تحري القمر
والتحري في المفهوم الفقهي على ضربين: الرؤية والحساب. وعليه فقد اعتمدت بعض البلدان الإسلامية فقه الحساب، كتركيا والمجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء، اللذين اعتمدا رسمياً أن الأربعاء 16 مايو/أيار غرة شهر رمضان للعام الهجري 1439 الموافق للعام 2018. لأن القمر يتولد فلكياً يوم الثلاثاء في تمام الساعة الثالثة و48 دقيقة بتوقيت مكة المكرمة، أي قبل غروب الشمس بأربع ساعات وأربع دقائق فيها، ويمكث فوق الأفق بعد غروبها دقيقتين اثنتين فقط (في مكة المكرمة). وهاتان الدقيقتان أو حتى لو كانت عشر دقائق، مدة لا تكفي لرؤية القمر بالعين المجردة ولا بالوسائل البصرية المختلفة كالمناظير والتلسكوبات.
في حين أن معظم الدول العربية والإسلامية تعتمد الفهم الآخر لتحري الشهر، وهو إثبات رؤية الهلال، وهو في الحقيقة على ضربين من الطرق؛ فالعلم الثابت حتى عند علماء الغرب من غير المسلمين يشير إلى أن القمر لا يمكن أن يُرى هلالاً جديداً إذا كان فوق الأفق أو قريباً من الشمس مهما كانت قدرة الإنسان البصرية أو حتى قدرة التلسكوبات التي يستخدمها؛ فالغبار الأفقي ووهج أشعة الشمس كفيلان بأن يمحوا آثار هذه الإضاءة الرقيقة التي تنعكس عن هلال القمر.
وأفضل مثال يؤيد ذلك هو شروق القمر البدر من الأفق الشرقي؛ فرغم أن القمر يكون مكتملاً حينها وساطعاً، فإن بعض البلدان التي تتكدس فيها الرطوبة فوق الأفق لا ترى القمر بمجرد أن يشرق إلا بعد أن يرتفع قليلاً فوق الأفق، بل وتُختزل إضاءته في قرص باهت لا يكاد يقوى على أن يقول للناس أنا البدر المتسق، فكيف بهلال نحيل ضعيف رقيق يغيب بُعيد غروب الشمس في نفس ظروف الرؤية السيئة، وتحت وهج أشعة الشمس، فهل يعقل أن يراه بشر أو حتى تلسكوب؟
ومع ذلك، يظهر من يتخذ هذه الحالات منهجاً في الرؤية ويتحدى العلم وكل الحسابات الفلكية الرصينة ليأتينا بما مفاده أنه قادر على رؤية هذا الهلال في هذه الظروف المستحيلة. ولأن الأمر عند ولي الأمر وهو صاحب القرار، فإن الشهادة عادة ما تقبل بدعوى ثقة الشهود وعدولهم لدى القاضي الشرعي. وربما تلعب السياسة الدور الأكبر في مثل هذه الحالات بالنسبة للبلدان التي لم تثبت فيها الرؤية فتتبع هذا البلد أو ذاك.
وأما المنهج الآخر من مناهج الرؤية الذي يتفق مع "أكثر" الفلكيين فهو منهج الأحناف، الذي ينص على ضرورة رؤية الهلال عياناً بالعين المجردة أو بأية وسيلة بصرية تحقق ذلك. ويمثل هؤلاء جميع دول شرق آسيا كباكستان والهند وأفغانستان وبنغلاديش. وكذلك تفعل سلطنة عمان التي تعتمد منهجاً واضحاً وصريحاً فلا رصد إلا في يوم يمكن للهلال فيه أن يكون مرئياً فوق الأفق.
ولذلك، فرمضان في هذه البلدان سيكون على القطع يوم الخميس 17 مايو/أيار 2018، وذلك كما تظهره خريطة احتمال رؤية الهلال في العالم ليوم الأربعاء، حيث تقع أكثر بلدان العالم ضمن المنطقة الخضراء التي تشير إلى أن الراصدين سيرون الهلال بالعين المجردة بسهولة.
أما تلك البلدان التي غالباً تعتمد دقائق القمر بعيد غروب الشمس وتحكمها ظروف الرؤية المتقلبة فمن المحتمل أن يبدأ الشهر فيها يوم الأربعاء 16 مايو/أيار، فإن غم عليهم بسبب غبار كثيف أو غيم ولم يتقدم أحد للشهادة، فسيجتمع حينها معظم المسلمين على يوم الخميس كأول أيام الشهر الفضيل، وهو ما نرجوه.