اختر لغتك

سقف السترات الصفراء يضم الفرنسيين بكل اختلافاتهم

سقف السترات الصفراء يضم الفرنسيين بكل اختلافاتهم

سقف السترات الصفراء يضم الفرنسيين بكل اختلافاتهم

ليس غريبا أن يجتمع المواطنون الفرنسيون على مطلب واحد، بما أنه يمس معيشهم اليومي وينحاز لمصالح الأغنياء على حساب الطبقة الفقيرة.
 
 
حدوث أعمال عنف خلال تحركات السترات الصفراء بررها البعض من الفرنسيين بأنها ممارسات لا يمكن أن تصدر إلا من المهمّشين اقتصاديا واجتماعيا، وهم أساسا من الأقليات الذين يجدون صعوبات في الاندماج داخل المجتمع الفرنسي لاعتبارات عديدة، من بينها ما يرتبط بالدين والعقيدة أو ما يتعلق بالهوية واختلاف الثقافة أو غيرها من الأسباب الأخرى.
 
الصور والمشاهد التي بثتها وسائل الإعلام طيلة أيام احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا صدمت العالم دون شك، بعد أن ظهر شارع الشانزيليزيه في العاصمة باريس بكل رمزيته أشبه بأحد شوارع المدن العربية التي تشهد من وقت لآخر أحداث عنف ترافق الاحتجاجات ضد التهميش والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة في تلك البلدان.
 
ولنكن أكثر دقة، فالاحتجاجات التي تشهدها تونس في شهر يناير من كل سنة منذ العام 2011 والتي تتزامن مع الاحتفال بذكرى الثورة التونسية تكون في أغلب الأحيان مصحوبة بأعمال عنف ونهب وتكسير وتخريب لممتلكات عامة وخاصة، لكن هذه الممارسات العنيفة والتخريبية لم تحدث أبدا في شارع الحبيب بورقيبة الشارع الرئيسي في العاصمة التونسية، والذي أصبح يعدّ رمزا للثورة التونسية ومنطلق الربيع العربي.
 
بنفس المنطق تقريبا تناول البعض من الفرنسيين وعدد من وسائل الإعلام المحلية احتجاجات “السترات الصفراء”، فعامل الصدمة من هول الأحداث التي شهدها قلب باريس جعل الأمر صعب التصديق. الفرنسيون اعتادوا أن يسمعوا باحتجاجات وأعمال العنف والتخريب في الأحياء الشعبية في فرنسا وفي ضواحي باريس التي يسكنها في العادة الفقراء، وفي أغلبهم مهاجرون أو فرنسيون من أصول أجنبية. هؤلاء في الكثير من الأحيان يعبرون عن سخطهم باللجوء إلى العنف بهدف لفت الانتباه إليهم والضغط على الحكومة لتلبية احتياجاتهم.
 
هكذا برر البعض العنف الذي تخلل احتجاجات السترات الصفراء أن المسؤولين عن ذلك لا يمكن أن يكونوا من خارج دائرة الأقليات التي تعاني من التهميش وصعوبة الاندماج داخل المجتمع الفرنسي بسبب اختلاف الديانة أو الثقافة. لكن هذا الطرح لا يبدو منطقيا فالأسباب المعلنة لتظاهرات “السترات الصفراء” تتعلق بارتفاع تكاليف المعيشة التي كان اندلاعها تعبيرا غاضبا عن رفض زيادة أسعار الوقود من قبل الحكومة، وهي دوافع تعني كل الفرنسيين بمختلف أطيافهم وانتماءاتهم الثقافية والدينية.
 
الفرنسيون من بين غيرهم من الأوروبيين الأكثر معاناة بسبب ثقل الضرائب على ميزانياتهم الفردية، حيث تزيد قوانين الضرائب من صعوباتهم في تحمل تكاليف المعيشة المرتفعة. لهذه الأسباب تحظى “السترات الصفراء” بالتأييد والدعم المتواصلين من الفرنسيين فوفق أحدث استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة “هاريس إنترأكتيف” يؤيد الاحتجاجات سبعة من بين كل عشرة فرنسيين، وهو عدد ارتفع مقارنة بأرقام قدمت في بداية تنظيم التظاهرات في باريس.
 
ليس غريبا أن يجتمع الفرنسيون على مطلب واحد، بما أنه يمس معيشهم اليومي وينحاز لمصالح الأغنياء على حساب الفقراء. هذه المعطيات أيّدها تصريح المدعي العام الفرنسي ريمي هيتز، الذي أكد أن من بين من تم اعتقالهم على خلفية أحداث العنف التي ارتكبت خلال احتجاجات السبت الماضي أشخاص مدرجون ضمن البرامج الاجتماعية للحكومة. تظاهرات “السترات الصفراء” تتجاوز مجرد التقييمات الضيّقة للبعض من كون من يقف وراءها ليسوا سوى أقليات مهمشة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، بل يعيد الأمور إلى نصابها ويشهر عاليا القيم الأساسية التي قامت عليها الثورة الفرنسية وهي “الحرية والإخاء والمساواة”.
 
هذا ما يريده الفرنسيون المساواة والعدل بين مختلف طبقات المجتمع لا زيادة التفرقة وتعميق الهوة بين الأغنياء والفقراء. صحيح أن البعض من تحركات السترات الصفراء  تخللتها شعارات يمينية متطرفة عنصرية تجاه المهاجرين والأقليات. والبعض من المواد التي تمت مشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي تضمّنت شعارات دينية رفعها شباب مسلمون من أصول عربية.  لكن كل تلك الشعارات باختلاف رافعيها لا يعني أن السواد الأعظم يتبناها بالضبط كما حادثة مهاجمة مهاجرين والتي تم التنديد بها بشدة حتى من داخل السترات الصفراء. فالأمر لا يعدو أن يكون أمرا عاديا وانحرافا معتادا في احتجاجات تضم الآلاف من المشاركين تختلف انتماءاتهم وتتفاوت درجات وعيهم ومستوياتهم الثقافية.
 
ويبقى سقف السترات الصفراء جامعا للفرنسيين الغاضبين من توجّهات حكومتهم التي تزيدهم معاناة على معاناتهم.
 
 
نسرين رمضاني
صحافية تونسية
 

آخر الأخبار

الخدمة الوطنية في تونس بين الواجب والمسؤولية المشتركة

الخدمة الوطنية في تونس بين الواجب والمسؤولية المشتركة

الخلاص من قبضة النرجسي.. كيف تحرر نفسك من سيطرته السامة؟

الخلاص من قبضة النرجسي.. كيف تحرر نفسك من سيطرته السامة؟

الشركات الأهلية في تونس بين الطموح التنموي والتحديات التطبيقية

الشركات الأهلية في تونس بين الطموح التنموي والتحديات التطبيقية

رسمياً: فيصل العروسي يلتحق بالإطار الفني لأكابر شبيبة العمران

رسمياً: فيصل العروسي يلتحق بالإطار الفني لأكابر شبيبة العمران

تريند مايكرو تتربع على عرش الأمن السحابي.. الخيار الأول للعملاء في 2024!

تريند مايكرو تتربع على عرش الأمن السحابي.. الخيار الأول للعملاء في 2024!

Please publish modules in offcanvas position.