اختر لغتك

 

لا أحد في تونس مستعدا للتفريط في البرلمان لإعادة الانتخابات

لا أحد في تونس مستعدا للتفريط في البرلمان لإعادة الانتخابات

لا أحد في تونس مستعدا للتفريط في البرلمان لإعادة الانتخابات

إكراهات سياسية وذاتية تُجبر كافة الأطراف على تقديم تنازلات لتشكيل الحكومة الجديدة.
 
بعدما أصدرت المحكمة الإدارية في تونس، الاثنين، قراراتها النهائية بشأن نتائج الانتخابات التشريعية، لم يعد الآن أمام الأحزاب الفائزة في هذا الاستحقاق الهام أي مجال لتخوض مشاورات جانبية لتشكيل الحكومة الجديدة قبل حلول المواعيد الهامة وعلى رأسها مناقشة قانون الموازنة العامة. فخلال أسبوعين، تواترت الأنباء عن مختلف السيناريوهات التي سترافق أزمة تشكيل الحكومة، فبعدما رفضت الأحزاب قبول فكرة رئيس حكومة يكون من حركة النهضة، مرّ السجال إلى الحديث عن “حكومة الرئيس” وكذلك عن إمكانية إعادة الانتخابات، ليبقى السؤال المطروح، هل بإمكان تونس أن تشهد لأول مرة في تاريخها إعادة الانتخابات وهل يوجد في البرلمان الجديد من سيتنازل عن منصبه إن اقتضت الحاجة ذلك؟
 
تونس – مرّت الأحزاب التونسية الفائزة بمقاعد في البرلمان الجديد على ضوء ما أفرزته الانتخابات التشريعية إلى المفاوضات الرسمية بشأن تشكيل الحكومة الجديدة التي تم الخوض في شكلها وفي برنامجها وفي من سيكون رئيسها حتى قبل إعلان القضاء الإداري الاثنين عن النتائج النهائية.
 
لقد عاشت تونس منذ إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على وقع سجالات معمّقة بشأن الصعوبات والعراقيل التي رافقت المشاورات غير الرسمية والمغازلات بين الأحزاب وعلى رأسها حركة النهضة صاحبة المرتبة الأولى بـ52 مقعدا والتيار الديمقراطي وحركة الشعب وائتلاف الكرامة وحركة تحيا تونس.
 
أفضت جولة المشاورات الأولية إلى طريق مسدود بعدما تشبّثت حركة النهضة بحقها في تشكيل الحكومة، فيما رفض كل من التيار الديمقراطي وحركة الشعب هذا التصور، طارحين خيارات أخرى من بينها “حكومة إنقاذ” وكذلك “حكومة الرئيس” أي تكليف رئيس الجمهورية قيس سعّيد بتكليف شخصية وطنية لتشكيل الحكومة.
 
خلق هذا الجو المشحون الذي فرضته كل الأحزاب من منطلق لعب أوراق سياسية هدفها تحسين شروط التفاوض إلى حين أن تدق ساعة التشاور المباشر والرسمي، أسئلة عدة لا فقط داخل الطبقة السياسية بل أيضا لدى الناخبين ويبقى على رأسها، إلى أين ستُفضي المشاورات وهل سيتم فعلا المرور إلى المخطط الدستوري الثاني، أي أن يكلف الرئيس قيس سعيّد من يرى فيه القدرة على تشكيل الحكومة؟ وخاصة، هل ستمر تونس فعلا إلى إعادة الانتخابات لأول مرة في تاريخها إن تقطّعت كافة حبال وسبل التوافق على الحكومة؟
 
مع انطلاق المفاوضات الرسمية التي دشّنها لقاء بين ائتلاف الكرامة وحزب التيار الديمقراطي وكذلك لقاء جمع رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبدالكريم الهاروني بنورالدين الطبّوبي الأمين العام لاتحاد الشغل، الثلاثاء في انتظار اجتماع آخر سيكون حاسما بين راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة بيوسف الشاهد، رئيس حزب تحيا تونس، بدأ الحديث عن بوادر انفراج للأزمة قد يظهر في الأيام القليلة القادمة وستفرضه عدة إكراهات سياسية وكذلك إكراهات التوقيت التي تؤرق كل الحاصلين على مقاعد في البرلمان الجديد.
 
وفيما يذهب الكثير من المتابعين إلى التأكيد على أن كل السيناريوهات واردة وأن أوّلها، أن تكون الكلمة الفصل في الشهر القادم إن فشلت المفاوضات بيد الرئيس قيس سعيّد من الناحية الدستورية، فإن البعض الآخر أخذ يناقش فشل الفرضيتين الأولى والثانية وذهب إلى أقصى حدّ بالحديث عن أن مصلحة الوطن تقتضي في حالة الفشل إعادة الانتخابات للحصول على أغلبية برلمانية مريحة تمكن الفائز من أن يشكل حكومته ليحكم.
 
لكن بشأن كل هذا الجدل العقيم والسابق لأوانه، هل يوجد في تونس الآن وبعدما أرهقت ثلاثة مواعيد انتخابية متزامنة الناخبين (انتخابات تشريعية وأخرى رئاسية بدورتين في أقل من شهر ونصف) من هو مستعد للتضحية بمنصبه في البرلمان وإعادة الانتخابات؟
 
على عكس ما تحاول ترويجه حركة النهضة فهي تخشى من أن تفقدها إعادة الانتخابات الحكم
 
الإجابة عن هذا السؤال الأخير، يمكن استكشافها فقط عبر الغوص في العديد من العوامل التي تجعل سيناريو إعادة الانتخابات مستبعدا وذلك بالنظر إلى تراكم عدة عوامل منها ما ستفرضه إكراهات السياسة ومنها ما سيكون ذاتيا بامتياز.
 
إن حركة النهضة تضع في حساباتها إمكانية الذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكّرة، إن عجزت عن تشكيل الحكومة، لكنها تروّج في الوقت نفسه عبر تصريحات قياداتها إلى أنها لا تخشى الوقوع في هذا المأزق، حيث قال أهم قادتها، ومنهم عضو مجلس الشورى ناجي الجمل، إن “إعادة الانتخابات هي أقلّ كلفة على تونس من خمس سنوات عجاف”، وهو موقف دعّمه القيادي في الحركة فتحي العيادي، الذي شدّد من جانبه، على أن “النهضة لا تخشى إعادة الانتخابات في حال اقتضى الأمر ذلك”، مشيرا إلى أن إعادة الانتخابات “ستمنح شرعية أكبر للحركة”.
 
لكن مثل هذه التصريحات بدأت تخفت مع الدخول الجدّي في المفاوضات مع الأحزاب المعنية بالمشاركة في الحكومة القادمة، حيث قال القيادي بالنهضة محمد بن سالم الثلاثاء، إن “التفكير في إعادة الانتخابات قلة مسؤولية وعدم احترام لتوجهات الناخب”.
 
وعلى عكس ما تروّجه الحركة، فإنها تخشى أيضا الوقوع في هذا المطب الذي قد يُنهي أحلامها في حكم تونس، فهي تضع الآن نصب أعينها، ما يمكن أن يُحاك من سيناريوهات إن تمت فعلا إعادة الانتخابات وعلى رأسها، ما يدور في الكواليس عن رغبة مجموعة من المقربين من الرئيس قيس سعيّد في تكوين حزب سياسي قد يكون هو عنوان المرحلة القادمة وقد ينزل بثقله في الانتخابات التشريعية المبكرة إن تواصل الانسداد السياسي.
 
ولدى حركة النهضة توجّسات أخرى، يبقى على رأسها رصيد الشعبية الهام الذي حصّله قيس سعيّد في الانتخابات الرئاسية، علاوة على ضغوط اتحاد الشغل الذي يدفع إلى وجوب تشكيل حكومة في أسرع وقت وفق ما جاء في أغلب التصريحات الأخيرة لأمينه العام نورالدين الطبّوبي.
 
يضغط اتحاد الشغل لوجوب تشكيل حكومة لا تكون فيها بعض الوجوه التي تُكنّ حقدا للمنظمة ومنها ائتلاف الكرامة المكوّن أساسا من وجوه سلفية معروفة بخطاباتها المتشددة. وتبرر المنظمة الشغيلة رغبتها هذه بكون الدولة مضبوطة بروزنامة ومواعيد هامة منها مناقشة قانون الموازنة المالية، وكذلك جلسات التفاوض مع الحكومة حول الزيادات بالقطاعين العام والخاص.
 
وأفادت مصادر مطلعة، أنه بعدما تم تأجيل لقاء كان سيجمع الطبّوبي بالغنوشي الاثنين، تم الاتفاق على أن يلتقي رئيس شورى حركة النهضة بالأمين العام للمنظمة الذي أبلغ الغنوشي سابقا خلال بعض المشاورات بوجوب تشكيل الحكومة في أسرع وقت.
 
وفي ذات الصدد، سيجتمع راشد الغنوشي في نهاية الأسبوع بقيادات حزب تحيا تونس الذي يقوده رئيس الحكومة يوسف الشاهد والذي من غير المستبعد أن يتم الاتفاق معه على أرضية مشتركة يدخل عبرها للحكومة القادمة أو يدعمها.
 
أما في ما يتعلّق بالجانب الذاتي، فإنه وبإجماع في تونس، لا يوجد اليوم أي طرف أو أي نائب جديد دخل البرلمان مستعد للتخلّي عن منصبه في قادم الأيام تحت يافطة مصلحة البلاد وإعادة الانتخابات كي تفرز توجهات الشعب من جديد أغلبية برلمانية لفائدة حزب معيّن تمكنه من تشكيل الحكومة بأريحية ومن فرض برامجه وتصوراته في السنوات الخمس القادمة.
 
ويتشبّث كل طرف من جهته، بالدفاع عن حقّه في تمثيل الشعب داخل البرلمان، ليس فقط لأداء مهامه التي أوكلها له الشعب، بل أيضا لما يكتنزه هذا المنصب الهام من فوائد وامتيازات أبرزها الحصانة البرلمانية، التي أثير حولها مؤخرا الكثير من الجدل، لكن في النهاية فإن الجميع بات يدفع للمحافظة على هذه الصلاحية الدستورية لفائدة النائب بترويج شعارات “ليس كل من دخل البرلمان هو بالضرورة فاسد أو متعلّقة به شبهات فساد”.
 
وقبل هذا الجدل، وتحديدا خلال الحملة الانتخابية للتشريعية، كثر الحديث في تلك الفترة عن تعمّد بعض رجال الأعمال والمهرّبين الدخول للبرلمان فقط للحصول على الحصانة التي تجعلهم فوق كل قانون بسبب تراكم الشبهات والقضايا التي تلاحقهم بتهم تبييض الأموال وكذلك التهريب والتهرّب الجبائي.
 
 
وسام حمدي
صحافي تونسي
 

Please publish modules in offcanvas position.