمة الاتجار الأشخاص عندما تكون ممارسة الفعل الإجرامي تحت غطاء قانونية. 
 
وتبلغ الصعوبة حدها عندما يتداخل العمل الإنساني مع الفعل الفعل الأجرام، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بالعقود الطبية، التي قد تكون من الأسباب القانونية التي تفتح الباب للتفصي من العقاب. وأبرز مثال على ذلك أن تقع عملية البيع والشراء في شكل عمليات تبرع بالأعضاء. وفي هذا الموضع يصعب إثبات نية الشخص في التبرع بأعضائه أو المتاجرة بها. ويمكن الإشارة في التطبيق أن الحصول على الدم من الأفراد يكون في شكل عمليات تبرع دون مقابل، إلا أنه في غالب الأحيان ما يقع بيع ذلك بمقابل مادي سواء في المصحات أو المستشفيات العمومية في عديد البلدان.
 
فالدم يقع بيعه و شراؤه دون أن يقع الانتباه إلى ذلك سواء على مستوى تشريعي، وخاصة على مستوى التطبيق، فإنه من السهل التفصي من مثل هذه الأفعال التي يجرمها القانون، نتيجة عدم التبليغ عنها، خاصة وأن المريض يجد نفسه أمام حتمية خلاص مبالغ مالية دون أن يجد بدا للدفاع عن حقوقه.
 
ويضاف إلى ذلك بعض الممارسات التي أصبحت شائعة خاصة في الأنظمة الديمقراطية التي أصبحت بمناسبة الانتخابات وما أفرزه الواقع من سوق انتخابي أـصبحت فيه الأصوات تباع وتشترى، تحت غطاء تشريعي، فالوصول إلى السلطة أصبح يبيح عديد الأفعال التي يجرمها القانون الانتخابي أو قانون منع الاتجار بالأشخاص. كما أن النساء يتعرضن إلى مختلف أنواع العنف الاقتصادي والاجتماعي، الأمر الذي يجعلهن تحت وطأة الظروف الاجتماعية والاقتصادية يقبلن أجورا زهيدة مقابل العمل الذي يقمن به ويكون أقل بكثير من الأجر الذي يمكن أن يتلقاه الرجل. وفي الحقيقة يصعب تحديد القصد الجنائي الخاص في عديد الأفعال التي يشرعها القانون والتي من الممكن أن تنبئ بوجود نية متجهة إلى ارتكاب الإتجار بالأشخاص نظرا لتداخلها في العديد من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية وكذلك السياسية، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار توسع مسرح جريمة الاتجار بالبشر وعدم توفر الآليات الناجية لمكافحتها على المستويين وطني والدولي.
 
 

آخر الأخبار

هيفاء وهبي تعكس معاناة لبنان في فيديو مؤثر على إنستجرام

هيفاء وهبي تعكس معاناة لبنان في فيديو مؤثر على إنستجرام

12 جثة انتشلت في حادث غرق مركب للهجرة غير النظامية قبالة جزيرة جربة

12 جثة انتشلت في حادث غرق مركب للهجرة غير النظامية قبالة جزيرة جربة

أنطوان غريزمان يعلن اعتزاله دوليًا: قلب مليء بالذكريات

أنطوان غريزمان يعلن اعتزاله دوليًا: قلب مليء بالذكريات

إسرائيل ترفض التسوية مع لبنان وتستعد لعملية عسكرية

إسرائيل ترفض التسوية مع لبنان وتستعد لعملية عسكرية

برج الرومي: فيلم جديد يضيء على معاناة السجناء السياسيين في تونس

برج الرومي: فيلم جديد يضيء على معاناة السجناء السياسيين في تونس

Please publish modules in offcanvas position.