الصفحة 3 من 3
التعلّم من البكتيريا
ويشير الكاتب إلى تقنية كريسبر (CRISPR)، التي طوّرت منذ بضع سنوات فقط. هي إحدى تقنيات هندسة أشكال الحياة لتعديل الجينات وتحويرها وتغييرها وتصحيحها وعلاجها، وباتت عملية الهندسة الوراثية المعقدة في سهولة تحرير المستندات، مبيناً أن "كريسبر" تستخدم الآلية الطبيعية التي تستخدمها البكتيريا لقص أجزاء من المعلومات الجينية من جينوم واحد وإدخالها في جينوم آخر. وهذه الآلية، التي طوّرتها البكتيريا على مدى آلاف السنين للدفاع عن نفسها من الفيروسات، تحوّلت إلى طريقة رخيصة وبسيطة لتعديل الحمض النووي لأي كائن حي في المختبر. وإذا كانت تجربة الحمض النووي تطلّبت سنوات من الخبرة ومختبرات متطورة وإنفاق ملايين الدولارات، فإن تقنية كريسبر غيّرت كل ذلك، وجعلته يسيراً، ونظراً إلى أنها تقنية رخيصة وسهلة الاستخدام، فإن الأبحاث الناجمة عنها لا تتقيد باللوائح أو الأخلاقيات إلى حد كبير.
يضرب فيفك وادوا مثالاً على ذلك، بمن سماهم "مجموعة العلماء المارقين" في الصين، والذين يثيرون القلق، بتجاربهم الجينية الخطيرة بلا رادع أخلاقي. والحال ليست أفضل في الولايات المتحدة، فقد أصبحت تكنولوجيا تعديل الجينات متاحة للغاية، إلى درجة رؤية مراهقين يجرون تجارب على الفيروسات، في المرأب الخاص بهم ... يطلب أحدهم، عبر الإنترنت، مجموعة تقنية كريسبر مقابل 169 دولاراً ليتولى بنفسه فعل ما يريد. ويأتي الطلب مصحوباً بعبارة: كل ما تحتاجه لإجراء تعديلات دقيقة على الجينوم في البكتيريا بالمنزل.
الأمر ليس جديداً. شاعت فكرة "الثورة البيوجينية"، أوائل القرن الماضي، ودعا إليها فرنسيس جالتون، واعتنقها عدد لا يُصدق من الساسة والمفكرين والعلماء والأدباء، وعمّت هذه "الثورة البوجينية"، آنذاك، بدعوى تحسين حياة البشر بالقضاء على الفقر والمرض، ثم توارت في نهاية الحرب العالمية الثانية، ولو استمرت لآذنت مبكراً بنهاية الإنسان. كانت ثورة اختلط فيها الجهل بالتعصب، بالحماقة ثم بالوحشية، لم يكن العلماء يعلمون أنهم يجهلون، وظنوا أنهم إنما يعملون لخير البشرية، مثلما حدث في ألمانيا النازية، في خدمة مخططات أدولف هتلر.
اليوم، يدرك الأشقياء والإرهابيون والمستبدون في عالمنا أن مسببات الأمراض يمكن أن تكون مدمرة كالصواريخ النووية، يكفي أن يعبث أحدهم فيخلق لنا جائحة أشد خطراً وقتلاً، كي يبتز البشرية بأسرها إن أراد. تقنية كريسبر جعلت هذا احتمالاً ممكناً على نحو كابوسي مفزع.
ولا شك في أن لهذه التقنيات، استخدامات جيدة، تساعد في حل مشكلات عويصة، كإيجاد علاج سريع للأمراض، أو لقاحات كورونا على سبيل المثال - كان يستغرق سنوات فتم في أشهر عدة - لكنها قد تستخدم لأهداف شريرة، يمكن أن تنشر أوبئة من النوع الذي نحاربه الآن. وهذا هو السبب وراء الدعوات لوقف تعديل الجينات، إلى حين وضع ضوابط صارمة ومعاهدات دولية تحول دون استخدام تقنية كريسبر استخداماً شريراً. بالطبع لا يمكن وقف هذه التقنيات بالكامل، فالجنّي خرج من القمقم ويستحيل إعادته؛ الحل المتاح هو تسريع الجانب الجيد من هذه التقنيات ببناء دفاعاتنا ضد الأمراض، ويجب أن نتعامل مع جائحة فيروس كورونا بوصفها بروفة كاملة لما سيأتي، لسوء الحظ، سواء كانت فيروسات من الطبيعة أو مهندسة بشرياً، عن عمد. والخير الذي ربما يأتي في النهاية من هذا سيمثل العلاج للأوبئة، أما الشر فمروِّع لدرجة لا تحتمل التفكير فيه.
أما عن النتائج الممكنة لاتهام النواب الأميركيين بلادهم بالمشاركة مع الصين في ابتلاء العالم بكورونا، فذاك حديث آخر.