الغنوشي يجمد قياديا للتغطية على فشله بدل الاستجابة لدعوات الاستقالة.
تونس – قالت أوساط تونسية مقربة من حركة النهضة الإسلامية إن البيان الذي أصدرته الأربعاء واعترفت فيه بتحمّل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع خلال فترات حكمها يعمق أزمة الحركة سياسيا وأخلاقيا، وإن النقد الذاتي لا يعني كتابة بيان مقتضب للاعتراف بالخطأ أو تجميد عضوية قيادي بارز مثل عماد الحمامي الذي ظل لسنوات ينفذ قرارات رئيس الحركة راشد الغنوشي ويلتزم بتعليماته.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن البيان جاء مناورًا في صيغته؛ فقد برر الاعتراف بالمسؤولية عن تردي الأوضاع التي عاشتها البلاد بأن الحركة لم تفشل وحدها وأن الفشل تتحمله أطراف أخرى “بحسب حجمها في المشاركة في الحكم وإدارة البلاد”. وهو ما يعني آليا أن الحركة لا تريد الاعتراف بمسؤوليتها عن الأزمات السياسية والاقتصادية والصحية والأمنية التي وصلت إليها البلاد، وهي التي كانت الحزب الرئيسي في كل الحكومات سواء بشكل مباشر أو من وراء الستار.
وقال البيان إن النهضة “تتفهم غضب الشارع ومستعدة للتقييم الجدي والموضوعي وإجراء مراجعات عميقة خلال مؤتمرها القادم بما يحقق التجديد في الرؤية والبرامج وفتح الآفاق أمام الشباب لتطوير الحركة”.
ويقول مراقبون إن الاعتراف بالفشل الذي جاء في البيان، بالرغم من صيغته الضبابية، يظهر أن الرئيس قيس سعيد كان على حق حين اتخذ إجراءات الخامس والعشرين من يوليو التي كان أساسها تجميد البرلمان وحل الحكومة، وكلاهما كانت تسيطر عليه النهضة. وأضافوا أن هذا الاعتراف يجعل مواقف الحركة التي استهدفت الرئيس سعيد باطلة وغير مسؤولة.
ويذكر المراقبون أن البيان “المخاتل” يهدف إلى امتصاص حالة الغضب الشعبي والسياسي المتزايدة على الحركة وتحميلها مسؤولية الوضع الصعب الذي تعيشه البلاد والمطالبة بفتح ملفات قضائية لتحديد المتسبّبين في الفساد والاغتيالات.
ويلفت هؤلاء إلى أن البيان فيه رسالة غير مباشرة إلى الرئيس قيس سعيد يفيد فحواها بأن الحركة لا تريد أن تنافسه أو تواجهه، وأنها تعيش خلافات داخلية لن تحسم قبل عقد مؤتمرها الذي لا يعرف متى يعقد وتحت أي شروط؟ وهل سيفرض فيه الغنوشي التجديد لنفسه مستفيدا من الارتباك الذي تعيشه الحركة؟
وقال أمين عام التيار الديمقراطي غازي الشواشي إن “حركة النهضة أكبر طرف يتحمل مسؤولية الفشل، لأنها كانت موجودة في كل الحكومات المتعاقبة، وكانت هي الطرف القوي”.
وأضاف الشواشي أن “الجميع يعرف أن النهضة لا تحمل مشروعا، وأن بيان الاعتراف بالفشل هو مناورة سياسية، بل المطلوب أن تكون هناك مراجعات، والمعارك لا تزال موجودة داخل هياكل الحزب”.
ويظهر البيان أن النهضة، التي توقفت عن أي نشاط في الفترة الأخيرة، تعيش حالة من الارتباك السياسي؛ فلا هي نجحت في قرارها مواجهة قيس سعيد، ولا هي نجحت في التهدئة، خاصة أن الرئيس سعيد قد قابل مساعيها لفتح قنوات التواصل بإهمال واضح، وهو لا يفوّت فرَص توجيه انتقادات لاذعة للحركة تصريحا أو تلميحا.
كما وضعت تصريحات الرئيس الأخيرة بشأن الاغتيالات ضغوطا على حركة النهضة خاصة حين قال”بالنسبة إلى هؤلاء الذين يتحدثون آناء الليل وأطراف النهار ويتعرضون للأعراض ويكذبون ويقولون إن مرجعيتهم هي الإسلام، أين هم من الإسلام ومن مقاصد الإسلام؟ كيف يتعرضون لأعراض النساء والرجال ويكذبون؟”.
وما يحرج حركة النهضة هو أن الاتهامات الرئاسية تضرب في الصميم الصورة التي تريد أن تقدّمها عن نفسها كحركة سياسية تؤمن بالديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة.
كما تعيش الحركة حالة من القلق بسبب التغييرات الإقليمية التي قد تقود داعميها (وخاصة تركيا وقطر) إلى تغيير مواقفهم بشكل جذري تجاهها بعد لقاءات المصالحة المختلفة، وقد تعيش وضعا مشابها لما يعيشه الإخوان في مصر الذين بدأت تركيا تتخلى عنهم.
ولئن كان الاعتراف المخاتل خارجيا يهدف إلى التهدئة وتخفيف الضغط عن الحركة فإن الغنوشي يسعى داخل الحركة لتحميل غيره مسؤولية ما جرى بالرغم من تعالي أصوات قيادات وجمهور النهضة التي تدعوه إلى إعلان استقالته وفسح المجال لقيادة جديدة تصلح المسار الذي جعلها هدفا أوّل للغضب الشعبي.
وكان الغنوشي أعفى كل أعضاء المكتب التنفيذي للحركة، وعددهم 32 عضوا، وقرر إعادة تشكيل المكتب بما “يستجيب لمقتضيات المرحلة”. ولاحقا بدأ بحملة لإقالة القيادات التي أعلنت معارضتها لتصريحاته الصدامية تجاه قيس سعيد، وأول الضحايا عماد الحمامي الذي كان أقرب المقربين إلى الغنوشي وأسندت إليه عدة مناصب في حركة النهضة، وخلال الحكومات المتعاقبة تقلد بعض الحقائب الوزارية.
وجمد الغنوشي عضوية عماد الحمامي في النهضة على خلفية “تكرار تجاوزاته لسياسات الحركة”، في خطوة قال مراقبون إنها ردة فعل على ما قاله الحمامي منذ أيام من كلام داعم للرئيس سعيد وناقد لأداء رئيس حركة النهضة.
وقال الحمامي”ما فعله الرئيس (سعيد) صدمة ايجابية، ولا يمكن توصيفه بالانقلاب، وحركة النهضة -وعلى رأسها راشد العنوشي- هي المسؤولة عن ذلك”.
والحمامي هو أحد القياديين المؤثرين في عريضة المئة التي طالبت الغنوشي بالتراجع عن رغبته في الترشح لرئاسة الحركة خلال المؤتمر القادم.
ووصف سيمر ديلو، وهو زعيم مجموعة المئة، قرار تجميد الحمامي بأنه غير قانوني، وأن “الفصل 57 من النظام الداخلي للحركة ينص على التجميد الاحتياطي لمدة شهر قابل للتجديد ولا ينص على التجميد المفتوح”.
واعتبر المحلل السياسي نبيل الرابحي في تصريح لـ”العرب” أن “تجميد الغنوشي للحمامي يعني أنه أصبح في حكم منفرد داخل الحركة، وأنه يريد أن يثبت أنه ما زال الحاكم الفعلي والحقيقي في الحزب”.