اختر لغتك

مسيرة التغيير في الجزائر عالقة عند عقدة الانتخابات الرئاسية

مسيرة التغيير في الجزائر عالقة عند عقدة الانتخابات الرئاسية

تواصل الاحتجاجات الجزائرية التي تدخل شهرها العاشر يشير إلى أن التطلعات الشعبية قوية وتجد فرصة للتعبير عن نفسها حتى في ظروف الأنظمة الهجينة.
 
تكشف حالة الانسداد القائمة في الجزائر مع وقوف الطرفين؛ المحتجين والسلطة، عند مفترق طريق الانتخابات الرئاسية، عن عمق الأزمة في هذا البلد. وبين شدّ وجذب لتجاوز عقدة الانتخابات يتمسك المحتجون بفرصتهم التي توفر لأول مرة منذ سنوات طويلة مسارا، وإن كان ضيقا، أمام الجزائر لتتحرر من قيود كثيرة تكبل اقتصادها وسياستها ودبلوماسيتها، ويمكن أن يوفر تغييرا يفسح المجال أمام خطط جديدة موجهة نحو إصلاح البنية الهيكلية للنظام السياسي في البلاد.
 
الجزائر- وصل الوضع العام في الجزائر التي تعيش أزمة عميقة دخلت شهرها العاشر، إلى مفترق الطرق؛ فعزم السلطة على إجراء الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر 2019 مهما كانت الظروف والعوائق، يقابله إصرار الحراك الشعبي على التغيير الجذري وعدم السماح للنظام بتجديد نفسه.
 
ويدخل هذا الصراع البلاد في حالة يسيطر عليها الغموض خاصة في ظل التدهور الخطير للاقتصاد المبني على ريع النفط، والذي تأثر بإجراءات تقشفية اتخذتها الحكومة في السنوات الماضية مع انخفاض العوائد من مواد الطاقة.
 
يقول الناشط الجزائري إبراهيم منورين إن استمرار الحراك الشعبي دليل قوي على تمسك جزء لا يستهان به من الجزائريين بمطلبه الرافض لتنظيم الانتخابات الرئاسية التي دعت إليها السلطة، لقناعته بأن النظام يستخدمها كوسيلة لإضفاء الشرعية الداخلية والخارجية، لافتا إلى أن هذه الانتخابات غرضها تعزيز واجهة لسلطة فقدت كل أسباب وجودها.
 
 

مناخ غير ملائم
 
لا يتوانى الفريق أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع رئيس أركان الجيش الجزائري، الذي يوصف على أنه الحاكم الفعلي للجزائر، في توجيه رسائل واضحة ومباشرة للرأي العام الداخلي والخارجي، محاولا التأكيد في كل مرة على أن الانتخابات هي المخرج الوحيد للوضع الذي تتواجد فيه الجزائر، وأن الجيش اتخذ كافة التدابير الأمينة الكفيلة بتأمين جميع مراحل العملية الانتخابية وصونها من شبهات التزوير والفساد، من أجل فتح الباب واسعا أمام مشروع استكمال بناء الدولة الوطنية الجزائرية الحديثة. غير أن هذه الرسائل لم تبدد مخاوف قسم من الجزائريين الذين فقدوا الثقة بإجراءات السلطة وما تقوم به من مبادرات.
 
ويقول وزير الإعلام الأسبق عبدالعزيز رحابي، المحسوب على المعارضة، إن الانتخابات الرئاسية تحتاج إلى مناخ ملائم يراعي التوافق السياسي وتحرر الإعلام الحكومي والخاص وإطلاق سراح سجناء الرأي، مشيرا إلى أن هذه الشروط لا تتوفر في الظروف المصاحبة للانتخابات الرئاسية المقبلة. ويتوافق كلام رحابي، مع الكثير من أراء النشطاء السياسيين والحقوقيين الذين ذكروا أنه يجري حاليا تقييد الحريات المدنية بصورة منهجية، فضلا عن عدم استقلالية السلطة القضائية التي ما زالت تخضع للسلطة التنفيذية، واستمرار التضييق على الأحزاب السياسية المعارضة وعدم تمكينها من فضاءات لشرح مواقفها السياسية خاصة في ما تعلق بعدم المشاركة في الانتخابات. إلى جانب تقييد وسائل الإعلام بطريقة مدروسة لا تخلو من المساومات والتهديدات، وكذلك الأصوات الناقدة داخل المجتمع المدني.
 
لكن المرشح الرئاسي علي بن فليس، رئيس حزب طلائع الحريات الذي خسر الرهان مرتين أمام بوتفليقة في دورتي 2004 و2014، أكد على أن ظروف الانتخابات مقبولة رغم اعترافه بأنها ليست مثالية.
 
ويقول مسؤول في السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات رفض الكشف عن هويته، إن هذه الهيئة تعد تجربة أولى في الجزائر، وستقوم بتعويض الإدارة بصورة كلية في ما يخص التحضير والإشراف والمراقبة وإعلان نتائج الانتخابات. ويمكن لهذه السلطة أن يكون لها تأثير جذري على مسار الانتخابات من خلال بسط سيطرتها على كافة مراحل العملية الانتخابية، وإبعاد كلي للإدارة وخصوصا ما تعلق بمحاضر الفرز.
 
أمام تدني القدرة الشرائية للناس التي تأثرت بفعل فقدان نصف مليون وظيفة منذ انطلاق الحراك، وفي خضم الغموض الذي يسيطر على المشهد السياسي، حذر متتبعون من سيناريوهات معقدة وخطيرة قد تعيد الجزائر إلى مستنقع العنف والفوضى عل غرار ما عاشته في تسعينات القرن الماضي، في ظل تصلب كل طرف بمواقفه المتشددة وإصراره على الخروج منتصرا في النهاية.
 
يعتقد بشير مناص، وهو أحد الكوادر الحكومية، وقد اشتغل في العديد من المجالات، أن الأجواء المشحونة التي تعرفها الجزائر حاليا قد تدفع حتما نحو الانجرار إلى العنف والانزلاق نحو الفوضى، مشيرا إلى ان التظاهرات المؤيدة للانتخابات وتلك الرافضة لها مؤشر لا يبشر بالخير.
 
ونبه مناص، إلى خطر تعاطي وسائل الإعلام مع هذا النوع من الممارسات التي تستهدف تغذية الانقسام بين أبناء الشعب الواحد بغض النظر عن اختلاف قناعاتهم ومشاربهم السياسية.
 
أما ناصر جابي، أستاذ علم الاجتماع، فتحدث عن خصوصية الانتخابات المقبلة في الجزائر، ورجح إقامتها من دون ناخبين في إشارة إلى عزوف قطاع كبير من المواطنين عن الانخراط في الحملة الانتخابية.
 
كما يعتقد جابي، أن الإصرار على المضي قدما نحو الرئاسيات سيزيد من تعميق الأزمة السياسية وليس المساهمة في حلها مثلما يعتقد آخرون. ويشكك محمد بارتي، وهو أحد الإعلاميين المخضرمين في إمكانية إقامة الانتخابات أصلا، متسائلا إن كان حجم المرشحين الخمسة لمنصب الرئيس يمثل حجم العمل الذي قامت به قيادة الجيش منذ انطلاق الحراك الشعبي في 22 فبراير 2019.
 
ويشير بارتي إلى أن القرارات التي ما فتئت تعلنها الحكومة، وهي قرارات على قدر كبير من الأهمية، توحي بأنها غير مستعدة للرحيل رغم أن مطلب إقالتها كان من بين أهم الاقتراحات التي توصلت إليها لجنة الحوار الوطني التي مهدت لقرار إعلان الانتخابات الرئاسية، وتشكيل السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات. كما فسر تركيز التلفزيون الحكومي على إبراز التظاهرات المؤيدة للانتخابات، والشعارات الممجدة للجيش وقائده قايد صالح، على أن شيئا ما يطبخ على نار هادئة.
 
وألمح إلى إمكانية إلغاء الانتخابات وإنشاء مجلس رئاسي مؤقت يقوده قائد الجيش، يمكّن السلطة من ربح الوقت وتهدئة الوضع بما يسمح بتغيير النظام بسلاسة.
 
 

التدخل الأجنبي
 
جعلت الأوضاع السياسية والاجتماعية التي تعيشها الجزائر المحيط الخارجي يتابع ما يحدث بحذر وترقب، قبل أن يدخل النائب الفرنسي الأوروبي رافاييل جولكسمان، على الخط، ويكشف عن عقد الاتحاد الأوروبي لجلسة مناقشة حول الجزائر تتبعها “لائحة استعجالية”.
 
تلقّف المرشحون الخمسة لرئاسة الجزائر بحماسة كبيرة الخطوة المرتقبة من البرلمان الأوروبي، واعتبروها “هدية من السماء”، وهذا لحساسية الشعب الجزائري من التدخل الخارجي، ورفضه القاطع لتدويل أزمته.
 
وندّد المرشح الحر عبدالمجيد تبون، بمحاولات التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر، مؤكدا أن “الشعب الجزائري حر ولن يقبل بالتدخل في شؤونه الداخلية من أي طرف كان، بما في ذلك محاولات الاتحاد الأوربي”. كما دعا إلى تقوية الصفوف الداخلية بغية مواجهة كل ما يحاك ضد الجزائر.
 
أما علي بن فليس، فناشد الجزائريين بضرورة “الوقوف في صف واحد للدفاع عن البلاد ورفع الراية الوطنية والوفاء لرسالة الشهداء”، مبرزا أن الوضع يتطلب “تجند الجميع أكثر من أي وقت مضى”، وكذلك “أهمية الحفاظ على الوحدة الوطنية انطلاقا من ثوابت الهوية الوطنية”.
 
وحذر عبدالقادر بن قرينة، رئيس حركة البناء الوطني، من خطر التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للجزائر، في إشارة إلى طرح الوضع السياسي في الجزائر على طاولة الاتحاد الأوروبي، وحجته في ذلك أن “الشعب الجزائري لن يرضى بأن يمس عرض البلاد”.
 
ربما قد يكون لمحاولات التدخل الخارجي تأثير على اتجاه الأزمة في الجزائر، وقد يكون أيضا طوق نجاة للمتحكمين في السلطة والطامعين فيها على السواء ولو إلى حين. لكن، الواضح أيضا أن المحتجين سيتمسكون بفرصتهم للتغيير إلى آخر رمق، ولن يكون من السهل تخويفهم بورقة التدخل الخارجي وخطره، لأنهم أعلنوا رفضهم لذلك منذ أول يوم خرجوا فيه محتجين.
 
ويؤكد تقرير حديث للمؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات، وهي هيئة مستقلة، أن الاحتجاجات الكبيرة التي ميزت المنطقة العربية في عام 2019، وهزت الجزائر والسودان، ثم لحقت بهما العراق ولبنان، تشهد على أن المطالب متزايدة بتغيير أنظمة حكم بعضها راسخ منذ الاستقلال في خمسينات القرن الماضية، كما هو الحال في الجزائر، وبعضها جاء إما إثر انقلاب، على غرار السودان، أو بعد حرب أهلية، كما في لبنان، أو إثر تدخل خارجي، وحال العراق، المثال الأبرز على ذلك.
 
وتشير هذه الاحتجاجات، التي يبدو أنها النسخة المطورة مما شهدته المنطقة في 2011، إلى أن التطلعات الشعبية قوية وتجد فرصة للتعبير عن نفسها حتى في ظروف الأنظمة الهجينة أو غير الديمقراطية.
 

آخر الأخبار

صفقة جديدة لتعزيز صفوف سبورتينغ المكنين لكرة اليد: الحارس ماجد حمزة ينضم للفريق

صفقة جديدة لتعزيز صفوف سبورتينغ المكنين لكرة اليد: الحارس ماجد حمزة ينضم للفريق

النخلة فضاء جديد في سوسة لبيع و ترويج دقلة النور و مشتقاتها

النخلة فضاء جديد في سوسة لبيع و ترويج دقلة النور و مشتقاتها

النادي الإفريقي: مواجهة مستقبل قابس بتشكيلة متجددة وشراكة أمريكية تاريخية

النادي الإفريقي: مواجهة مستقبل قابس بتشكيلة متجددة وشراكة أمريكية تاريخية

جيش البرباشة: 10 آلاف جندي في معركة النفايات والاقتصاد الوطني

جيش البرباشة: 10 آلاف جندي في معركة النفايات والاقتصاد الوطني

رشاد العرفاوي أساسي في مواجهة مستقبل قابس: فرصة لإثبات الذات

رشاد العرفاوي أساسي في مواجهة مستقبل قابس: فرصة لإثبات الذات

Please publish modules in offcanvas position.