الصفحة 3 من 5
التجريف البشري الحضاري
كان سليم يعي ما يفعله، يدمّر حضارة. والنهب، على بشاعته، أخفّ ضررا من “التجريف البشري الحضاري” الذي طال النخب الفنية والإدارية والحرفية، أو ما عرفناه فيما بعد بـ”الطبقة الوسطى/الكتلة النشطة”.. كريمة المجتمع، حاملة تراثه وقاطرته.
يتابع ابن إياس أن العثمانيين “طلبوا أعيان قضاة، شافعية ومالكية وحنفية وحنابلة، قادة جيش وشرطة، وكبار رجال دولة، ونصارى من كتاب الخزانة والمباشرين، وتجار الوراقين والشَرب والباسطية وخان الخليلي، وجماعة البردوارية والرسل وطائفة من المصانع ومن البنائين والنجارين والمرخمين والمبلطين والحدادين وغير ذلك من المعلمين، حتى جماعة من اليهود، وعينوا منهم جماعة يسافرون إلى إسطنبول كتبوا أسماءهم في قوائم وألزموا كل منهم بضامن يضمنه”، ومن يرفض يعاقب كما “خوزقة” شيخ البنائين. يرصد رحيلهم يوماً بيوم، معتبرا أنها “من أبشع الوقائع المنكرة التي لم يقع لأهل مصر قط مثلها في الزمان”. حصل لهم “الضرر الشامل وبطلت خمسون صنعة لم تعد تعمل”.
ما حدث للمحروسة تكرر بصورة أقل في باقي الأقطار العربية، وإن ظلت سوريا ضحية لثلاث موجات من النهب، الأولى مع احتلال سليم لها، والثانية مع هزيمة أنقرة في الحرب العالمية الأولى وانسحاب الأتراك حاملين ما عرف بـ”الطمائر الذهبية العثمانية”، والثالثة ما زالت مستمرة، فوفق توثيق اليونسكو تنشط التنظيمات الإرهابية في نهب آثار شمال سوريا ونقله إلى تركيا. وضمن التوثيق أن مواقع إدلب الأثرية تتجاوز الـ400، نصفها تلال أثرية، وأن متحفها أفرغ تماما.
وفي الـ13 من ديسمبر 2019، كشف الأثري السوري، صلاح سينو، المتخصص في رصد تعديات الآثار، لقناة الخبر، عن اختفاء نُصب “الأسد البازلتي الكبير”، المكتشف عام 1956، من تل عين دارة الأثري في مدينة عفرين، مستندا إلى صور جوية سبقت وتلت الاحتلال التركي للشمال السوري، وتحويل “الجبهة الوطنية للتحرير” العميلة لأنقرة، للموقع إلى منطقة عسكرية مغلقة، محذرا من أن النهب العثماني قد طال آثار أخرى.