الصفحة 3 من 5
العملاق الجريح
في غضون ذلك نجت شركة سوناطراك الجزائرية من العديد من الفضائح ومحاكمات الفساد على مدار العشرين سنة الماضية، لكنها أصبحت أضعف مما كانت بكثير. وتعدّ نجاة الشركة التي كانت في أوج قوتها في الثمانينات والتسعينات شهادة على مهارات مهندسيها. ونمت عائدات الصادرات الجزائرية بنسبة 45 في المئة لتصل إلى 12.6 مليار دولار خلال الأشهر الخمسة الأولى من سنة 2021 مقارنة بالفترة المماثلة من سنة 2020. ومن المتوقع أن يرتفع الدخل الأجنبي في عام 2021 إلى 5.33 مليار دولار.
كما يتوقع أن يبلغ إجمالي النفقات الرأسمالية 40 مليار دولار بين 2020 و2021، منها 51 في المئة بالعملة الوطنية. ولا يمكن أن تخفي هذه الإحصائيات والمشاريع، على الرغم من أنها تبدو مغرية، حقيقة أن قطاع الهيدروكربونات -الذي يمثل 95 في المئة من عائدات التصدير، والذي لم يتغير منذ أكثر من أربعين سنة- لا يُدار بشكل جيد.
لكن للبلاد 25 ألف مليار متر مكعب من احتياطيات الغاز في أحواض ضخمة من الصخر الزيتي. وبهذه الكمية تعد ثالث أكبر دولة في العالم بعد الولايات المتحدة والصين، وقبل الأرجنتين. ولا تقترح السلطات الجزائرية أي حل لنقص الغاز الذي يلوح في الأفق.
وتبقى الخطوط العريضة لمشكلة الطاقة الجزائرية ظاهرة: يتم توفير الإنتاج الحالي للغاز (130 مليار متر مكعب، مقسمة إلى ثلاثة أجزاء متساوية: الاستهلاك والصادرات وإعادة الحقن) من خلال حقل حاسي رمل بشكل أساسي. وينتج الحقل حاليا ما يزيد قليلا عن 60 مليار متر مكعب سنويا من الغاز. وسيكون قادرا على الحفاظ على هذا المعدل حتى 2028، ثم سينخفض إنتاجه بسرعة ويصبح ضئيلا اعتبارا من 2040.
وتتمثل أكبر المشاكل في نظام الكهرباء الذي يستهلك حوالي 20 مليار متر مكعب سنويا من الغاز؛ حيث أن معدل كفاءة محطات الطاقة القديمة منخفض جدا (حوالي 36 في المئة) بينما تبقى خسائر الشبكة عالية (13.5 في المئة). ولا تشهد البلاد تنشيط محطات طاقة جديدة أكثر كفاءة، ولا يوجد لدى الشركة الوطنية للكهرباء والغاز (سونلغاز) -التي تحتكر إنتاج الكهرباء وبيعها- ولا لدى المستهلكين أي حافز للعمل على تحقيق الوفرة.
وتوفر سونلغاز الغاز بسعر منخفض قدره 0.30 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية، وهو على الأرجح السعر الأدنى في العالم. ولا يغطي هذا السعر حتى تكاليف إنتاج سوناطراك. وسُجّل متوسط سعر المستهلك للكهرباء عند 0.03 دولار للكيلووات ساعة فقط، باستثناء الضرائب. ويعدّ العمل على إمدادات الغاز والاستهلاك مطلوبا لإيجاد مخرج من الأزمة الراهنة.
وصرّحت سوناطراك أنها حققت 18 اكتشافا جديدا خلال العام أو العامين الماضيين مما أدى إلى تحديث أحجام احتياطيات النفط والغاز في الجزائر بمقدار اثنين ونصف. وتبدو مثل هذه الإحصاءات مبنية على التلاعب، كما يبدو الحديث الأخير عن خط الغاز النيجيري – الجزائري جذّابا لكنه بعيد المنال. لذلك يمكن القول إننا في عالم الحكايات الخرافية وليس المشاريع التي لديها أدنى فرصة للتحقق. وقد كانت عواقب الاضطرابات السياسية في السنوات الأخيرة في الجزائر لعبة لا نهاية لها من الكراسي الدوارة في القطاع الاقتصادي والتي تتحدث عن فوضى أوسع ونقص في التفكير الاستراتيجي. ولم يعد هناك فارض لضوابط الاقتصاد الجزائري.