الصفحة 4 من 5
غياب أوروبي
يشير خط أنابيب المغرب العربي – أوروبا الفارغ أيضا إلى أن الاتحاد الأوروبي غير قادر على التفكير بشكل استراتيجي في منطقة تعتبر مهمة لأمنه. وتبقى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي منقسمة. وفي المغرب العربي قوبلت الثورات التي انتشرت عبر الأراضي العربية في 2011، والدور الأكثر نشاطا الذي لعبته تركيا وبعض دول الشرق الأوسط والصين في البحر المتوسط، بفشل خيال أوروبا السياسي.
وفشلت أوروبا في الارتقاء إلى مستوى التحدي المتمثل في حدودها المضطربة وقوس الأزمة التي امتدت على مدار ربع قرن من دول البلطيق إلى المغرب. وسمح الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لروسيا ببناء أصولها العسكرية من خلال تراكم الأخطاء الاستراتيجية والتكتيكية في العراق وليبيا وسوريا. وانغمس الغرب في حروب الاختيار التي زعزعت استقرار منطقة مزقتها الصراعات المحلية والإقليمية طويلة الأمد.
ويكمن السبب الرئيسي في عدم تعامل الاتحاد الأوروبي مع شمال أفريقيا في أنه لم يقدم للمنطقة أبدا نوع التكامل الاقتصادي الذي قدمته ألمانيا لمناطقها النائية في أوروبا الشرقية؛ حيث خلقت برلين “ورشة عمل تمتد إلى الشرق” من خلال الاستثمار المكثف في المواقع الصناعية في الشرق والاستفادة الكاملة من مزاياها النسبية.
وفي أواخر التسعينات بدأ الاتحاد الأوروبي يصور نفسه على أنه قوة “معيارية”. وفي حين أنه يفتقر إلى سمات القوة العسكرية العظمى التقليدية، إلا أنه استطاع أن يظهر القيادة العالمية من خلال تعزيز معايير مثل الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان والتضامن الاجتماعي.
لكن هذه التطلعات السامية لم تشكل أبدا الأساس الحقيقي للسياسة الخارجية الألمانية أو الفرنسية. وكان القرار الألماني الذي يقضي بالمضي قدما في نورد ستريم 2 مستوحى من “التغيير من خلال التجارة”. ولا تشترك دول شمال أفريقيا وأوروبا الشرقية في نفس السجل التاريخي أو الاقتصادي. إلا أنه كان ينبغي على دول شمال البحر المتوسط أن تحذو حذو ألمانيا في مواجهة نظيرتها المغاربية. ولكن لم تكن نية فرنسا (اللاعب الرئيسي في هذه اللعبة) أن تعرض على مستعمراتها السابقة شراكة في التنمية الصناعية. ويُبرز هذا فشل الخيال السياسي الفرنسي.
وعزّز الاتحاد الأوروبي سلطته “المعيارية” في شمال أفريقيا، ولكنه لم يروّج لأي سياسة صناعية كان من الممكن أن تفيد بلدان المغرب العربي ككل. وفشل التعاون الاقتصادي المعزز الذي قدمته الشراكة الأورومتوسطية (أو عملية برشلونة) عام 1995 في الوفاء بوعدها لأنه لم يذهب إلى أبعد من وضع الممارسات التجارية القائمة، ولاسيما تلك التي تتمتع بها فرنسا، في زي جديد.
كما فشل في معالجة الفرص التي يوفرها النفط والغاز والفوسفات والأسمدة وصناعة المواد الكيميائية الأوسع في وقت كان فيه المشهد الكيميائي الأوروبي يتلاشى ويشهد إعادة تشكيل جذرية. وفشل الاتحاد الأوروبي في تحديد الطلب المتزايد والمتسارع على الأسمدة الذي يتطلبه الارتفاع المستمر في استهلاك الغذاء العالمي.
ولم يدرس قادة الاتحاد الأوروبي أو شمال أفريقيا فرص “المغرب الكيميائي” للاستفادة من الهجرة السريعة للصناعات الكيميائية من شمال أوروبا إلى العالم النامي. وبنى الخليج صناعة كيميائية قوية على عكس الجزائر والمغرب. وتستمد الجزائر 95 في المئة من دخل صادراتها من النفط والغاز، دون تغيير عما كانت عليه قبل 40 عاما، وهو رمز لسياسة اقتصادية فاشلة.
وعلى النقيض من ذلك أنشأ المغرب شبكة من المشاريع المشتركة عبر أفريقيا والبرازيل من خلال احتكاره الذكي للفوسفات. وتمكن من الاستفادة من الأسمدة المشتقة من الفوسفات باستخدام تقنيات إدارة متقدمة.