الادعاءات بارتكاب جرائم حرب تتزايد لكن إثباتها غير ممكن في المرحلة الحالية.
بروكسل – تحاصر القوات الروسية مدينة ماريوبول ملوحة بتقدم سريع نحو العاصمة كييف، فيما يحذر محللون عسكريون من أن موسكو تسعى لتدمير المدينة الساحلية المطلة على بحر آزوف تدميرا كاملا لبث الرعب في جميع أنحاء أوكرانيا.
وكانت الضربة الجوية الروسية على مستشفى للولادة في مدينة ماريوبول الساحلية في أوكرانيا الأحدث في سلسلة من الهجمات التي دمرت المباني السكنية وقتلت القابعين في منازلهم أو الذين كانوا يمارسون أنشطتهم التجارية اليومية.
ويبدو أن ماريوبول المدينة الساحلية الاستراتيجية الواقعة في جنوب شرق البلاد بين شبه جزيرة القرم ودونباس، غارقة في وضع حرج “ميؤوس منه تقريبا” حسب منظمة أطباء بلا حدود، وهي تفتقر إلى الطعام وسكانها محرومون من الماء والغاز والكهرباء والاتصالات.
وفشلت محاولات لإجلاء مئات الآلاف من المدنيين مرات عدة.
وقال مصدر عسكري فرنسي إن “ماريوبول لا تزال محاصرة. ما لا يمكنهم الحصول عليه بالحرب، يريد الروس الحصول عليه من خلال الجوع واليأس. ولأنهم لا يستطيعون قهر الجيش الأوكراني، فإنهم يستهدفون السكان”.
وتتزايد الادعاءات بارتكاب جرائم حرب، لكن إثباتها غير ممكن في المرحلة الحالية. كما أن التحقيق جار في المحكمة الجنائية الدولية.
ويُقارن استعداد روسيا لاستخدام القوة الساحقة، المتمثلة في القصف الجوي والمدفعي في المناطق المدنية، بالفعل بهجماتها في الشيشان وسوريا.
لكن أي تشابه مع الدمار الذي لحق بالعاصمة الشيشانية غروزني، أو في حلب الواقعة في شمال سوريا، يعتبر سابقا لأوانه في الوقت الحالي، حيث أن الغزو لا يزال في أسبوعه الثالث. ويقول محللون عسكريون إنه بينما وسعت روسيا من استخدامها لقوتها الجوية، فإن قواتها لا توظّف حتى الآن تفوقها الجوي إلى أقصى حد.
وقُتل ما لا يقل عن ثلاثة أشخاص بينهم طفل خلال الغارة الجوية الخميس في ماريوبول. وتساءل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي “أي نوع من الدول هي روسيا الاتحادية التي تخشى المستشفيات، تخشى مستشفيات الولادة وتدمرها؟”.
ووصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ذلك بأنه “صرخات مثيرة للشفقة” من العدو.
وكانت القنابل والقذائف التي تساقطت خلال حربين من 1994 إلى 2000 هي التي دمرت غروزني. وفي أوائل ديسمبر 1999 ألقت الطائرات الروسية منشورات على العاصمة الشيشانية مع إنذار بسيط للمقاتلين المتمردين والمدنيين المتحصنين في المدينة المدمرة مفاده “ارحلوا أو تُدمّرون”.
ودخلت القوات الروسية الجمهورية الانفصالية في سبتمبر من ذلك العام بعد أن تحرك مقاتلو المتمردين الشيشانيين إلى داغستان المجاورة. كما اتُّهم المسلحون بتفجيرات سكنية في مدن روسية خلفت 300 قتيل.
وتعرضت غروزني للقصف لأسابيع لطرد المتمردين المتحصنين. لكن توقعات موسكو الأولية المتفائلة بتحقيق نصر سريع عدّلت حين أدرك القادة أنهم يواجهون حربا أطول وأقسى. وكانت القوة الجوية هي السلاح المفضل. وامتنع الجيش الروسي عن اقتحام غروزني خوفا من أن تؤدي معارك الشوارع إلى خسائر فادحة تكبدتها قواته في المدينة في حرب 1994 – 1996.
وفي جانفي الماضي، ومع اقتراب قوات الكرملين من حدود أوكرانيا، حذر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الشعب الروسي من أن الغزو سيكون “مؤلما وعنيفا ودمويا”، مع قتال شوارع عنيف من نفس النوع، وأشار إلى أنهم يخاطرون برؤية “شيشان جديدة”.
كما ساعدت القوات الجوية الروسية الرئيس بشار الأسد خلال الحرب الأهلية السورية. وقُتل المئات من المدنيين في مدينة حلب.
وفي 2016، بعد القصف الجوي من الطائرات الروسية والسورية وسنوات من القتال في الشوارع، برز مدى الأضرار، حيث تُركت عشرات الآلاف من المنازل غير صالحة للسكن، ونُهبت معظم المصانع أو دُمّرت، وتحولت المعالم القديمة إلى أنقاض.
وقال الخبراء إن تكلفة إعادة البناء ستصل إلى عشرات المليارات من الدولارات وستستغرق سنوات. وكانت المدينة ذات يوم مركزا صناعيا وموطنا لمصانع إنتاج المنسوجات والبلاستيك والمستحضرات الصيدلانية، بينما كان مركزها القديم أحد مواقع التراث العالمي التي جذبت جحافل من السياح.
وليست روسيا الدولة الوحيدة التي تستخدم القوة غير المتناسبة عند إحباط أهدافها العسكرية، حيث تواجه الولايات المتحدة انتقادات شديدة بسبب الهجمات العشوائية في فيتنام والعراق وأفغانستان.
وقال مأمون عبدالكريم رئيس دائرة المتاحف والآثار الحكومية في أواخر 2016 إن حلب “تشبه تلك المدن التي ضربتها الحرب العالمية الثانية”، حيث أثار حجم الدمار مقارنات مع غروزني، أو القصف البريطاني بالقنابل الحارقة على مدينة دريسدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية.
لكن الضرر الذي ألحقته الطائرات الحربية الروسية بحلب وغروزني كان قاسيا، وكان تكتيكا لتجنب الانجرار إلى قتال الشوارع والحد من خسائر القوات.
واندلعت حرب روسيا على أوكرانيا. وننتظر رؤية ما إذا سيتحقق احتمال نشوب قتال في الشوارع من مسافة قريبة.
وقال دوغلاس لوت سفير الولايات المتحدة السابق لدى الناتو لوكالة أسوشيتد برس “قد يبدو هذا وكأنه شيء من العصور الوسطى في ما يتعلق بالمدن المحاصرة والقصف (…) بشدّة غير عادية، وتكتيكات وحشية للغاية، وقصف روسي عشوائي”.