يُعد جبل الشيخ من أبرز المعالم الجغرافية ذات الأهمية الاستراتيجية في بلاد الشام، حيث تطل قممه الشاهقة على ثلاث دول: سوريا، لبنان، وفلسطين. هذا الموقع الجغرافي الفريد جعله محوراً للنزاعات الإقليمية، خصوصاً بعد أن أحكمت إسرائيل سيطرتها عليه، مستغلةً الفوضى التي أعقبت الأزمة السورية.
مقالات ذات صلة:
واشنطن تدافع عن التوغل الإسرائيلي في سوريا: "دفاع عن النفس"
بلينكن: واشنطن عازمة على منع عودة داعش إلى سوريا والحفاظ على وحدة البلد
اختراق المنطقة العازلة
في أعقاب انهيار النظام السوري، وجدت إسرائيل فرصة لتوسيع نفوذها. حيث اخترقت المنطقة منزوعة السلاح، والتي أُنشئت بعد حرب 1973 بموجب اتفاقية فض الاشتباك. سيطرت على مواقع عسكرية سورية مهجورة، وفرضت واقعاً جديداً على المنطقة، متسببةً بتهجير سكان القرى المجاورة.
وعلى الرغم من تأكيد إسرائيل أن هذا التوغل "مؤقت"، إلا أن تصريحات كبار مسؤوليها تشير إلى نوايا بعيدة المدى للبقاء في المنطقة، خاصة مع توظيف الجبل كنقطة متقدمة للرصد والإنذار المبكر.
أهمية الجبل الاستراتيجية
يتجاوز ارتفاع جبل الشيخ 2800 متر، مما يمنح المسيطر عليه قدرة استثنائية على مراقبة مناطق واسعة تشمل دمشق، جنوب لبنان، وشمال فلسطين. وفقاً لتقارير عسكرية، تستخدم إسرائيل قمم الجبل لتعزيز منظومات المراقبة الإلكترونية، وتركيب أجهزة رادار متطورة، وهو ما يمنحها ميزة أمنية غير مسبوقة.
يصف الخبراء هذا الموقع بـ"العين التي لا تنام"، حيث أكد المحلل العسكري الإسرائيلي إفرايم إنبار أن السيطرة على جبل الشيخ تعني "السيطرة على جغرافيا أمنية حيوية".
ردود الفعل الإقليمية والدولية
التوغل الإسرائيلي في جبل الشيخ قوبل بإدانات واسعة النطاق. نددت دول مثل مصر والأردن والسعودية بهذه الخطوة، معتبرةً إياها انتهاكاً صارخاً للسيادة السورية. في المقابل، دعمت الولايات المتحدة هذا التوجه، معتبرةً أنه "ضمانة لأمن إسرائيل".
أما فصائل المعارضة السورية، التي تسعى لتأمين مناطقها، فقد دعت مجلس الأمن الدولي للتدخل، مطالبةً بإجبار إسرائيل على الانسحاب الفوري.
الجبل في قلب النزاع
يُلقب جبل الشيخ بـ"حرمون"، ومعناه المقدس، ويُعتبر شرياناً مائياً حيوياً يغذي نهر الأردن وعدة مجاري مائية أخرى. بقممه الأربعة، يمثل الجبل نقطة التقاء سياسية وعسكرية، حيث يمكن من أعلاه رؤية مناطق تمتد من دمشق إلى سهل البقاع، ومن شمال فلسطين إلى مرتفعات الجليل.
إسرائيل تدرك أن السيطرة على الجبل ليست مجرد خطوة تكتيكية، بل استراتيجية لتعزيز نفوذها في المنطقة، مما يجعل من جبل الشيخ عنواناً بارزاً في معادلة الصراع الإقليمي.
بين الادعاءات الإسرائيلية بالبحث عن الأمن، والتحركات الدولية للحد من التصعيد، يبقى جبل الشيخ شاهداً على صراع لا ينتهي في قلب الشرق الأوسط، حيث يُعاد تشكيل الخرائط، وحيث تتحول الجغرافيا إلى أداة للسيطرة والنفوذ.