اختر لغتك

مختبر يوهان الصيني للفيروسات

هل تآمرت أميركا والصّين معاً على البشريّة؟

اتّهم أعضاء "جمهوريون"، في مجلس النواب الأميركي، الولايات المتحدة والصين بالمسؤولية المشتركة عن تخليق فيروس "كورونا" في معمل في مدينة "ووهان" الصينية، وقالوا في تقرير نقلته وكالات الأنباء، الاثنين الماضي، إن خبراء من البلدين قاموا بتعديل الفيروس لإصابة البشر في تجارب سرية، وإن خطأ ما أدى لتسرّبه، فقتل 4 ملايين إنسان وأصاب 200 مليون، بينما قبع بقية البشر في بيوتهم أسرى الجائحة. ولو صح هذا الاتهام، فإنه قد يغيّر ملامح العالم سياسياً واقتصادياً وعلمياً وعسكرياً. الغريب أنه لم يلق الاهتمام الكافي عالمياً، بما أعاد التذكير بنظرية المؤامرة التي كان أبرز دعاتها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، حول منشأ "كوفيد-19"، وأنه مُصمم عن قصد أو ناجم عن حادث في مختبر. الجديد هذه المرة أن يأتي الاتهام للولايات المتحدة والصين من جانب مشرّعين أميركيين، بما قد يفتح صندوق الباندورا على نحو لا يصدق. يكفي أن تعلم أن امتلاك أحدهم "معملاً" صغيراً على ناصية الشارع، يضع بيده سلاحاً أخطر من النووي، أو تخيّل حجم التعويضات المطلوبة من جانب سكان الكوكب من التنين والعم سام، جرّاء تداعيات الوباء، على المستويات كافة!
 

ثورة بيوتكنولوجية
 
التقرير المذكور قدمه كبير الجمهوريين في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، مايك ماكول، وأشار فيه إلى وجود "أدلة" كثيرة على أن علماء معهد ووهان الصيني لعلم الفيروسات، وبمساعدة خبراء أميركيين، وبتمويل "حكومي" صيني - أميركي، كانوا يعملون على تعديل فيروسات كورونا لإصابة البشر، سراً في المختبر، ودعا التقرير لإجراء تحقيق من جانب الحزبين الديموقراطي والجمهوري في أصول الجائحة.
 
منذ بدء انتشار كوفيد-19، وحتى الآن، تراشقت واشنطن وبكين الاتهامات بالمسؤولية عن "تخليق كورونا"، ولو أصغينا إلى تلك الاتهامات، لتبين لنا أن البشرية تحيا بالفعل "ثورة بيوتكنولوجية"، عن طريق الهندسة الوراثية. في أيلول (سبتمبر) الماضي، نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالةً للكاتب فيفك وادوا، تناول فيها فرضية تخليق فيروس جديد باستخدام الهندسة الوراثية، في معمل صغير مجهز بتكنولوجيا رخيصة. أوضح وادوا أنه لو لم تكن الهندسة الوراثية وراء جائحة كورونا، فمن الممكن أن تكون السبب في إطلاق العنان لجائحة قادمة؛ مبيناً أن خطوة الباحث البيولوجي الأولى كي يصمم فيروساً تتمثل في الحصول على المعلومات الجينية "الوراثية" لمسبب المرض الموجود - مثل أحد فيروسات كورونا التي تسبب نزلات البرد - والتي يمكن بعد ذلك تغييرها لتخليق شيء أكثر خطورة.
 
بفضل الهندسة الوراثية، أصبحت الأدوات اللازمة لتخليق فيروس رخيصة جداً ومتاحة بسهولة، بحيث يمكن لأي عالم مارق أو هاكر "مُخترق – مُخرب" بيولوجي في سن طلبة الكلية استخدامها على طاولة المطبخ، باستعمال معدات متوفرة على موقع أمازون، ما يخلق تهديدات كبيرة. ويمكن أن يأخذ الأمر أبعاداً أشد خطورة، في إطار إعادة هندسة الوجود الإنساني على سطح البسيطة، بزيادة نسل من يعتبرون أنفسهم "الأفضل" والأكثر تقدماً، وتقليل نسل "الأسوأ" والأكثر تخلفاً، ولو حتى بقتله. عن طريق التكنولوجيا نستطيع النفاذ إلى داخل المادة الوراثية للفرد، والتغيير والتبديل فيها، وتكون النتائج فورية، ما دفع المفكر الأميركي فرنسيس فوكوياما لتأليف كتاب "نهاية الإنسان، عواقب الثورة البيوتكنولوجية"، للتحذير من خطر يتهدد الإنسانية برمّتها، لذلك ربما تستخدم هذه التقنيات سلاحاً إرهابياً، ورأينا كيف ركعت اقتصادات الدول أمام "كورونا المُستجد".
 

التعلّم من البكتيريا
 
ويشير الكاتب إلى تقنية كريسبر (CRISPR)، التي طوّرت منذ بضع سنوات فقط. هي إحدى تقنيات هندسة أشكال الحياة لتعديل الجينات وتحويرها وتغييرها وتصحيحها وعلاجها، وباتت عملية الهندسة الوراثية المعقدة في سهولة تحرير المستندات، مبيناً أن "كريسبر" تستخدم الآلية الطبيعية التي تستخدمها البكتيريا لقص أجزاء من المعلومات الجينية من جينوم واحد وإدخالها في جينوم آخر. وهذه الآلية، التي طوّرتها البكتيريا على مدى آلاف السنين للدفاع عن نفسها من الفيروسات، تحوّلت إلى طريقة رخيصة وبسيطة لتعديل الحمض النووي لأي كائن حي في المختبر. وإذا كانت تجربة الحمض النووي تطلّبت سنوات من الخبرة ومختبرات متطورة وإنفاق ملايين الدولارات، فإن تقنية كريسبر غيّرت كل ذلك، وجعلته يسيراً، ونظراً إلى أنها تقنية رخيصة وسهلة الاستخدام، فإن الأبحاث الناجمة عنها لا تتقيد باللوائح أو الأخلاقيات إلى حد كبير.
 
يضرب فيفك وادوا مثالاً على ذلك، بمن سماهم "مجموعة العلماء المارقين" في الصين، والذين يثيرون القلق، بتجاربهم الجينية الخطيرة بلا رادع أخلاقي. والحال ليست أفضل في الولايات المتحدة، فقد أصبحت تكنولوجيا تعديل الجينات متاحة للغاية، إلى درجة رؤية مراهقين يجرون تجارب على الفيروسات، في المرأب الخاص بهم ... يطلب أحدهم، عبر الإنترنت، مجموعة تقنية كريسبر مقابل 169 دولاراً ليتولى بنفسه فعل ما يريد. ويأتي الطلب مصحوباً بعبارة: كل ما تحتاجه لإجراء تعديلات دقيقة على الجينوم في البكتيريا بالمنزل.
 
الأمر ليس جديداً. شاعت فكرة "الثورة البيوجينية"، أوائل القرن الماضي، ودعا إليها فرنسيس جالتون، واعتنقها عدد لا يُصدق من الساسة والمفكرين والعلماء والأدباء، وعمّت هذه "الثورة البوجينية"، آنذاك، بدعوى تحسين حياة البشر بالقضاء على الفقر والمرض، ثم توارت في نهاية الحرب العالمية الثانية، ولو استمرت لآذنت مبكراً بنهاية الإنسان. كانت ثورة اختلط فيها الجهل بالتعصب، بالحماقة ثم بالوحشية، لم يكن العلماء يعلمون أنهم يجهلون، وظنوا أنهم إنما يعملون لخير البشرية، مثلما حدث في ألمانيا النازية، في خدمة مخططات أدولف هتلر.
 
اليوم، يدرك الأشقياء والإرهابيون والمستبدون في عالمنا أن مسببات الأمراض يمكن أن تكون مدمرة كالصواريخ النووية، يكفي أن يعبث أحدهم فيخلق لنا جائحة أشد خطراً وقتلاً، كي يبتز البشرية بأسرها إن أراد. تقنية كريسبر جعلت هذا احتمالاً ممكناً على نحو كابوسي مفزع.
 
ولا شك في أن لهذه التقنيات، استخدامات جيدة، تساعد في حل مشكلات عويصة، كإيجاد علاج سريع للأمراض، أو لقاحات كورونا على سبيل المثال - كان يستغرق سنوات فتم في أشهر عدة - لكنها قد تستخدم لأهداف شريرة، يمكن أن تنشر أوبئة من النوع الذي نحاربه الآن. وهذا هو السبب وراء الدعوات لوقف تعديل الجينات، إلى حين وضع ضوابط صارمة ومعاهدات دولية تحول دون استخدام تقنية كريسبر استخداماً شريراً. بالطبع لا يمكن وقف هذه التقنيات بالكامل، فالجنّي خرج من القمقم ويستحيل إعادته؛ الحل المتاح هو تسريع الجانب الجيد من هذه التقنيات ببناء دفاعاتنا ضد الأمراض، ويجب أن نتعامل مع جائحة فيروس كورونا بوصفها بروفة كاملة لما سيأتي، لسوء الحظ، سواء كانت فيروسات من الطبيعة أو مهندسة بشرياً، عن عمد. والخير الذي ربما يأتي في النهاية من هذا سيمثل العلاج للأوبئة، أما الشر فمروِّع لدرجة لا تحتمل التفكير فيه.
 
أما عن النتائج الممكنة لاتهام النواب الأميركيين بلادهم بالمشاركة مع الصين في ابتلاء العالم بكورونا، فذاك حديث آخر.
 

آخر الأخبار

الحكم بالسجن 9 سنوات لصهر بن علي في قضية فساد مالي

الحكم بالسجن 9 سنوات لصهر بن علي في قضية فساد مالي

الإصلاح التربوي في تونس: أزمة بنيوية تتطلب إعادة التفكير الجذري في المنظومة التعليمية

الإصلاح التربوي في تونس: أزمة بنيوية تتطلب إعادة التفكير الجذري في المنظومة التعليمية

السجن لرجل أعمال ورئيس جمعية رياضية بتهم فساد مالي

السجن لرجل أعمال ورئيس جمعية رياضية بتهم فساد مالي

ريادة الأعمال النسائية في تونس: نحو اقتصاد أخضر وشامل لتحقيق التنمية المستدامة

ريادة الأعمال النسائية في تونس: نحو اقتصاد أخضر وشامل لتحقيق التنمية المستدامة

تونس في المرتبة الثانية في هجرة الكفاءات: أزمة تهدد المستقبل وضرورة استراتيجية وطنية للحد منها

تونس في المرتبة الثانية في هجرة الكفاءات: أزمة تهدد المستقبل وضرورة استراتيجية وطنية للحد منها

Please publish modules in offcanvas position.