الصفحة 5 من 5
فرضيات الضغط
عوض بحث الجذور العميقة للأزمة، كان من الأسهل للمتحدثين شخصنة التطورات في تونس بالتركيز على سعيّد وسبل التأثير عليه.
وكان أحد الأسئلة الأساسية المطروحة على الخبراء في جلسة الاستماع، هو هل أن الضغط ناجع من أجل تغيير سياسات الرئيس التونسي، وما هي السبل الأفضل لذلك.
أظهرت الإجابات اختلافا حول السبل المقترحة وإن كان هناك توافق على اعتبار الأحكام الاستثنائية في تونس “انزلاقا” زاغ بتونس عن مسارها الانتقالي.
وليس من الغريب أن تتواءم منطلقات السلطة التشريعية الأميركية مع أهداف الأجهزة التنفيذية للدولة لما يتعلق الأمر بالخيارات الاستراتيجية ومصالح الأمن القومي الأميركية، التي ليس فيها خلاف كبير. في مثل هذه الحالة يكون الاختلاف عادة حول السبل الكفيلة بالحفاظ على هذه المصالح.
قالت أليكسيس آرياف إنه “ليس من الواضح إلى أي درجة يمكن أن تمثل المساعدة الأميركية وسيلة ضغط (على تونس) فليس هناك من أدلة على أن الرئيس قيس سعيّد يتأثر بالضغط أو بالتشجيع الخارجي”. كما “أن الولايات المتحدة ليست الفاعل الخارجي الوحيد أو الأكثر تأثيرا في تونس، فالاتحاد الأوروبي هو أول المانحين والشركاء التجاريين لتونس كما أن لدول الخليج وتركيا مساعي هناك للتأثير والمساعدة والاستثمار”.
أما موقف الخبير إيلي أبوعون مسؤول الشرق الأوسط في المعهد الأميركي للسلام، فقد تضمن احترازات بخصوص فرضيات الضغط على تونس، وأعرب عن اعتقاده بأن فرض عقوبات على تونس غير وارد الآن نظرا لغياب خروقات واسعة في مجال حقوق الإنسان.
لذلك، حسب قوله “ليس من مصلحة الولايات المتحدة سحب المساعدة من تونس أو معاقبتها في الوقت الحالي”.
وحذر أبوعون من أن “الضغط المفرط من شأنه زعزعة استقرار تونس والإضرار بشعبها”، مضيفا أنه “من مصلحة الولايات المتحدة أن يكون الضغط على سعيّد موجّها وحازما وهادئا ومتعدد الأطراف”.
على طرف النقيض من أبوعون جاءت توصيات إيدي إيزيفيدو بمثابة النفخ على النار فقد عرض هذا الخبير المخضرم جملة من الإمكانيات ضمن ترسانة كاملة من الوسائل المتاحة للولايات المتحدة إذا ما تواصل ما وصفه “بالانزلاق” في موقف السلطات التونسية.
وقال إنه “يمكن أن نستعمل مقاربة العصا والجزرة”، سواء لتشجيع سعيّد على “إعادة إقرار النظام الديمقراطي” أو اتخاذ جملة من الإجراءات “إن تدهور الوضع”.
وتابع “ولحسن الحظ لدينا الوسائل الكافية لتحقيق تغييرات واعتماد إصلاحات وحماية حقوق الإنسان ومساعدة التونسيين على تحقيق تطلعاتهم الديمقراطية التي أطلقت حركة الربيع العربي منذ عقد مضى”.
ومن الإجراءات الممكنة بالنسبة لواشنطن، حسب قوله “إعادة النظر في مجمل مساعداتها لتونس أو ربطها بشروط”.
ومن الممكن أيضا مراجعة القرار باعتبار تونس حليفا كبيرا خارج الحلف الأطلسي، أو مراجعة برنامج تمويلات المساعدة العسكرية إضافة إلى التعبئة العاجلة لإمكانيات وكالة التنمية الدولية والبرامج الأميركية للمساعدة على الانتقال الديمقراطي، خاصة وأن “الوقت لا يعمل لصالحنا”.
وأشار الخبير أيضا إلى إمكانية تعليق مخصصات برنامج تحدي الألفية التي تتضمن منح تونس ما قيمته 500 مليون دولار. وكذلك استغلال تفاوض تونس مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار. ورأى أن هذا التفاوض “يمثل فرصة هامة لانتزاع تنازلات (من تونس) من أجل إعادة إقرار النظام الديمقراطي”.
كل هذه توصيات تحمل بين طياتها تهديدا مبطنا بإدخال تونس وقيادتها الحالية في منطقة زوابع لا تحتاجها البلاد، وما زال بإمكانها أن تعمل لاجتنابها. إذ لا مفر للسلطات التونسية من الإقرار بما قد يزعجها من المواقف السلبية التي تتبناها بعض دوائر القرار في واشنطن ليس بالضرورة وضعا دائما بل هو نتاج عوامل قابلة للتغيير، ولكن ذلك يحتاج إلى عمل صامت دؤوب وملاءمة بين الاستراتيجيات الداخلية والخارجية. كما أن ما قد يبدو لها مواقف متشنجة أو مبالغ فيها فهو انعكاس لتوازنات سياسية وحزبية أميركية لا يجب أن تكون تونس ضحية لها.
ويرى المراقبون أن الزيارات القادمة المرتقبة لمسؤولين أميركيين لتونس ستكون فرصة لتهدئة التوتر في العلاقة مع دوائر القرار في واشنطن بما يسمح للبلاد التفرغ لمعالجة أزماتها، وليس الدخول في مواجهات يسعى البعض لفرضها بغض النظر على انعكاساتها على المصالح الحيوية لتونس وشعبها.