في مدينة المنستير، المدينة الساحلية ذات التاريخ العريق والعلاقة الأزلية بالبحر، تُقام من 22 إلى 24 ماي 2025 فعاليات "المهرجان الدولي للشركاو" تحت عنوان "بابا بحري"، في مبادرة من جمعية الرباط للموروث الغذائي، وبشراكة متعددة تضم: ولاية وبلدية المنستير، والمندوبيتين الجهويتين للشؤون الثقافية والسياحة، الشركة العربية لمارينا المنستير، والغرفة الفتية الاقتصادية، إلى جانب عدد من الجمعيات والنوادي الثقافية والبيئية والرياضية.
هذا المهرجان، الذي يحتفي بسمك الشركاو كعنصر من عناصر الهوية المحلية، يتخذ من مارينا المنستير فضاءً لبرمجة غنية ومتنوعة، تدمج بين المعرفة العلمية، الإبداع الفني، التراث الغذائي، والتوعية البيئية.
افتتاح علمي وثقافي: من التاريخ إلى الواقع
تنطلق فعاليات المهرجان يوم الأربعاء 22 ماي 2025 من قاعة مسك الليل، بكلمة ترحيبية لرئيس جمعية الرباط للموروث الغذائي، تليها كلمة افتتاحية للمندوب الجهوي للشؤون الثقافية. بعدها، يُعرض شريط وثائقي بعنوان "لمحة تاريخية عن مهرجان الشركاو: تعزيز مكانة المنستير كوجهة ثقافية وسياحية"، تشرف عليه الغرفة الفتية الاقتصادية، ويتلوه تقديم دراسة علمية حول صيد الشركاو، ثم مداخلة لباحث في الصيد البحري حول سبل التعاون بين الباحثين والمهنيين التقليديين.
ويتميّز اليوم الأول أيضًا بجملة من المداخلات المتخصصة، منها:
- مداخلة لجمعية "أزرقنا الكبير" حول التهديدات البيئية التي تواجه هذا النوع من السمك.
- مداخلة لأخصائية تغذية حول القيمة الغذائية العالية للشركاو.
- مداخلة للباحث المازري عيسى حول دور المنستير في تعزيز السياحة الثقافية والطهوية انطلاقًا من مواردها البحرية ومطبخها التقليدي.
- تُختتم السهرة باستراحة موسيقية مع جمعية الإبداع الثقافي ببوحجر، في تلاقٍ جميل بين العلم والفن.
يوم للفرجة والذاكرة والذوق
مساء يوم الخميس 23 ماي، تتحول مارينا المنستير إلى مسرح مفتوح للعروض التنشيطية، من خلال:
- كرنفال الطهاة (شيفات جمعية الرباط).
- معرض صور توثيقي لأرشيف المهرجان.
- عرض موسيقي حي، ثم عرض مسرحية "مراحيل" للمخرج الناصر طنبورة، من إنتاج رحالة المسرح بالمنستير.
- عرض أزياء تقليدي تونسي يبرز جمال اللباس المحلي.
- عرض لفنون الدفاع عن النفس (كيوشنكاي) لجمعية النمور ببنبلة.
- عروض السيارات القديمة والدراجات النارية.
- معرض فسيفساء من إنتاج الفنانة أسماء البرقاوي.
- معرض للصناعات التقليدية من جمعية المقدية.
- عرض للرماية من تنظيم نادي الرماية بالمنستير.
- معرض توثيقي لأنواع سمك الشركاو، مسابقة رسم للأطفال، عروض موسيقية، ورشات للطهي، تذوق لكسكسي الشركاو، عرض حلويات تقليدية، وأزياء مغاربية.
- عرض في التعبير الجسماني، تليه منافسة في تنس الطاولة من تنشيط وحدة تنشيط الأحياء بالمنستير.
هذا اليوم هو احتفاء جماهيري مفتوح يُعيد الاعتبار لتراث المدينة ويمنحه بعدًا عصريًا جذّابًا.
يوم ختامي بطابع احتفالي
يُختتم المهرجان يوم الجمعة 24 ماي بمسابقة في إعداد البيتزا، تليها سهرة فنية مع عرض "المحفل الجربي" للفنان شريف علوي، ثم توزيع الجوائز والتكريمات على الفائزين والمشاركين، في لحظة احتفالية تُجسّد روح المهرجان وتكرّس تقاليد الاعتراف والعرفان.
الشركاو: سمكة صغيرة، هوية بحرية كبيرة
الشركاو، هذه السمكة الصغيرة التي لا يتجاوز وزنها 15 غرامًا، ليست مجرّد مورد بحري، بل رمز لهوية غذائية وثقافية في المنستير. تعيش بين الصخور، ويبدأ صيدها في نهاية جوان وبداية جويلية، حين "تسافر" من الجنوب إلى سواحل تونس، لتُصبح جزءًا من وجدان المدينة.
يعرفها المنستيريّون جيدًا، ويُقبلون عليها لتحضير أطباق تقليدية مثل كسكسي بالشركاو أو فطائر الشركاو، وهي أطباق لا تُقدّم فقط للذواقة، بل أيضًا كرمز للكرم المحلي، وكأنها بطاقة هوية بحرية تُعرّف أهل المدينة لضيوفهم.
المهرجان الدولي للشركاو: ثقافة في طبق
من خلال هذه التظاهرة، تؤكد المنستير أن الثقافة لا تقتصر على العروض والندوات، بل تشمل المائدة، البحر، الذكرى، والعادات. وبهذا المعنى، يتحوّل الشركاو من مجرد سمك صغير إلى جسر حضاري يربط بين الذاكرة الجماعية والمستقبل البيئي والغذائي والسياحي للجهة.
