الصفحة 2 من 3
مثقفون متكاتفون
الحجج التي تستر خلفها وزير الثقافة التونسي في حكومة تصريف الأعمال، محمد زين العابدين، لإعلان رفضه هذا اللقاء الحدث، تبدو -لدى جمهور المثقفين- واهية وخالية من المبررات، تتنصل من المسؤولية وتنزع نحو نوع من الشعبوية الراكضة خلف ركوب موجة محاربة التطبيع التي أطلت برأسها كـ”موضة قديمة” تخلى عنها حتى المتحمسون لها بالأمس القريب، من عرب المشرق والفلسطينيين أنفسهم.
صرحت الباحثة رجاء بن سلامة، مديرة المكتبة الوطنية، بأن تأجيل لقاء مع كبار الشخصيات العالمية على غرار ألبرتو مانغويل، هو بمثابة إلغائه. وتجدر الإشارة هنا إلى أن عبارة “تأجيل” في قاموس مصطلحات البيروقراطية الثقافية في تونس، تعني الصيغة الألطف لقرار الرفض والإلغاء، وذلك لكي لا تُتهم الجهة المعنية بالعرقلة والتجاهل وهما الصفتان اللتان طالما عانت منهما النخبة الثقافية في تونس أيام حكم النظام السابق، ولم تختفيا بل زاد الحديث عنهما في عصر الديمقراطية الناشئة واتساع حرية التعبير والاحتجاج.
واستنكرت بن سلامة قرار وزير الثقافة رفض زيارة هذا الكاتب العالمي باسم “مقاطعة التطبيع” مع إسرائيل، مؤكدة أن ألبرتو مانغويل متعاطف مع الشعب الفلسطيني وليست له أية علاقة بسياسة الدولة العبرية، ولكن “هناك صيد في الماء العكر لفرض السيطرة وفرض قرارات اعتباطية لا يمكن قبولها في تونس ما بعد 2011”.
وثمنت بن سلامة اللقاء مع مانغويل، لكونه يعتبر من أحسن من بإمكانهم التحدث عن الكتب فهو عاشق الكتاب والمكتبات، خاصة أنه لا يتحدث فقط عن الأدب وإنما أيضا عن ضيق الروايات، وهو يبقى “مثالا جميلا للمفكر والأديب الحر”.
من جهته صرح كمال الرياحي، مدير بيت الرواية في مدينة الثقافة، بأن قرار وزير الثقافة إلغاء الموعد مع ألبرتو مانغويل، ربما “يتنزل في إطار الاستهتار”، مشيرا إلى أنه “لم يحدث في تاريخ تونس مثل هذا التصرف المتلكئ وغير المسؤول”، وقال إن “هناك عودة بعقلية القمع والدكتاتورية وهذا سابقة في تاريخ تونس”.
وأشار الرياحي، مدير بيت الرواية، النادي الأدبي الأكثر نشاطا في المشهد الثقافي التونسي، والذي يتخذ من أحد أروقة مدينة الثقافة مقرا له، إلى أنه قد تم تهديده من رئيس مكتب الوزير، وتحميله المسؤولية لكونه “جاء برجل ممنوع من دخول تونس”، الأمر الذي استغربه مدير بيت الرواية، مستشهدا بمجموعة مراسلات موثقة، ومؤكدا أن اللقاء كان مبرمجا في مدينة الثقافة منذ مدة، ولكن بعد قرار الوزير بادر عدد من المثقفين التونسيين بالتكفل بزيارة الكاتب ألبرتو، بإمكانياتهم الخاصة، بينما قام الضيف بتقديم المحاضرة بصفة مجانية.
ويشار إلى أن مديرة دار الكتب الوطنية، كهيئة مستقلة، كانت قد أعلنت في ندوة صحافية عن استضافة هذا الكاتب العالمي في قاعة الطاهر الحداد بمقر المكتبة الوطنية تضامنا مع مؤسسة بيت الرواية التي كانت قد التزمت بتنظيم هذا اللقاء بعد سلسلة من المراسلات الموثقة، تكشف موافقة وزارة الشؤون الثقافية على إقامة هذا الحدث الثقافي الهام، قبل تراجعها عن هذه الموافقة أياما قليلة من موعده.