تحقيق: [عبد الحفيظ حساينية]
في لحظة واحدة، تحوّل جدار مهترئ داخل معهد ثانوي في المزونة إلى قاتل صامت، حصد أرواح تلاميذ كانوا يحلمون بمستقبل مشرق، لكنه انهار حرفيًا على رؤوسهم... دماء على الطباشير، وصرخات تحت الأنقاض، لتنفض بذلك الدولة عن نفسها غبار الصمت، ولو مؤقتًا.
مقالات ذات صلة:
🧱 قيس سعيّد: “تلاميذ المزونة قُتلوا بالإهمال... ولن نغفر لمن ترك الجدران تنهار على رؤوس أبنائنا!”
⚖️ بعد فاجعة سقوط السور: مدير معهد المزونة موقوف... والتهمة "القتل والجرح عن غير قصد"
🔴 معهد المزونة: حين ينهار السور تنهار الثقة: هل يدفع المدير الثمن وحده؟
🧱 جدار مهمل... وموت معلن
يوم الإثنين الماضي، وفي واحدة من أكثر الحوادث فظاعة، انهار جزء من سور معهد بالمزونة (ولاية سيدي بوزيد)، ما أسفر عن وفاة تلميذين وإصابة اثنين آخرين بجروح خطيرة. التحقيقات الأولية كشفت أن الجدار كان آيلاً للسقوط منذ أكثر من عامين، ومع ذلك، لم تُحرّك الإدارات المعنية ساكنًا.
مصدر من داخل وزارة التربية أكّد أن تقارير عديدة حذّرت منذ 2022 من حالة الجدار، لكن الإشكال كالعادة كان في الميزانية والتأشير.
🗣️ قيس سعيّد يتّهم... الفساد والإهمال
في ردّ فعل غاضب، ترأّس رئيس الجمهورية قيس سعيّد اجتماعًا طارئًا بقصر قرطاج، وجّه خلاله اتهامات مباشرة إلى منظومة الفساد التي وصفها بأنها تغلغلت في مفاصل الدولة منذ عقود، وتحمّلها مسؤولية هذه الفاجعة.
وقال سعيّد إن “القوانين لا يجب أن تمثل حاجزًا أمام التدخل العاجل للحفاظ على حياة التونسيين”، مؤكدًا أن الإجراءات الفورية ضرورية، وأن كل من يثبت تقصيره سيتحمّل المسؤولية كاملة.
وتوعّد بمحاسبة المسؤولين عن الإهمال، وبإطلاق خطة وطنية عاجلة لصيانة المؤسسات التربوية، من المزونة إلى القصرين، ومن جندوبة إلى بنزرت.
💸 مؤسسات بلا روح... وسعي لإنعاشها
في سياق متّصل، عقد رئيس الجمهورية اجتماعًا مع رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنزري ووزيرة المالية مشكاة سلامة الخالدي، تناول فيه ضرورة توفير تمويلات عاجلة لإعادة تشغيل عدد من المؤسسات الاقتصادية المتوقفة، والتي زارها بنفسه يوم 17 ديسمبر 2024.
كما شدّد على ضرورة تخصيص ميزانيات فورية لصيانة المؤسسات التربوية والثقافية، مؤكدًا أن الزمن لم يعد يسمح بالمماطلة، وأن "كل ساعة دون إنجاز هي ساعة ضائعة".
📚 مدارس تتحوّل إلى أفخاخ
الإحصائيات تشير إلى وجود أكثر من 420 مؤسسة تربوية آيلة للسقوط في تونس، بحسب تقارير رسمية نشرت سنة 2023. وتفتقر أغلب هذه المؤسسات إلى أبسط شروط السلامة: جدران متشققة، أسقف مهددة بالانهيار، وانعدام للصيانة الدورية.
ويؤكد الأولياء في عدة ولايات أن أبناءهم يذهبون إلى المدرسة خائفين من سقوط السقف أكثر من الخوف من الامتحانات.
🧰 المبادرات الفردية... هل تعوّض تقصير الدولة؟
في خطوة رمزية، أعاد رئيس الجمهورية التذكير بمبادرته كمواطن سنة 2015، حين ساهم في صيانة بعض المدارس بحي التضامن، ودعا المواطنين إلى المساهمة بالتعهد بالمؤسسات حسب اختصاصهم (نجارة، حدادة، بناء...)، معتبرًا أن المسؤولية مشتركة بين الجميع.
كما استشهد بقضية التلميذة مها القضقاضي التي غرقت قبل سنوات بسبب عدم إنجاز جسر صغير رغم رصد 250 ألف دينار له، في حين أن القوات العسكرية أنجزت المشروع بكفاءة وبتكلفة لم تتجاوز 90 ألف دينار!
🛑 إلى أين؟
فاجعة المزونة كشفت من جديد أن الأرواح التونسية لا تزال تُزهق بسبب بيروقراطية قاتلة، وأن حماية التلاميذ لا تتطلب سوى قرار شجاع وميزانية تُصرف في موضعها الصحيح.
الكرة الآن في ملعب الدولة... فهل تتحرك قبل أن نكتب عن جدران أخرى تسقط، وتلاميذ آخرين يُشيَّعون في صمت؟