الصفحة 5 من 5
أوهام العثمانيين الجدد
مع أضغاث العثمانيين الجدد، واستعادة “الخلافة الوهمية” كما توصيف الكواكبي، أحيا رجب طيب أردوغان “روحية اللص الحضاري”، منتحلا نسب مبتكرات علمية إسلامية لم يجدوها حين احتلالاتهم للأراضي العربية.
في الـ24 من مايو 2008 افتتح “متحف إسطنبول لتاريخ العلوم والتقنية في الإسلام”، وهو مشروع اقترحه وخططه ورعاه أحد أبرز مؤرخي العثمانيين الجدد، فؤاد سزكين، توفي في الـ30 من يونيو 2018 عن 94 عاما. كان تلميذا مباشرا لعدنان مندريس، أول تجارب الإسلاميين في حكم أنقرة، لجأ إلى ألمانيا سنة 1960، وكرمته عواصم عربية بارزة متجاهلة “تطويعه” التاريخ لصالح الرواية العثمانية. المتحف “يُجيّر” كامل التاريخ العلمي الإسلامي لإسطنبول كحاضرة للمسلمين.
بدأ بـ 700 نموذج لاختراعاتنا العلمية، طوال ألف عام، غالبيتها ابتكرها علماؤنا قبل أن تولد فكرة تركيا! ونفذها لحساب أنقرة معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية بجامعة فرانكفورت، الذي عمل به “سزكين”، على أن تضاف نماذج جديدة سنويا. وبالمتحف مئات المخطوطات العلمية لعلماء العرب، أصلية ومستنسخة.
مشروع آخر خطط له سزكين وأردوغان، متحف إسلامي جديد في بورصة، تعهد الثاني بتنفيذه عقب رحيل الأول. من محيط بورصة انطلقت جحافل جده عثمان لتتريك الأناضول. هو يتحرك وفق مخطط منضبط، والطبيعي أن يرتد همجيا حين تعرية لصوصيته، هو وأسلافه. فلم يأت الشيخ عبدالله بن زايد، وزير خارجية الإمارات، بجديد حين نقل منتصف ديسمبر 2017 تغريدة لطبيب عراقي تذكّر بسرقة فخرالدين لآثار الرسول. الواقعة موثقة تاريخيا، ودفاع الأتراك بأنها أخذت على سبيل “الأمانة والحماية من الغزاة” حجة سارق ضبط متلبسا، فالأمانات والمنهوبات البديهي أن ترد لأصحابها. و”الغزاة” لم تعرف المدينة منهم عبر تاريخها غير أسلافه، والقوات التي كانت تحاصرها لطرد العثمانيين الذين وصفوا بـ”ألمان الإسلام” منها.. عربية، وحلفاؤها هم من أنقذوا الأستانة من جيوش محمد علي وابنه إبراهيم.
ما أوجع أردوغان هو زخم اكتسبته “الواقعة التاريخية” بإعادة “شخصية مؤثرة دوليا” بثها، ما منحها انتشارا أوسع.. زاده أردوغان “بذكائه”. غير أن من يبحث عن جدل تغريدة “سرقة الأثار النبوية” سيفاجأ بأن “الرواية العثمانية” هي الأكثر انتشارا، خلفها ترويج الجزيرة ودوائرها ومواقع بالعربية تموّلها تركيا. رواية استلبت دماغ مثقفين عرب ما زالوا غرقى في أكذوبة “الخلافة الإسلامية العثمانية”، وان السفاح “نمر إسلامي” دافع عن “مدينة الرسول” أمام “غزو صليبي إنجليزي”. وضمنهم صحافيون، صناع رأي عام، في جرائد ومواقع سياستها التحريرية “مدنية”، وملاكها “علمانيون”. في حين غابت المخطوطات العربية، بعضها لضحايا مباشرين للسفاح.
فقد العثماني الجديد أعصابه أمام تغريدة، فماذا لو مأسسنا منظومة لفضح روحية اللص الحضاري التي لم تتوقف، ولوضع مخطط قومي لاستعادة تراثنا المنهوب. ولنا في الأرمن، الشعب الصغير، وفي شعوب استردت آثارها التي نهبها المستعمر.. أسوة حسنة.
محمد طعيمة
كاتب مصري